النفاق الدولي والخذلان العربي: العدوان الإسرائيلي ومعاناة الشعوب العربية



كتب  أ.د. محمد تركي بني سلامة - في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على فلسطين ولبنان وسوريا واليمن، لا تزال الساحة السياسية والإعلامية العربية والإسلامية تزدحم بالبيانات الرسمية والشجب والادانة والاستنكار، ومع ذلك يبقى الوضع على ما هو عليه. فالشجب والادانة والاستنكار والتنديد والتعبير عن القلق والتحذيرات المتكررة من تداعيات العدوان أصبحت، في جوهرها، جزءًا من مسرحية سياسية هزلية ومتكررة. هذه التصريحات لا تقدم أي دعم ملموس أو مساعدة فعلية للشعوب المنكوبة، بل تبدو وكأنها كلمات فارغة تهدف فقط إلى التخفيف من الضغوط الشعبية دون أي نية فعلية لاتخاذ خطوات مؤثرة على الأرض .

من المثير للسخرية أن الدول العربية والإسلامية، التي لا تفوت فرصة للتصريح بدعمها لفلسطين ولبنان في المحافل الدولية، تكتفي بعرض مسرحي دبلوماسي رتيب يتألف من بيانات الشجب والاستنكار والتحذير دون اتخاذ أي خطوات حقيقية على ارض الواقع . وفي الوقت الذي يزداد فيه عدد القتلى والجرحى والمشردين، تكتفي هذه الدول بالتصريحات دون أن تُقدم تلدول التي تقيم علاقات مع اسراىيل على قطع علاقاتها معها

أو فرض أي عقوبات اقتصادية تُذكر. بل على العكس، نجد أن بعض هذه الدول قد زادت من حجم التبادل التجاري والاقتصادي مع إسرائيل منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في أكتوبر الماضي، وكأنها تخشى أن تغضب شريكها التجاري الجديد، بينما تستمر في تقديم نفسها للعالم على أنها حامية للمبادى و للقيم العربية والإسلامية والإنسانية.

هذا التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي والأفعال على أرض الواقع لا يمكن إلا أن يثير استغراب الشعوب العربية والإسلامية. كيف يمكن لهذه الدول أن تدعي التمسك بقيم العروبة والإسلام والانسانية ، في حين أنها تغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن ؟ كيف يمكن أن يُعتبر هذا الدعم وهذه الكلمات الجوفاء تضامنًا حقيقيًا؟ الشعوب العربية تتساءل: أين هي الأفعال التي تعكس هذه الأقوال الرنانة على ارض الواقع ؟

والأكثر غرابة في هذا المشهد العبثي هو أن حتى تجار المخدرات في المغرب العربي اتخذوا موقفًا أكثر جدية من تلك الدول. بقرارهم وقف تهريب المخدرات إلى إسرائيل، أظهروا فهمًا أكبر للفعل المؤثر مقارنة بالعديد من قادة الأمة. هؤلاء الذين ينشطون في مجال غير قانوني اتخذوا موقفًا يُظهر أن الفعل الحقيقي يمكن أن يكون أكثر تأثيرًا من أي عدد من البيانات الدبلوماسية التي تُلقى في القمم العربية. يا ليت القادة العرب يتعلمون درسًا من تجار المخدرات في كيفية تقديم الدعم وإغاثة الملهوف ونجدة المظلوم.

أما الرهان على القانون الدولي والمجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي، فهو رهان خاسر بكل المقاييس. إسرائيل مدعومة بشكل كامل من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الصهيونية، التي هي ؤاس الافعى،والتي لم تعد تخفي ولاءها الصريح للمشروع الصهيوني. وبينما تتغنى واشنطن بحقوق الإنسان في كل مناسبة، فإنها تتبنى سياسات مزدوجة المعايير، تغض الطرف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق العرب، وتزوّد إسرائيل كل يوم بأحدث الأسلحة الفتاكة لتواصل عدوانها عليهم بلا رادع. إن الاعتماد على مجلس الأمن أو الأمم المتحدة لتحقيق العدالة أو وقف العدوان هو مجرد اوهام وسراب و أقرب إلى انتظار المستحيل، لأن هذه المؤسسات قد أثبتت مرارًا وتكرارًا عجزها عن اتخاذ أي موقف جاد حينما يتعلق الأمر بإسرائيل وحلفائها.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيستمر العرب في لعب دور المتفرج أم أنهم سيقررون يومًا ما اتخاذ مواقف جادة تحمي انفسهم و مصالحهم أولاً قبل أن يفكروا في حماية حقوق شعوب فلسطين ولبنان؟ وهل يمكن للعرب يومًا أن يتجاوزوا حدود التصريحات إلى اتخاذ خطوات فعلية تعيد التوازن في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية؟ ام ان العرب قد خرجوا من التاريخ والجغرافيا والمعادلة السياسية برمتها ،ولا فائدة ترتجى منهم ؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف لنا الإجابة، لكن ما هو مؤكد الآن أن الشعوب العربية لم تعد تحتمل مزيدًا من الوعود الفارغة والتصريحات الجوفاء. إنها تنتظر أفعالاً حقيقية تجسد إرادة سياسية قوية قادرة على إحداث التغيير.

في النهاية، يبقى العدوان مستمرًا، ويبقى معه الصمت الرسمي العربي والدولي، في وقت تزداد فيه معاناة الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وغيرها ، والتي ليس أمامها إلا المقاومة ،دون توقع ان يظهر في هذا العالم المجنون من يتخذ مواقف جريئة ويقف فعلاً مع العدل والانسانية ، في وجه هذه البربرية الصهيوامريكية وهذا العدوان الغاشم و الظلم المستمر.