هكذا يرى خبراء غربيون نقاط القوة والضعف لدى حماس وإسرائيل
مع اقتراب دخول الحرب في غزة عامها الثاني، تتسع رقعة الصراع مع جيش الاحتلال الإسرائيلي لتطال لبنان، مما غير بعضا من موازين الحرب إقليميا، وفرض عليه المزيد من التحديات.
وبحسب خبراء عسكريين أوروبيين تحدثوا للجزيرة نت، لا تزال حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) تستخدم إستراتيجيتها في الهجوم والدفاع في حرب غزة، وتتمتع بنقاط قوة مثل نظام معلومات واتصالات غير قابل للاختراق إلى حد كبير، ولا تزال تستفيد من شبكة الأنفاق، بينما يتمتع الإسرائيليون بتفوق تقني كبير ودعم أميركي نوعي.
في المقابل، وبحسب الخبراء، يعاني الجيش الإسرائيلي من تزايد الأعباء الاقتصادية وتعدد الجبهات، في حين تفتقر حماس وحزب الله اللبناني إلى حماية مجالهما الجوي، وسط توقعات باستمرار هذه الحرب على المدى الطويل مع دفع أطراف عديدة أثمانا باهظة.
نقاط الضعف والقوة
بطول يتجاوز 600 كيلومتر، تُعد الأنفاق المحفورة تحت الأرض في كل أنحاء قطاع غزة من مكامن القوة التي ساعدت المقاومة الفلسطينية على استهلاك جنود الاحتلال عسكريا ونفسيا.
وفي هذا السياق، يعتبر العقيد المتقاعد والخبير العسكري الألماني رالف تيله، أن حفر هذه الأنفاق وتطبيق نظام معلومات واتصالات خاص مهم للغاية، موضحا "إذا أردت إجراء هذه العمليات اللامركزية كما تفعل حماس، فمن الضروري امتلاكك نظام معلومات القيادة بشكل جيد حتى تتمكن من القيام بكل ما يلزم وبتوقيت محدد".
وأشار الخبير تيله في حديث للجزيرة نت، إلى مدى صعوبة التعامل مع الأنفاق الثلاثية الأبعاد، لأن اكتشافها ليس سهلا، فحتى إذا صرحت إسرائيل بامتلاكها خططا معمارية للأنفاق، ستواجهها دائما مفاجآت في الميدان، مما يمنح حماس تقدما جيدا لتنفيذ الهجمات المفاجئة ومن المسافة صفر.
أما فيما يتعلق بجيش الاحتلال، فقال تيله إن الإسرائيليين يعتمدون على استخدام تقنيات متقدمة "لأن مفتاح كل شيء هو كيفية التعامل مع المعلومات، فتمكنهم من الحصول عليها بسرعة ثم تنفيذ الاستهداف يسمح لهم بالتحكم بالأمور في الوقت الحقيقي".
في المقابل، يرى الجنرال السابق في الجيش الفرنسي، فرانسوا شوفانسي، أن نقطة قوة حماس تتمثل أولا وقبل كل شيء في "تصميمها الذي قد يترجم بنوع من الانتحار، وكأنهم لا يأبهون للموت ومستعدون للشهادة"، فضلا عن مسألة المحتجزين في غزة، التي يصفها بـ"وسيلة الضغط الفعالة" ضد إسرائيل.
وعن جيش الاحتلال، اعتبر شوفانسي، في حديث للجزيرة نت، أن الإسرائيليين مصممون على تدمير حماس وتحرير المحتجزين لديها أو استعادة جثثهم، ولم يستبعد في الوقت ذاته تحول قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم الاستسلام، رغم معارضة الرأي العام المحلي للحرب والضغوط الدولية، إلى مشكلة تضعفه مستقبلا خاصة بعد توسع رقعة الصراع إلى لبنان.
من جانبه، سلط الخبير العسكري رالف تيله الضوء على سلاح "الفضاء الرقمي لنقل البيانات" الذي تمتلكه واشنطن، بما في ذلك أنواع الرادارات والطائرات المسيرة عالية التحليق، فضلا عن القوات الجوية الكلاسيكية التي تنقل التحركات على الأرض، وهي أمور لا تُرى في ساحة المعركة إلا أن نتائجها تكون ملموسة.
وأكد تيله أن هذا السلاح التكنولوجي يصب في مصلحة إسرائيل ويمنحها قوة معلوماتية هائلة يمكن استغلالها جنبا إلى جنب مع الاستخبارات الخاصة لضرب الأهداف، "مما يعني أن ثلثي النجاح الذي تزعم إسرائيل أنها حققته يأتي من الأميركيين"، على حد تعبيره.
في المقابل، يرى المتحدث أن حركة حماس وحزب الله يفتقران إلى حماية مجالهما الجوي لأنه "عندما تستعد لمواصلة الحرب مع أي قوة أخرى، يجب أن يكون لديك خطة قابلة للتنفيذ للتعامل مع هذه التهديدات الرقمية التي تحيط بك من كل جانب".
تعدد الجبهات
وشهدت الأيام الماضية تطورات مهمة في مجريات الحرب، فبعد يومين من اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية على مدينة الحديدة الساحلية في اليمن، ثم في منطقة كفرا جنوب لبنان يوم 29 سبتمبر/أيلول، في دلالة واضحة على تعدد جبهات القتال بالمنطقة.
وبحسب شوفانسي، يعود ذلك إلى وجود 3 جبهات برية في غزة والضفة الغربية ولبنان، وجبهة رابعة في المجال الجوي، وخامسة تراقب إيران لمواجهة أي ضربة محتملة، لافتا إلى وجود حاملات الطائرات الأميركية التي تعد جزءا من الردع الإسرائيلي لمنع إيران من التدخل، مما يعني وجود الكثير من العمل الاستخباراتي يجري منذ أشهر، إن لم يكن سنوات، لتحديد كل شيء.
لكن فعالية المراقبة الأميركية لا تزال قيد النقاش بعد إطلاق إيران أكثر من 200 صاروخ باليستي خلال نصف ساعة على إسرائيل، مساء الثلاثاء الماضي، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في جميع أنحائها وتوجه ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ.
وبينما لفت الخبير العسكري إلى مسألة تسريح القوات الإسرائيلية لعدد من الجنود لأسباب اقتصادية، رأى أنها لا تزال تملك قوة بشرية كبيرة. وقال "إذا افترضنا أنها حشدت في بداية الصراع 350 ألف جندي لتعزيز جيش قوامه 150 ألفا بالمجندين -الذين يعتبرون جنودا محترفين عمليا- فلا تزال هناك قوة مسلحة بشرية ضخمة تتكون من 500 ألف عنصر".
وتابع بالقول "هناك نحو 30 ألف جندي في غزة وعدة فرق تتجه تدريجيا نحو الشمال، ولو مؤقتا، فضلا عن 40 ألف إسرائيلي مستعدين للعودة إلى لبنان، وهذا يعني 20% فقط من الجيش، مع إضافة الإسرائيليين في الضفة الغربية والقوات الجوية والبحرية التي تعترض الصواريخ اليمنية في البحر الأحمر".
بدوره، يعتقد العقيد السابق الألماني رالف تيله أن تفجير أجهزة البيجر في حزب الله "جعل فيلقها المسلح مرتبكا ومصابا بالذعر" لأنه يرى جميع قادته يُقتلون، في المقابل، الأمر أكثر صعوبة مع حماس لأن نظام معلومات الاتصالات لديهم كان محصنا وليس من السهل اختراقه.
ويتوقع تيله اغتيال إسرائيل المزيد من أفراد حماس وحزب الله، "لكنها ستعاني لفترة أطول من هذه الحرب، وقد تخسر عددا من حلفائها لأنهم سيفكرون مرتين في كيفية التعامل معها في المستقبل".
التحديات
وبما أن توقف الاقتصاد يعني انخفاض القدرة على تحمل تكلفة الحرب، فإن تسريح المجندين والتكلفة الاقتصادية للحرب التي قُدرت بنحو 50 مليار دولار خلال العام الماضي، تشكل ثقلا كبيرا على الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر في تبرير عدوانه على غزة ولبنان بإنهاء التهديد في الشمال والجنوب وبحجة "الدفاع عن النفس" الذي يباركها جميع حلفائه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
ورغم تشكيك الجنرال السابق في الجيش الفرنسي، فرانسوا شوفانسي، في ادعاءات واشنطن بتوقفها عن تسليم الأسلحة والقنابل لتل أبيب أثناء العمليات في غزة كـ"إجراء سياسي ورمزي"، فإنه أكد، للجزيرة نت، امتلاك الإسرائيليين قوة جوية وبمخزون كافٍ قد لا يدفعهم إلى طلب مساعدة الأميركيين، مستدركا أن دخولهم في حرب طويلة مع لبنان قد يؤدي إلى نفاد ذخيرتهم.
وفي ظل غياب أي قرار لوقف إطلاق النار، وطالما أن هذا الحل غير جاهز وليس على جدول الأعمال، يتوقع الخبيران أن هذه الحرب لم تصل إلى نهايتها بعد، وأن القتال سيستمر أشهرا وربما سنوات.
المصدر : الجزيرة