ومضةأفكار على طاولة الحكومة
نسمع ونقرأ في خطابات المسؤولين باستمرار، وعبر الوسائل الإعلامية المتاحة: ( الصحف؛ والإذاعة؛ والتلفزيون) إضافة إلى ما يصدر عنهم في الندوات والمؤتمرات وغيرهما) كلمات رنانة، مثل: الديموقراطية؛ وحقوق الإنسان؛ والحريات العامة؛ وأمن وآمان المواطن؛ ومحاربة الفقر والبطالة؛ وسيادة القانون..وغيرها من الكلمات والعبارات التي تبعث البهجة في نفس المستمع بما تحويه من معانٍ سامية . ولكن المتابع لمُمارسات الحكومات المتعاقبة على أرض الواقع يُصاب - بكل أسف وحسرة وألم- بالصدمة وهو يجد العكس تماماً, ويرى استغفالاً لعقله، وعدم احترام لقدراته الذهنية.
هذه المُمارسات الحكومية هي التي دفعت بعضاً من الناس للخروج أحياناً إلى الشارع للتعبير عن حالة الاختناق والتوتر اللذين وصلت إليهما الحالة الأردنية؛ نتيجة لسياسات الجباية المتكررة ورفع الأسعار والضرائب؛وسياسات الإقصاء؛ والتهميش؛ والمحاصصة؛ وغيرها من المُمارسات التي باتت غير مقبولة عند معظم أفراد الشعب، والبعض الآخر الذي لم يخرج( ولا يرغب في الخروج ) للشارع في أغلبه يصرخ صامتاً في جو خانق مملوء بالكآبة والرهبة والخوف من القادم.
إنني أنطلق في منشوري هذا من غيرتي على وطني وخوفي على بلدي وحبي لقيادته ولكل الأردنيين ، فأنا أرى وأسمع صرخة الناس بوضوح وقوة، وأتلمس جذور الصرخة وأسبابها التي باتت معروفة للجميع، وأهمها غياب روح ومضمون العدالة الاجتماعية بوصفها مبدأ أساسياً يعتمد عليه الناس، ما ساعد غيابه في إيجاد بعض مظاهر الفوضى التي بتنا نراها بوضوح. إن غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القانون على الجميع وبدون استثناء لأحد، وبالتساوي، يجعل الناس يفكرون بعمل أي شيء ، ولهذا نسمع المواطنين أحيانا يكررون عبارات ( اعرف مع مين بتحكي) أو عبارة ( كل شيء ممكن في الأردن) لأن القانون- من وجهة نظرهم- لا يحمي الناس من الظلم والقهر .
إن غياب العدالة الاجتماعية، وغياب حرية الرأي وحرية الكلام المسؤول ؛ جعل مجتمعنا مشغولاً بفكرة النمط الواحد، والمسؤول الواحد، والقيمة الواحدة، والدين الواحد، ولا نقبل الرأي والآخر، ولا نتعايش مع المختلف وغير ذلك.
وعليه لا غرابة في أن تجد الأردنيين يسعون جاهدين الى توحيد أشكال ملابسهم ومنازلهم وآرائهم، ما جعل هذه الظروف مع الزمن تذيب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين.
لقد غاب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة، ويبدأ الفرد بتمييز نفسه بالكنية أو العشيرة أو المنصب أو المال أو الجاه أو الشهادة العليا ...الخ. وفي مجتمع غابت عنه العدالة الاجتماعية وساد فيه الجوع والفقر والبطالة، وانحدرت فيه منطومة القيم والأخلاق، وانتشرت فيه آفة المخدرات وما رافقها من ارهاصات ؛ من المتوقع أن تذوب فيه استقلالية الفرد وقيمته كإنسان، وبالتالي حتماً ستغيب فيه المسؤولية عن الممتلكات والمرافق العامة .
إن غياب العدالة هو وراء حالات الانتحار والسرقة والفساد والنهب والسلب والعنف المجتمعي والعنف في الجامعات والمدارس ...وغيرها من هذه السلوكيات والمُمارسات ، وتدني القيم التي كانت غير موجودة في مجتمعنا أو كان وجودها محدوداً جداً ومنبوذاً.
يا أهل القرار وأصحابه
أرجوكم سماع هذه الصرخة الصامتة من محب لله ولوطنه ، مخلصاً للقيادة الهاشمية والشعب الأردني العظيم، لأن علينا جميعاً أن نستنتج أفكارنا من واقعنا المعيش والملموس، وليس من النظريات والمنظرين الذين أوصلونا إلى عنق زجاجة محكم إغلاقه. علينا أن نبدأ اليوم قبل الغد بغرس بذرة الثقة ما بين الحكومة والشعب بالأفعال لا بالأقوال، مستفيدين مما وجه من نقد ذاتي لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والاستفادة ممن لديهم مبادرات وأفكار لتسريع وتيرة الاقتصاد، وتشكيل لجان متخصصة من أهل الخبرة والاختصاص في حقل التعليم والتعليم العالي (ومن خارج اللجان التقليدية الدائمة سابقا) وبالاشتراك مع فئات الشباب للمساعدة في تطوير منظومة التعليم لدينا، والاستفادة من أصحاب الاختصاص في علم الاجتماع وعلم النفس للمساعدة في إيجاد حلول لمظاهر العنف بأشكاله كافة والترهل القيمي والأخلاقي والسلوكي وغيرها من المظاهر المرفوضة في مجتمعنا .
إن هذه الخطوات السريعة والعملية عديمة الكلفة ، ستعمل حتماً على نزع فتيل الأزمة وإعادة كسب ثقة الناس، على أن يرافق ذلك كله نية حقيقية ورغبة صادقه في إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل.
حفظ الله الأردن قوياً منيعا بأهله الطيبين وفي ظل قيادته الهاشمية الحكيمة.
كل التفاعلات:
١٩