الحرب الشاملة: واقع حقيقي أم دعاية مضللة؟

 
في الآونة الأخيرة، بات مصطلح "الحرب الشاملة" يتردد كثيرًا في وسائل الإعلام والنقاشات السياسية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعمليات العسكرية ضد لبنان وقطاع غزة. هذه العبارة تثير تساؤلات حول مدى واقعية هذا التهديد وما إذا كانت الحرب الشاملة في المنطقة قابلة للتحقق فعلاً، أم أنها مجرد دعاية إعلامية تهدف إلى تضخيم المخاوف وزيادة توتر الرأي العام.

عند التمعن في الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، نجد أن هذا المصطلح قد يكون مبالغًا فيه. معظم القوى الإقليمية الرئيسية، التي يُفترض أن تلعب دورًا في أي حرب شاملة، ليست مستعدة أو غير راغبة في التصعيد. وهذا يظهر في عدة نقاط مهمة:

1. الواقع الإقليمي:
الدول العربية المحيطة بإسرائيل، مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر، رغم تأثرها المباشر أو غير المباشر بالصراع، ليست في وضع يؤهلها للدخول في حرب شاملة. إذ تعاني من تحديات داخلية كبيرة، سواءً كانت اقتصادية أو سياسية أو حتى عسكرية.

2. اتفاقيات السلام والمصالح المشتركة:
اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على استقرار الأوضاع في المنطقة. ورغم التوترات الطفيفة التي قد تطرأ بين الحين والآخر، فإن هذه الدول لا ترغب في زعزعة هذا الاستقرار من خلال الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل.

3. ضعف الحماسة للتصعيد العسكري:
حتى الدول التي تُعتبر في حالة عداء مع إسرائيل، مثل إيران، لم تُقدم حتى الآن على خطوات تصعيدية قد تقود إلى حرب إقليمية شاملة. إيران، رغم دعمها الكبير لحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة، تفضل خوض معاركها عبر وكلاء وليس من خلال تدخل مباشر.

4. العراق وإيران: علاقات مركبة وتحديات قائمة:
بالإضافة إلى الدول المجاورة لإسرائيل، يجب أن نأخذ في الاعتبار دور العراق وعلاقته الوثيقة مع إيران. العراق، الذي يشهد حاليًا اضطرابات سياسية واقتصادية داخلية، ليس في وضع يسمح له بالانخراط في حرب شاملة ضد إسرائيل أو حتى في نزاع إقليمي أوسع. كما أن تأثير إيران على العراق يتجلى في الدعم المستمر للفصائل المسلحة الموالية لطهران. ومع ذلك، يبقى هذا النفوذ ضمن نطاق المواجهات المحدودة ولا يؤشر إلى رغبة فعلية في التصعيد إلى حرب شاملة.

5. إسرائيل وتركيزها على حماس وحزب الله:
في المقابل، تبدو إسرائيل ماضية في تنفيذ عملياتها العسكرية ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، مع التركيز على تحقيق أهداف تكتيكية محدودة تتمثل في إضعاف القدرات العسكرية لهذه الفصائل. وتحرص إسرائيل على تجنب الدخول في صراع أوسع قد يستدعي تدخلات إقليمية كبيرة.

خلاصة القول:
بالنظر إلى كل هذه المعطيات، يمكن القول إن مصطلح "الحرب الشاملة" هو مجرد مصطلح إعلامي يستخدم لإثارة المخاوف والرأي العام، دون وجود إشارات ملموسة على الأرض تؤكد احتمالية حدوث حرب من هذا النوع. القوى الإقليمية لا تبدو مستعدة أو راغبة في تصعيد الأمور إلى مواجهة شاملة. وبالتالي، يبقى هذا السيناريو غير واقعي في الوقت الحالي، ويُستخدم غالبًا لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية.


 
.