نحو صحوة وطنية أردنية


 
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

تشهد المنطقة العربية تصاعدًا غير مسبوق في التوترات، منذ اندلاع أحداث "طوفان الأقصى" في أكتوبر الماضي، التي أشعلت فتيل العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، واليمن. هذا العدوان الوحشي المدعوم علنًا من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، يشير إلى تحول خطير في طبيعة الصراع، ليصبح ذا بعد ديني يستهدف العرب والمسلمين بشكل مباشر. ولعل ما يعطي هذه الحرب بعدا دينيا هو تصريحات المرشح الأمريكي دونالد ترامب الاخيرة ، التي منحت إسرائيل الضوء الأخضر لضرب المنشآت النووية الإيرانية ثم استكمال العدوان الاسرائيلي على البقية من الدول العربية التي ترفض الصلف والغطرسة الاسرائيلية ، ممهدة الطريق أمام حرب شاملة قد لا تبقي ولا تذر، و تجر المنطقة إلى فوضى قد تهدد استقرارها وأمنها بشكل شامل، ومن ضمنها الأردن.

في هذه الأجواء المشتعلة، يأتي الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ليؤدي دورًا محوريًا في دعم صمود الشعب الفلسطيني. لم يتوانَ الأردن، عبر التاريخ، عن تقديم كل أشكال الدعم الممكنة سواء كان إنسانيًا أو سياسيًا أو إعلاميًا. ومن خلال المحافل الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، لطالما كان جلالة الملك الصوت الحازم الذي ينادي بحقوق الفلسطينيين ورفض كل محاولات التوطين أو الوطن البديل. كما أن خطابه الأخير جاء ليرسخ موقف الأردن الثابت في دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. وبالمثل، لم يتراجع وزير الخارجية أيمن الصفدي عن تفنيد المزاعم الإسرائيلية الواهية حول "حق الدفاع عن النفس"، ليؤكد للعالم أن العدوان على المدنيين وتدمير البنية التحتية لا يمكن أن يُشرعَن وان وقف العدوان الإسرائيلي وانهاء معاناة الشعب الفلسطيني من ابجديدات القانون الدولي الذي طالما تشدق به الغرب الذي يدعي الحضارة والمدنية والانسانية .

وفي ظل هذه الأزمات، تبرز أهمية توحيد الخطاب الرسمي والشعبي ،سعيا نحو وحدة الصف الأردني؛ فالمرحلة الحالية تتطلب من الجميع، سواء من الحكومة أو الشعب، موالاة ومعارضة وطنية ، أن يدركوا أن التكاتف الداخلي هو السلاح الوحيد الذي يمكن للأردن من خلاله تحقيق أهدافه الوطنية ودعم صمود الاهل في غزة والضفة الغربية ولبنان ، ومساندة كافة القضايا العربية والإسلامية. إن وحدتنا الوطنية ليست رفاهية بل هي حاجة ملحة للحفاظ على الأردن قويًا ومتماسكًا في وجه الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة.

لا مجال اليوم للمناكفات السياسية أو الانقسامات الداخلية. يجب أن ندرك جميعًا أن الوطن هو الملاذ الآمن، وأن أي تفرقة بين مكونات المجتمع الأردني ، لا تخدم سوى أعداء الأمة. علينا جميعًا أن نبتعد عن التشكيك في ثوابت الدولة وأن نلتف حول مؤسساتنا الوطنية. في هذه اللحظة الحاسمة، يجب أن نضع مصلحة الأردن فوق كل اعتبار، وأن نعمل معًا لحماية الوطن من التهديدات الداخلية والخارجية.

إن القلق الذي يسود بين الأردنيين حول مستقبل بلادهم هو شعور مبرر، فالتصعيد الحالي قد يكون مقدمة لصراع أوسع يسعى لاعادة رسم خريطة المنطقة ، وإعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط. لكن هذا الخوف يجب أن يتحول إلى قوة ودافع نحو تعزيز الوحدة الوطنية، فالأردن لا يمكنه أن ينجح في مواجهة هذه التحديات ما لم يكن شعبه متماسكًا وقيادته واثقة ومدعومة من جميع أطياف المجتمع. هذه الوحدة هي الدرع الذي يحمي الأردن ويعزز من مكانته في المحافل الدولية.

علينا ان نتذكر انه على الرغم من كل هذه التحديات، فإن الأردن لم يتخلَ يومًا عن دوره العربي أو التزاماته تجاه قضايا الأمة. الأردن الذي قدم الشهداء دفاعًا عن فلسطين، لم يكن يومًا بعيدًا عن الصمود والنضال، لكن دعمه للقضية الفلسطينية يأتي من موقع الحفاظ على سيادته ومصالحه الوطنية. فلا يمكن للأردن أن يكون فاعلاً في القضايا الإقليمية إلا إذا كان مستقرًا وقويًا من الداخل.

من هنا، ندعو إلى صحوة وطنية حقيقية، بعيدة عن التحريض والاستقطاب السياسي ،تركز على حماية الهوية الوطنية وتعزيز مؤسسات الدولة التي يجب أن تبقى حصنًا منيعًا، وعلى رأسها العرش الهاشمي والجيش الأردني. هذه الرموز الوطنية هي خط الدفاع الأول عن استقرار الأردن، ولا يمكن المساس بها.

في ظل هذه التحديات الخطيرة، علينا جميعًا تجاوز الخلافات والعمل يدًا بيد لتعزيز وحدتنا الوطنية وثقتنا بأنفسنا ومؤسساتنا . حماية الأردن ليست مجرد واجب وطني مقدس، بل هي مسؤولية دينية و تاريخية. الأردن، برغم كل المصاعب، يبقى الحصن الحصين للمنطقة، وإذا ما تعرض استقراره للخطر لا قدر الله ، فإن تداعيات ذلك ستشمل المنطقة بأكملها . علينا أن نكون على قدر هذه المسؤولية، وأن نعمل معًا من أجل حماية وطننا وضمان مستقبله وتحقيق اهدافه بالتنمية والتقدم والحرية والامن والاستقرار .