لماذا على الامة ان لا تخشى اهوال ما يجري؟



تتكاثر الضغوط النفسية على الامة بكافة مكوناتها الحية بسبب الاحداث الجسام التي تتتالى عليها هذه الايام. ان من الواجب التنبيه إلى ان ما يجري هو اختبار لقدرة الامة على التحمل، فالاحداث كالتي تجري الان ليست جديدة على الامة، فقد واجهت عبر تاريخها الطويل الممتد ظروفا صعبة كادت احيانا ان تطيح بها من مسار التاريخ، ومع ذلك وفي ظروف اكثر تعقيدا من ظرفنا الحالي تمكنت من ان تجتاز كل الاختبارات وان تمضي إلى امام بعزيمة وقو وان تعيد ترميم الاضرار.

فعلى سبيل المثال، في المرحلة التي سبقت تحرير القدس على يد صلاح الدين في الثاني من اكتوبر عام 1187، كانت الحالة كالتالي:
كانت بلاد الشام مقسمة الى مدن مستقلة يحكمها امراء من العائلة الايوبية وأغلبهم كانو اخوة أشقاء او اقارب من الدرجة الاولى وكانوا في حالة حرب دائمة فيما بينهم وأغلبهم كان يستعين بالصليبين الذي يستعمرون فلسطين ضد بعضهم البعض. فقد ذكر مؤرخ عايش تلك الفترة ان طرقات بلاد الشام كانت تعج بقوافل الحمير والبغال والجمال التي تنقل هدايا هؤلاء الحكام للملوك الصليبيين في مدن فلسطين المحتلة .

استمر هذا الوضع حتى تمكن صلاح الدين الأيوبي من توحيد مصر وبلاد الشام في كيان سياسي واحد وكنس هؤلاء الحكام الجهلة من مدن بلاد الشام تمكن بعدها سريعا من تحرير القدس وطرد اغلب الممالك الصليبية الى مكان محدد هو حامية صيدا ..

ان الحال الان على مساوئه الكثيرة إلا انه ليس اكثر فوضى وتفككا وضعفا من تلك المرحلة التي سبقت تحرير القدس.. وربما تطابقت الكثير من المعطيات بين الحالتين خاصة فيما يتعلق ببعثرة قوة الامة بين ممالك صغيرة بائسة تتقاتل فيما بينها بطريقة عبثية، وكانو يحكمون شعوبا متخلفة جدا لا حول لها ولا قوة .. اما الان فالشعوب اغلبها متعلمة وفيها تركيبة واسعة من العلماء والخبراء والقادة الذين يخضعون لحكم بالحديد والنار وبالتالي لا تملك هذه الشعوب القدرة على تقرير مصيرها، لكنها تمتلك الوعي بما يجري حولها في أوطانها وتنتظر فرصة ما للخلاص والتحرر من الواقع المؤلم، انها شعوب تنتظر اللحظة التاريخية المناسبة.. كتلك اللحظة التي انتجت وحدة الامة (الشام ومصر) بقيادة صلاح الدين الأيوبي. هذه الوحدة التي مكنت صلاح الدين من استعادة القدس من الصليبيين وإحداث تحولات هامة في تاريخ الامة.

ان متطلبات تغيير مسار الاحداث وبالتالي تغيير التاريخ تتطلب شيئان:
الاول لحظة تاريخية مناسبة لاجراء عملية التغيير، والثاني تبلور الواقع عن قائد يمتلك المهارات القيادية الاستراتيجية المطلوبة لاستغلال اللحظة التاريخية لاجراء تغيير جوهري حاسم في مسار الاحداث .

ويوما ما ستتحقق هذه الشروط وتعود الامة للمساهمة الايجابية في صناعة تاريخ البشرية.



* qatamin8@hotmail.com
اكاديمي وكاتب اردني