اغتيال "نصر الله".. و"الإمبرياليّة النفسيّة".. والميدان!
سواء نجح الكيان الصهيونيّ أم لم ينجح في اغتيال أمين عام "حزب الله" سماحة السيّد "حسن نصر الله"، يبقى الحسم في نهاية المطاف لـ "الميدان" كما قال سماحته وقرّر منذ وقت طويل.. عاش مَن عاش، وماتَ مَن مات، واستشهد مَن استشهد!
بالنسبة للسيّد "حسن نصر الله" الشخص، وبعد هذا العمر الطويل الذي عاشه "مجاهداً"، فأيّ مكافأة نهاية خدمة أعزّ وأغلى من أن يقضي شهيداً، وليس أيّ شهادة، شهيداً "على طريق القدس" ضمن أشرف معركة في العصر الحديث، أو "معركة بدر" القرن الحادي والعشرين: "طوفان الأقصى"!
في المقابل، "المَسرَحَة" المُفرِطة ما بين كلمة "نتنياهو" في الأمم المتحدة، وقصف "الضاحية الجنوبيّة" بالتزامن، والانسحاب الاستعراضيّ لمجرم الحرب "نتياهو" من لقائه بالصحفيّين وتصويره وهو يتلقّى هاتفيّاً إحاطةً أمنيّةً عاجلةً من "تل أبيب".. كلّها مظاهر رغم "إفراطها" تعبّر عن رهان العدو على مدى استحكام "المخيال الهوليووديّ" و"سطوة الخطاب" من عقول ووجدان الناس أو "الجماهير" أو "الحشود" من أجل تحقيق النصر عبر ما يُطلق عليها الدكتور "عبد الوهاب المسيري" اسم "الأمبرياليّة النفسيّة"، مرّة أخرى، نجح العدو في اغتيال "نصر الله" أم لم ينجح!
نفس التحليل ينطبق على عمليات العدو السابقة، سواء عمليّة (البيجر)، أو عمليّة (الووكي توكي)، أو الاغتيالات المتكرّرة، أو القائمة الطويلة من جرائم العدو غير المنتهيّة في غزّة.
ووفق هذا التحليل، فإنّ التداول/ الاستهلاك المُفرط الذي تمّ التحذير منه مراراً وتكراراً لصور القتل والدمار والأشلاء والدماء والمعاناة والبكاء والتباكي وما يصاحبها من تحليلات.. يجعل منها أسلحةً واستهدافات مُمنهجة تصبّ في صالح العدو ومجهوده الحربيّ!
انظر أداء العدو الإعلاميّ والدعائيّ في المقابل وتكتّمه على خسائره وصور القتل والدمار والهلع والجزع بين صفوفه!
وطبعاً، "الصبغة الهوليووديّة" المُفرطة لجميع هذه العمليّات والجرائم تفوح منها رائحة قويّة ونفّاذة ومُنتنة لا يمكن تجاهلها وتشي بما لا يدع مجالاً للشكّ بالضلوع الأمريكيّ المباشر فيها، ليس فقط تغطيةً ودعماً وتخطيطاً وتوجيهاً وتزويداً بالمعلومة والعتاد والسلاح، بل بتنفيذ هذه الجرائم، كلّها أو بعضها، بأيدٍ أمريكيّة وأطلسيّة خالصة!
كما أنّ المسارعة الأمريكيّة لنفي علمها أو معرفتها بكلّ جريمة من هذه الجرائم فور وقوعها هي مسارعة "المُريب" الذي يقول "خذوني"!
لو تركنا كلّ هذا جانباً، ونظرنا لما يحدث من منظور المنطق العسكريّ التقليديّ في أكثر مقتضياته وشروطه ومتطلباته أساسيّةً، والإمبرياليّة المباشرة التي يُعتبر الكيان الصهيونيّ أو ما تُسمّى "إسرائيل" تجسيداً لها.. سنجد أنّ العدو هو أكثر مَن يدرك أنّ الاغتيالات هي آخر شيء يمكن أن يحقّق الحسم على الأرض، سواء اغتيل "نصر الله" أو "السنوار" أو "محمد الضيف" أو "عبد الملك الحوثي" أو سائر قيادات المقاومة. والأهم، أنّ الاغتيالات هي آخر شيء يمكن أن يهزم "حركات تحرّر وطني" تقوم عليها شعوب حقيقيّة ذات هويّة وتاريخ وإرث، وأفراد أصحاب قضية ومبدأ وإيمان واعتقاد متجاوز لحدود ضروراتهم الماديّة.
الشاب اليافع الذي يقوم بالتسلل على قدميه ودس عبوة ناسفة أسفل دبابة دون أن يجبره أحد، والشاب الذي يضحّي بزهرة شبابه بعنفوانها وملذّاتها وممكناتها ليبقى مرابطاً في خندق ناءٍ في الجنوب.. مثل هذه النوعيّة من البشر لن يثنيها عن عزمها موت شخص قائداً كان أم غير قائد، وكلّ فرد منها مهيّئ من جهة ومدرّب من جهة أخرى ليبقى عاملاً وفاعلاً ومشتبكاً حتى لو كان آخر جنديّ حيّ في الميدان.
يُفترض أنّ "المقاومة" تحارب من أجلنا، من أجل مقدّساتنا وقضايانا وتحرّرنا وعزّنا وكرامتنا وأعراضنا باعتبارها مناطات وحيثيّات جهادها في سبيل الله.. ويبدو أنّ هنا مكمن رهان العدو وقد استيأس من هزيمتها في الميدان، وهو أن يهزمنا نحن من خلال "إمبرياليّته النفسيّة"، بما يهوّن من أداء ومنجزات وبطولات ومآثر "المقاومة" ويفرّغ فكرتها وجدواها من معناها!
بكلمات أخرى، العدو يعقد رهانه للانتصار على المقاومة علينا، وذلك من خلال خذلاننا لها، وتنصّلنا منها، وتواطؤنا ضدها، وتوجيهنا سهام نقدنا وتشكيكنا وسخريتنا وطائفيتنا وكرهنا وحقدنا إليها، وإسقاط مركبات نقصنا وخوفنا وجبننا وخضوعنا وخنوعنا وعبوديتنا لأراذلنا ومستبدّينا وفاسدينا وخونتنا ونمط عيشنا عليها!
إذا استشهد "نصر الله" فنسأل الله أن يتقبّله في عليّين، وإذا لم يستشهد فنسأل الله أن يكتب له أجر الشهادة.. هذه يفترض أن تكون حدود تعاطينا مع إمبرياليّة العدو النفسيّة، وباستثناء ذلك فإنّ الخبر اليقين يبقى كما كان منذ اليوم الأول عند "الميدان"!