الصهيونية وخشيتها من الوعي المتجذر والإرادة الراسخة: رؤية قرآنية وعلمية
في خضم الصراع المستمر بين الصهيونية والشعوب العربية والإسلامية، تظهر حقيقة لا يمكن تجاهلها؛ الصهيونية لا تخشى الجيوش والأسلحة بقدر ما تخشى وعي الشعوب وإرادتهم الراسخة في مقاومة الظلم والاستبداد. هذه الحقيقة تستمد جذورها من عمق التاريخ والواقع، وكذلك من الإيمان العميق الذي زرعه القرآن الكريم في نفوس المؤمنين بنصر الله للمستضعفين في الأرض.
الصهيونية كحركة استعمارية تأسست على الاستغلال والسيطرة، وهي تعلم تمامًا أن بقاؤها مرهون باستمرار الجهل والتفرقة بين الشعوب. لذلك، فإن الوعي المتجذر لدى الناس يعد التهديد الأكبر لاستمرارها، لأن هذا الوعي يعني فهم أبعاد الصراع الحقيقي، ومعرفة الحقوق، وإدراك المؤامرات التي تهدف إلى ترسيخ الاحتلال. وتأتي الآية الكريمة لتؤكد هذا المعنى، حيث يقول الله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ أَخَذُ رَبُّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ” (هود: 102). فالظلم مهما استمر، سيواجه بحتمية الانتقام الإلهي إذا تمسك أصحاب الحق بإرادتهم ولم يخضعوا للظالمين.
ما تخشاه الصهيونية هو إرادة الشعوب التي لا تنكسر، إرادة لا تعرف الركون ولا الخضوع مهما كانت التحديات. في القرآن الكريم دعوة صريحة إلى الثبات وعدم الركون للظالمين، حيث يقول تعالى: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ” (هود: 113). هذه الدعوة تأتي كرسالة واضحة للشعوب التي تواجه الاحتلال بأن الخضوع للطغاة لا يجلب سوى الخسارة، بينما تبقى الإرادة القوية هي السبيل الوحيد لتحقيق النصر.
الصهيونية تدرك جيدًا أن الشعوب التي تمتلك إرادة صلبة، ستظل تقاوم بكل الوسائل المتاحة، سواء بالكلمة أو بالسلاح أو بالوعي. هذه المقاومة لا تتوقف عند حدود الجيوش، بل تمتد إلى الصمود الشعبي والإصرار على الحقوق والتمسك بالأرض. وما يعزز هذه القوة، هو وعد الله للمستضعفين بالنصر. ففي قوله تعالى: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ” (القصص: 5)، نجد تأكيدًا على أن المستضعفين في الأرض، إذا تمسكوا بإيمانهم وعملوا لتحرير أنفسهم، سيصبحون قادة الأرض وورثتها.
هذا الوعد الإلهي يعزز من ثقة الشعوب بأن الاحتلال، مهما طال، زائل لا محالة. الصهيونية تدرك أن استمراريتها مرهونة بكسر معنويات الشعوب، وكسر إرادتهم، ولكن طالما أن الإيمان بالنصر الإلهي حاضر في قلوب الناس، فإن هذا الكسر مستحيل.
إلى جانب الوعي والإرادة، يأتي العلم والعمل كركيزتين أساسيتين للتحرر والتمكين. الصهيونية تدرك أن تفوقها في التكنولوجيا والاقتصاد هو أحد أدوات سيطرتها، وبالتالي فإن مواجهة هذه الهيمنة تتطلب تعزيز التعليم والمعرفة لدى الشعوب العربية والإسلامية. في القرآن دعوة واضحة للعمل والعلم، حيث يقول تعالى: "وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ” (التوبة: 105). فالعلم والعمل هما أدوات تحرير الأرض وتحقيق الاستقلال، وهما الأداتان اللتان تخشاهما الصهيونية؛ لأنها تعلم أن أمة متعلمة ومنتجة لا يمكن السيطرة عليها.
وتدرك الصهيونية أن الوحدة بين الشعوب تشكل تهديدًا كبيرًا لبقائها. إذ إن التفرقة والانقسام بين الشعوب هي ما تبني عليه الصهيونية استراتيجياتها، في حين أن الوحدة قوة لا تقهر. في القرآن دعوة للوحدة والتماسك، كما جاء في قوله تعالى: "وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًۭا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103). الوحدة ليست فقط وحدة عسكرية أو سياسية، بل هي أيضًا وحدة في الأهداف والمصير، وحدة في الدفاع عن الحقوق والمطالب. فإذا توحدت الشعوب في مواجهة الاحتلال، فإن المجال أمام الصهيونية للاستمرار في نهجها سيكون محدودًا للغاية.
في نهاية المطاف، الرسالة واضحة: الصهيونية تخشى الشعوب التي لا تركن للظلم ولا تخضع للقوة الباطلة. الشعوب التي تتمسك بالوعي، والإرادة، والعلم، والعمل، والوحدة هي الشعوب التي ستنتصر في نهاية المطاف. وكما وعد الله في كتابه العزيز، فإن النصر حتمي للمستضعفين، بشرط أن يستمروا في نضالهم وصمودهم دون خضوع أو استسلام. فالتمسك بهذا الوعي القرآني والعمل على ترجمته إلى واقع ملموس هو السبيل الأقوى لمواجهة أي احتلال، وإنهاء الظلم، واستعادة الحقوق.