تحقيق أهداف الحرب في غزة ولبنان: الطريق لا تزال طويلة

 


كتب رون بن يشاي

عن "يديعوت"

دولة إسرائيل لديها استراتيجية، ووفقاً لها يتحرك الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي في خضم الحرب المتعددة الجبهات التي نخوضها، اليوم. هذا هو الانطباع الواضح الذي نشعر به من خلال الأحاديث مع كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية والاستخباراتية، ومن خلال جولاتنا في غزة ولبنان.


ملاحظة تحذيرية: هذه الاستراتيجية ليس معناها تحقيق «النصر المطلق» في الحرب، حسبما يرغب رئيس الحكومة، عندما كان لا يزال تحت صدمة 7 تشرين الأول. لكنها يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير جوهري يخدم الأمن الشخصي لسكان النقب الغربي والجليل، وخصوصاً 80 ألف إسرائيلي اضطروا إلى مغادرة منازلهم.


اللبنة الأولى في هذه الاستراتيجية هي أهداف الحرب، حسبما وضعها وصاغها «الكابينت». وعلى ما يبدو جرت بلورة هذه الأهداف بصورة غامضة لأسباب سياسية وائتلافية، ولذلك، اضطر الجيش، مثلما يجري في كل حروب إسرائيل، إلى ترجمة القرارات إلى مصطلحات ملموسة. في البداية، حدد الجيش «الهدف الاستراتيجي»، مثلما فهمه جنرالات هيئة الأركان العامة في الجيش من خلال قرارات «الكابينت»، وانطلاقاً منه جرى تحديد المهمات والوسائل والأساليب القتالية التي وضعها الجيش لنفسه.

 لقد شهدت الأهداف والأساليب والوسائل تغييرات خلال السنة التي مرت من القتال، لكن الهدف الاستراتيجي في كل قطاع من القطاعات ظل ثابتاً.


أهداف الاستراتيجية – السياسية – الأمنية: الإنجازات العسكرية التي يحققها الجيش في غزة ولبنان ستدفع الخصم في كلٍّ من هاتين الجبهتين إلى الموافقة، وحتى المطالبة بحل دبلوماسي ينهي القتال بالشروط التي تطالب بها إسرائيل، والتي تتلاءم مع أهداف الحرب، حسبما صاغها «الكابينت».


يجري الانتقال من الإنجاز العسكري إلى الإنجاز السياسي، وفق قرار المستوى السياسي، أي رئيس الحكومة، وبموافقة «الكابينت». أمّا في الساحات الخمس الأُخرى، بينها إيران، فإن هدف الحرب هو النهوض بالردع الاستراتيجي وتعزيزه، بعد انهياره في 7 تشرين الأول. والهدف خلق وضع يشعر فيه كل أعداء إسرائيل، وحتى الذين يقفون موقف المتفرج، بأنه يجب تجنُّب الدخول في مواجهة مع دولة إسرائيل، ومن الأفضل التعاون معها.

شروط مريحة في لبنان
تُطبّق هذه الاستراتيجية بسرعة في الشمال، أكثر من أيّ ساحة أُخرى. في لبنان، الجيش قريب جداً من الوضع الذي يمكن الانتقال منه إلى المفاوضات بشأن حل دبلوماسي. لقد بدأت عمليات جسّ النبض من الأطراف والوسطاء، وما سمح بذلك هو الإنجاز العسكري، قبل كل شيء. ومن دون الدخول في تفاصيل كل ما جرى، ففي الخلاصة تمكن الجيش من تعطيل ثلثَي القدرات النارية لدى «حزب الله» وجزء كبير من قدراته النارية القصيرة المدى. في الموازاة، نجح الجيش في إبعاد معظم أفراد قوة «الرضوان» ومسلحي «حزب الله» إلى مسافة 5-8 كم عن الحدود، وجزء من هذه القوة بات موجوداً شمال الليطاني.


نتيجة لذلك عبّر زعماء الطائفة الشيعية و»حزب الله»، علناً، عن استعدادهم للموافقة على وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، من دون ربطه بوقف إطلاق النار في غزة. ويعتقدون في الجيش أن في الإمكان تعميق الإنجاز، لكن في المقابل، قدّمت هيئة الأركان العامة للمستوى السياسي المطالب الإسرائيلية من أجل التوصل إلى تسوية. هذا بافتراض أن كل حرب حديثة لا بد من أن تنتهي بحل سياسي ما.


ترغب المنظومة الأمنية في أن تتضمن التسوية السياسية مع لبنان التالي:
-
إبعاد قوة «الرضوان» وقدراتها النارية المباشرة إلى ما وراء الليطاني.
-
منع المواطنين اللبنانيين من الاقتراب من الحدود.


-
حظر دولي تشارك فيه الدول الكبرى والأمم المتحدة ضد تهريب السلاح من إيران إلى لبنان.
-
دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وتعزيزه وتسليحه من خلال الولايات المتحدة وأوروبا ضمن رقابة حثيثة.
-
البند الأهم هو أن تستطيع إسرائيل بنفسها وبقواها فرض ترتيبات وقف النار، واحتفاظ الجيش الإسرائيلي في التسوية بحرية العمل الاستخباراتي والعملاني والتوغل والقيام بعمليات عسكرية في داخل الأراضي اللبنانية.


وبعكس غزة، الظروف في لبنان تسمح بتسوية لأن هناك حكومة، على الرغم من أنها غير فاعلة، لكن يمكن التفاوض معها والتوصل إلى اتفاقات. أيضاً تريد الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والدول السّنية المعتدلة تسوية وإصلاحاً حكومياً في لبنان، ومستعدة لتمويل إعادة الإعمار في هذا البلد. وإيران، راعية «حزب الله»، تريد هي أيضاً وقف القتال في لبنان للمحافظة على «حزب الله» وإعادة بناء قواته التي تضررت. في النهاية، «حزب الله» ضعيف والطائفة الشيعية، التي أصبح مليون منها نازحين، يريدون التسوية، مثل سائر سكان لبنان.

التسوية بعيدة في غزة
مع الأسف، لا تزال دولة إسرائيل بعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية في غزة. صحيح أن قوة «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، في معظمها، جرى تفكيكها، وأصبح هذان التنظيمان يخوضان حرب عصابات، لكن لا تزال «حماس» تملك قدرات عسكرية. بالإضافة إلى ذلك، لم يجرِ تدمير كل الأنفاق، ولا يزال هناك كتيبة ونصف في مخيمات وسط القطاع لم تتضرر، ولا تزال الحركة تجنّد مقاتلين جدداً، وتقيم مراكز قيادة وسيطرة في الأماكن التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي. وربما الأخطر من ذلك، أن «حماس» لم تتنازل عن سيطرتها المباشرة، وهي تستخدم توزيع المساعدات الإنسانية التي تحصل عليها من جهات دولية كأداة للسيطرة المباشرة، من خلال تحديد مَن يحصل على المساعدة وكيف، ومن خلال بيعها لتمويل نشاطاتها. كذلك، لا يوجد أيّ طرف يمكنه التأثير في «حماس» لإقناعها بإطلاق المخطوفين والتخلي عن الحكم في القطاع. ولم تنجح الدول الوسيطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، في إقناع السنوار بالعودة إلى طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، ما يضع إسرائيل ومواطني القطاع أمام حائط مسدود.


مؤخراً، بدأ الجيش بعملية من خلال الفرقة 162 في شمال القطاع، والتي تهدف، بحسب ادعاء «حماس»، إلى تطبيق «خطة الجنرالات» التي وضعها غيورا آيلند، والتي تدعو سكان شمال القطاع إلى الإخلاء والتوجه إلى الجنوب، وفرض حصار ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى الذين بقوا هناك، الذين يعتبرهم القانون الدولي «مخربين» ومقاتلين، ويسمح بمنع إدخال المساعدات إليهم. في إسرائيل، لا يعترفون بأن هذه هي الخطة، لكنهم لا يكذبونها أيضاً. وفي أيّ حال، تتركز العملية حالياً على جباليا، ولم تحقق كل أهدافها. وفي الجيش يعتقدون أن الضغط ليس كافياً، وربما هناك حاجة إلى إدخال فرقة أُخرى إلى شمال القطاع، لإجبار مئات الآلاف من المواطنين الذين بقوا هناك على الرحيل، وربما عندما تشعر «حماس» بأنها خسرت شمال القطاع، قد تبدي مرونة، وتعرب عن استعدادها للتفاوض بشأن صفقة مخطوفين وإنهاء القتال.


لكن المشكلة كانت ولا تزال في إيجاد حُكم بديل للسلطة المدنية لـ»حماس» التي لا تزال تتمسك بها، كونها مفتاحاً لبقائها في القطاع وترميم قواها. وفي الواقع، ما يسمح لـ»حماس» بالمحافظة على قوتها هي السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية...
فيما يتعلق بحكم مدني بديل، تعترف إسرائيل بأنها لا تريد السيطرة على غزة. ويدّعي مكتب رئيس الحكومة أن السلطة الفلسطينية ليست هي العنوان، ليس فقط بسبب معارضة بن غفير وسموتريتش، بل لأن السلطة، بزعامة أبو مازن، ستوسع سلطتها إلى القطاع، وستعمل على الدفع قدماً بعملية إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وبحسب مصادر إسرائيلية حكومية فإن السلطة الفلسطينية غير مؤهلة لفرض إرادتها على «حماس»، وستناقشها بشأن تقاسم السلطة، فتحصل السلطة على وزارتَي التعليم والصحة، وتواصل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» فرض وجودهما في القطاع كتنظيمين مسلحين من دون أن يكونا مسؤولَين عن السكان. بالنسبة إلى إسرائيل، نشوء مثل هذا الوضع شبيه بالوضع السائد في لبنان ما بين الحكومة اللبنانية وبين «حزب الله»، وهذا غير مقبول.


على الرغم من الإنجازات العسكرية في القطاع، وسيطرة الجيش على ممرّين استراتيجيَّين، نتساريم وفيلادلفيا، فإن رئيس الحكومة والمنظومة الأمنية ليس لديهما، حالياً، خطة واضحة لتقويض السيطرة المدنية لـ»حماس»، والتي تُعتبر هدفاً مهماً من أهداف الحرب. المطلوب تفكير خلاق ومرونة غير متوفرَين لدى الحكومة الحالية، ولدى رئيسها، لأسباب سياسية وشخصية.

ردع إيران
هدف الحرب غير المعلن، والذي لم يلقَ إقرارا رسميا من «الكابينت» هو ترميم الردع الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه كل جهات «محور المقاومة» بقيادة ايران. فالضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لـ»حزب الله» و»حماس» رممت بقدر ما قسما مهما من الردع الذي فقدته في 7 تشرين الأول. لكن ايران، «رأس الأفعى»، الذي يفعل كل طوق النار حول إسرائيل، لا يزال غير مردوع وغير ضعيف. هو أيضا تلقى الضربات منذ الآن، والأثر المتراكم للدمار والخسائر التي تلقتها «حماس» و»حزب الله» مع فشل ضربات الصواريخ من ايران على إسرائيل أدت بالردع الإسرائيلي الاستراتيجي إلى ميل ارتفاع حاد، لكن الهدف لم يتحقق. سيتعلق الكثير بالأثر الذي سيكون لضربة الرد الإسرائيلي على هجمة الصواريخ الإيرانية التي وقعت علينا في 1 تشرين الأول.


عنصر مهم في الردع الإسرائيلي وفي قدرتها على تحقيق أهداف الحرب هو منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة والشرعية الدولة. لهذا السبب، فإن سباق الانتخابات الأميركية يلزم نتنياهو، الذي يقود وحده تقريبا إلى جانب الوزير ديرمر العلاقات مع الولايات المتحدة، التصرف بحذر أقصى. من جهة، يكاد نتنياهو لا يخفي أمله في فوز ترامب في الانتخابات، لكنه يفهم أن فرص هاريس في الجلوس في البيت الأبيض ليست اقل بكثير ولهذا فهو ملزم بأن يحافظ على منظومة علاقات جيدة وسوية معها أيضا.

 هذا هو السبب الذي جعل إسرائيل كما أفادت «واشنطن بوست» تبلغ الولايات المتحدة بانها لا تعتزم ضرب منشآت النفط والنووي الإيراني في ردها، وهذا هو السبب الذي جعل إسرائيل، بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا، تقلل جدا الضربات الجوية على بيروت وأساسا كي لا تمس بمواطنين أميركيين.


السطر الأخير: لإسرائيل استراتيجية ينفذها الجيش بنجاح ما، لكن الأساس لا يزال أمامنا في الأشهر القادمة. يحتمل أنه حتى نهاية السنة سنرى نتائج، لكن هنا أيضا يجدر إضافة ملاحظة تحذير: الحكومة والائتلاف الحالي غير متوقعين، وقد يظهران «كتلة مانعة» في وجه ترتيب يسمح بتحقيق أقصى لأهداف الحرب.

حتى لا تغرق إسرائيل في احتلال طويل في غزة ولبنان

بقلم: يائير غولان وتشاك فرايليخ

عن "هآرتس"

من طبيعة الحروب أنها تدفع إلى تحولات تاريخية تصعب ملاحظتها في أثناء حدوثها، لكن من الضروري تشكيل هذه التحولات بقدر الإمكان. وفيما يلي بعض الملاحظات بشأن الحرب حتى الآن، وتوصيات لتحركات إسرائيل المستقبلية.


صحيح أن يدنا هي العليا، عسكرياً، وصحيح أن "محور المقاومة" يعيش الآن في حالة دفاع. ومع ذلك، تواجه إسرائيل صراعاً متعدد الجبهات، ويجب عليها بلورة استراتيجية شاملة لـ"اليوم التالي"، والتي يجب أن تتضمن أهدافاً سياسية تستند إلى الإنجازات العسكرية، لتحسين أمن إسرائيل ومكانتها الإقليمية والدولية. وفي ظل غياب استراتيجية شاملة، تشمل صوغ رؤية سياسية وآليات لإنهاء للصراع، فإن إسرائيل قد تغرق في احتلال طويل الأمد في غزة ولبنان.


"
حماس" مسؤولة عن الكارثة الأخطر في تاريخ إسرائيل منذ سنة 1948، لكن هذه الكارثة أيضاً هي كارثة فلسطينية. إذ أدت "المجزرة" إلى تأجيل تحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية أعواماً طويلة، وقد يكون حلّ الدولتين الضحية الرئيسة لأحداث السابع من تشرين الأول. لقد عززت الحرب التوجهات الشعبوية والاعتماد على القوة العسكرية، معزولة عن رؤية سياسية طويلة المدى، إلّا أن ضم أراضٍ يقطنها ملايين الفلسطينيين، من دون وجود عملية منظمة لصنع القرار، يمثل الخطر الوجودي الأكبر على إسرائيل، ويجمع بين التهديد الخارجي والانقسام الداخلي الذي يهدد وحدة الصف الإسرائيلية.


في هذه الحالة، يتمثل الحل الوحيد الممكن في الانفصال المدني، بما يشمل ترسيم الحدود المستقبلية لإسرائيل، مع الحفاظ على حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي في جميع "المناطق". هناك خيار آخر هو إنشاء كونفدرالية أردنية - فلسطينية، حيث تكون أغلبية "مناطق" الضفة الغربية هي المكون الفلسطيني في الاتحاد. يجب القيام بذلك بطريقة لا تهدد الأردن، لكن لا ينبغي مطالبة إسرائيل بتحمّل المسؤولية الكاملة عن حلّ القضية الفلسطينية، في حين يتم إعفاء الأردن ومصر، اللذين كانا شريكين في خلق هذه القضية.


هناك فرصة حالية لمواجهة البرنامج النووي الإيراني من خلال عقد اتفاق مع الولايات المتحدة ودول الغرب، يتضمن عقوبات قادرة على خلق الشلل، وتهديداً عسكرياً حقيقياً لإيران، في مقابل امتناع إسرائيل من العمل العسكري. وفي المدى الطويل، يُعد التحالف المناهض لإيران أكثر فعاليةً من مجرد توجيه ضربات محددة للمشروع النووي. لن تتمكن إسرائيل من مواجهة التهديد الإيراني بمفردها؛ ويجب عليها أن تكون جزءاً من التحالف العسكري الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران.


لقد عرّت الحرب نقاط القوة والضعف في العلاقات مع الولايات المتحدة. صحيح أن الولايات المتحدة دعمت إسرائيل بشكل غير مسبوق، من خلال نشر قوات عسكرية كبيرة في المنطقة، وتقديم مساعدات عسكرية هائلة، ومن خلال تعاون استراتيجي كانت إسرائيل تحلم به في الماضي، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي، إلاّ أن الحرب أيضاً عرّت الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة والحاجة إلى العمل ضمن إطار إقليمي. الأمر الأكثر خطورةً هو أن إسرائيل أصبحت قضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وهو ما دفع جو بايدن إلى تأخير المساعدات.


من الضروري تحقيق اختراق في العلاقات مع السعودية، ومن الضروري، قبل كل شيء، الحفاظ على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة. إن رفض إسرائيل "تصوُّر بايدن" (التطبيع السعودي الإسرائيلي، في مقابل تحقيق تقدّم في العلاقات مع الفلسطينيين، وتحقيق اختراق في العلاقات السعودية الأميركية، بما يشمل التوصل إلى اتفاق دفاعي واتفاق على برنامج نووي مدني سعودي) أخّر عملية التطبيع، لكنه على الأرجح، لم يُفشلها. يجب على إسرائيل أن تعود إلى نهج يكون خارج الأحزاب إزاء الولايات المتحدة والحفاظ على علاقات وثيقة مع كلا الحزبين هناك.


وحده التقدم في المسار الفلسطيني هو ما سيحول دون تفاقُم العزلة ونزع الشرعية عن إسرائيل، بل حتى فرض العقوبات. فالقيود المفروضة على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل من بريطانيا وألمانيا، واعتراف إسبانيا وإيرلندا ودول أُخرى بالدولة الفلسطينية، أمور كلها قد تتحول إلى سيل من التحركات المناهضة لإسرائيل، بما يشمل فرض حظر رسمي على الأسلحة والتجارة. ولن تتمكن إسرائيل من التقدم والازدهار في أجواء من العداء الشامل.


سيكون من الضروري أيضاً إعادة تقييم الافتراضات الأساسية الكامنة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والمكونات الأساسية في مفهوم الأمن القومي. من الواضح فعلاً أنه ستكون هناك حاجة إلى جيش وميزانية أمنية أكبر، ونهج أكثر صداماً وهجوماً. علينا أن نحافظ على وجود قوة برية ضاربة، لأن مثل هذه القوة يحسم الحروب. ولن يكون من الممكن المساومة على الأمن اليومي؛ يجب على الدولة حماية مواطنيها في كل مكان.


إن التنازلات التي انتهجها بنيامين نتنياهو ليست سوى دليل على خداع الذات وتفضيل الاستقرار السياسي (الداخلي والائتلافي) على الأمن. ومع ذلك، من المهم أن يتم الأمر بحذر وحكمة. يجب ألّا نكرر أخطاء صدمة حرب "يوم الغفران"، ونضيّع عقداً آخر من الزمن في الاستثمار في التعاظم العسكري المتهور، الذي لا يمكن للاقتصاد تحمّله، والذي سيرغب الجيش الإسرائيلي في تقليصه في نهاية المطاف.


إن قدرة المجتمع الإسرائيلي المذهلة على التعافي بعد السابع من تشرين الأول، والاستعداد لتحمّل عبء الاحتياط، والصلابة المدنية، وهي كلها أصول وطنية حاسمة تعمل القيادة الحالية على تقويضها. هذا العام بدأ بكارثة، حيث اعتقد "محور المقاومة" أنه قادر على تحقيق هدفه بتدمير إسرائيل، وانتهى باتجاهات إيجابية بفضل تصميم الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، و"المحور"، الآن، في مأزق ودفاع.

تحسُّباً للتداعيات القانونية

ألمانيا تخشى تصدير السلاح إلى إسرائيل.. لأول مرة

بقلم: أمير تيفون

عن «هآرتس»

تعقد حكومة المانيا كل يوم اثنين مؤتمراً صحافياً يجيب فيه المتحدثون بلسان الوزارات الحكومية على الاسئلة. تتركز الاسئلة حول المواضيع المهمة على جدول الأعمال، وعلى الأغلب حول مواضيع داخلية أو حول الحرب في اوكرانيا. في هذا الاسبوع خلافا لما هو سائد فان الموضوع الذي تم ذكره مرات كثيرة في أسئلة الصحافيين هو تصدير السلاح الالماني إلى إسرائيل. «لا أتذكر أنه كان ذات يوم انشغال عام بهذا القدر من الاهمية بهذا الموضوع»، قال كريستوف شولت، مراسل مجلة «دير شبيغل»، للصحيفة. وحسب قوله فان القضية كانت في السابق تعتبر أمراً عليه اجماع مطلق من الجمهور، لكنها تحولت في الاسابيع الاخيرة الى موضوع سياسي يثير اجابات صاخبة في الحكومة ووسائل الاعلام والمعارضة.


المانيا هي المزودة الأكثر اهمية للوسائل الامنية في القارة الاوروبية، والدولة الوحيدة التي ترسل سلاحا ومعدات امنية لإسرائيل اكثر منها هي الولايات المتحدة. في لب الخلاف تقف ادعاءات المعارضة في المانيا، وادعاءات وسائل الاعلام المؤيدة لإسرائيل، التي بحسبها فإن الحكومة برئاسة المستشار اولف شولتس جمدت كليا التصدير الامني من المانيا لإسرائيل. ينفي شولتس وحكومته هذه الادعاءات، لكنهم يعترفون بأن عملية التصدير الامني اصبحت بطيئة جدا، نتيجة الحاجة الى التأكد من أن إسرائيل لا تستخدم السلاح أو اجزاء من المنتجات الالمانية في ارتكاب اعمال مخالفة للقانون الدولي. تحتفظ إسرائيل نفسها بالصمت الرسمي حول هذا الموضوع، لكن جهات في حكومة المانيا تعتقد أن مصدر جزء من هذه المنشورات يكمن في احاطات وصلت من الجانب الإسرائيلي، وهم غاضبون من ذلك.


البروفيسورة جيزلا ديكس، من الجامعة العبرية في القدس، التي عملت في السابق مراسلة في إسرائيل لوسائل اعلام معروفة في المانيا، قالت للصحيفة بأن الانشغال المتزايد بقضية التصدير الامني لإسرائيل أمر غير مسبوق. «لقد كانت في السابق نقاشات حول هل المانيا يجب أن تبيع السلاح لدول مثل تركيا أو السعودية، لكني لا أتذكر وضعا كانت فيه المساعدات لإسرائيل محل خلاف وتظهر بهذا الشكل في العناوين»، قالت. «هناك ضغط على الحكومة من الجانبين في هذا الموضوع. المعارضة تتهمهم بادارة الظهر لإسرائيل، لكن هناك ايضا اصواتا تعبر عن الانتقاد بالتحديد لأنهم يواصلون الدعم».


حكومة شولتس، التي تتكون من ائتلاف يضم الحزب الاشتراكي – الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي اف.دي.بي، نفت بشدة التقارير التي تتحدث عن تجميد المساعدات، لكن الانشغال في هذا الموضوع لم يتوقف. في الاسبوع الماضي هاجم رئيس المعارضة في المانيا، فريدريك ميرتس، رئيس حزب المسيحيين الديمقراطيين، الحكومة. في جلسة خاصة في البرلمان بمناسبة مرور سنة على 7 تشرين الأول اتهم الحكومة بالإضرار الشديد بالعلاقات مع إسرائيل. وقال شولتس ردا على ذلك: «لم نقرر عدم تزويد السلاح. لقد ارسلنا لإسرائيل السلاح وسنواصل ارساله. هذا هو موقف الحكومة. سيكون هناك المزيد من الارساليات في القريب».
لكن وراء هذه التصريحات للمستشار تقف حقيقة معقدة، طرحتها للصحيفة جهات رفيعة في الدولتين والمشاركون في هذه النقاشات حول هذا الموضوع. تخشى الحكومة الالمانية من دعاوى في المحاكم في الدولة بحيث تفرض قيودا متشددة على قدرتها على مواصلة تصدير السلاح وقطع الغيار لإسرائيل، لذلك هي تضطر الى فحص كل ارسالية مخصصة لإسرائيل قبل المصادقة عليها. عملية الفحص والمصادقة على الارساليات تمر عبر لجنة حكومية لشؤون الأمن، تعتبر نقاشاتها سرية.


وزيرة الخارجية الالمانية، امالنا باربوك، التي تنتمي لحزب الخضر، ذكرت الخوف القانوني للحكومة في الأقوال التي قالتها، الاسبوع الماضي، حول التصدير الامني لإسرائيل. فقد أشارت إلى أنها قدمت لمحكمة العدل الدولية دعوى ضد المانيا بذريعة أن السلاح الذي توفره لإسرائيل يساعد في ارتكاب ابادة جماعية في غزة، وأن الحكومة الالمانية قالت ردا على هذه الدعوى بأنها حقا تزود السلاح من اجل دعم إسرائيل ولكنها ترفض تماما الاتهام وكأن ارساليات السلاح هذه تساعد في ارتكاب ابادة جماعية.
حسب مصدر إسرائيلي رفيع فانه أيضاً فإن التفسير الرسمي للحكومة في برلين هو الخوف من خطوات قانونية. هناك تأخير كبير في عملية المصادقة على التصدير من المانيا. «هم لا يخشون فقط من دعاوى دولية، بل ايضا من امكانية أن تناقش محكمة داخل المانيا هذا الموضوع، وتقرر وقف ارساليات السلاح». «مع ذلك»، قال المصدر الإسرائيلي، «تصعب معرفة أين يمر بالضبط الخط الفاصل بين هذا الخوف وبين معارضة سياسية لجزء من الائتلاف الحالي هناك لتصدير السلاح لاعتبارات اخرى».
نشرت الصحيفة الالمانية «بيلد»، المعروفة بدعمها لإسرائيل، الاحد الماضي، مقالاً جاء فيه أن التأخير في نقل المعدات الامنية لإسرائيل هو طلب من حزب الخضر في اعقاب معارضة الاعضاء فيه المس بالمدنيين في القطاع. ايضا هذا النشر نفته الحكومة الالمانية. وحسب اقوال المصدر الإسرائيلي الرفيع فانه «توجد لدينا مشكلة حقيقية مع حزب الخضر، لا يمكن القول بأن كل شيء بسببه، لكن من الواضح أنه يتبنى في الاشهر الاخيرة خطاً اكثر انتقادا تجاه إسرائيل طبقا لمواقف ناخبيهم».


بدأ هذا الموضوع يظهر في العناوين في الشهر الماضي، بعد عدة تقارير بأن الحكومة الالمانية جمدت كليا التصدير الامني لإسرائيل كاملاً في اعقاب اطالة الحرب في غزة. دول اوروبية اخرى، من بينها بريطانيا وايطاليا واسبانيا، أعلنت في الاشهر الاخيرة عن تجميد بيع السلاح لإسرائيل، لكن كمية التصدير الامني من هذه الدول لإسرائيل ضئيلة مقارنة مع التصدير من المانيا، التي ارسلت في 2023 معدات امنية بمبلغ 350 مليون دولار لإسرائيل.


الدكتورة مايا شيئون، الخبيرة في العلاقات الإسرائيلية – الاوروبية في معهد متافيم في الجامعة العبرية، قالت للصحيفة إن المانيا ليست الدولة الوحيدة التي اضطرت الى الموازنة بين دعم إسرائيل والخوف من التداعيات القانونية. «عندما يوجد تصادم بين الرغبة والدعم لإسرائيل وبين الرغبة في تطبيق واحترام القانون الدولي فان المصالح الوطنية في اوروبا هي تأييد القانون الدولي، سواء بسبب المعايير أم بسبب التهديد الروسي لاوكرانيا الذي هو مصلحة امنية تتغلب على ثقل وزن العلاقات مع إسرائيل»، قالت، واضافت: «هذه المقاربة سائدة في الاساس في اوساط حزب الخضر واحزاب اليسار في اوروبا».

"كارثة المسيّرة".. استمرار لإخفاق 7 تشرين الأول

بقلم: إفرايم غانور

خلّفت كارثة المسيّرة، التي انفجرت في قاعدة غولاني، ونتائجها شعوراً بالعجز والإحباط، بالإضافة إلى الشعور بالألم الكبير.

والسؤال الذي كان يتردد هو كيف يمكن لجيش ذكي وعصري ومسلح بمنظومة دفاع جوي متعددة الطبقات هي الفضلى في العالم، مع أفضل الصواريخ والطائرات وغيرها، ألّا يملك رداً على المسيّرات؟ السلاح الذي يبدو كأنه لعبة في مواجهة القدرات الهائلة للجيش الإسرائيلي.

التقصير في التصدي للمسيّرات هو في الحقيقة استمرار مباشر لتقصير 7 تشرين الأول، التقصير الناتج عن قصور ذهني وغطرسة وتجاهُل للوقائع، والوهم بأن العدو مرتدع، وليس لديه الجرأة، وكل شيء على ما يرام.

لم يكن بن غوريون عسكرياً كبيراً مع ماضٍ عسكري، لكن كانت لديه حكمة الحياة، ويتمتع ببصيرة قادرة على رؤية الواقع، مع الأسف لم يكن يتمتع بها أيّ رئيس للحكومة خلال الثلاثين عاماً الأخيرة.

نفتقد بن غوريون في الأيام الأخيرة، لكن يمكننا أن نتعلم مما قاله، ومما طلب تحقيقه خلال فترة ولايته.

على سبيل المثال، قال بن غوريون في الخمسينيات من القرن الماضي: «إن أشد الأعداء خطراً على أمن إسرائيل هو الجمود الفكري لدى المسؤولين عن أمن الدولة. يجب علينا أن نكون يقظين بصورة مستمرة، ونحن بحاجة إلى يقظة دائمة، وإلى تجديد التفكير الأمني والتخطيط، والفحص من جديد، في كل صباح، إذا ما كنا مستعدين ليوم جديد».

لم يقتصر الأمر على ذلك، لقد قال بن غوريون في كل نقاش إن الشرط الأول للصمود في مواجهة أعدائنا هو، قبل كل شيء، قدرتنا على نقل الحرب إلى الطرف الثاني، إلى أرض العدو، وتمسّك بالشعار القائل: «إن الهجوم هو أفضل أنواع الدفاع».

صحيح أننا لسنا بحاجة إلى أن نكون مثل بن غوريون، لكي ندرك أننا دولة صغيرة ومحاطة بالأعداء، دولة لا تستطيع أن تسمح لنفسها بتحمُّل ثمن القتال من أجل المحافظة على بقائها على أرضها، من هنا، يجب أن يتركز الجزء الأساسي من جهدها العسكري على قدراتها الهجومية، ما لم يحدث في السنوات الأخيرة.

لقد ادّعى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، وبحق، أن المسؤول عن أمن الدولة وعقيدتها الأمنية هو دائماً رئيس الحكومة، بصرف النظر عمّن يكون وزير الدفاع، أو رئيس هيئة الأركان.

لا يمكن ألّا نتفق مع نتنياهو في هذا الشأن. المشكلة هي أنه خلال سنوات حُكمه الطويلة، لم يفهم، أو لم يرغب في أن يفهم أن الدفاع عن أنفسنا ليس هو الحل للواقع الناشئ من حولنا.

رأينا هذا بصورة ملموسة وواضحة في الاستثمار الاستراتيجي في السياج، وفي المنظومة الدفاعية تحت الأرض لمواجهة الأنفاق في غزة، والتي فشلت فشلاً ذريعاً.

تفرض التطورات السريعة والقاتلة في ميدان القتال أن يجري الحديث مع المسؤولين عن أمن الدولة، بمبادرة من رئيس الحكومة، كي يبلوروا تفكيراً مختلفاً، من خارج الصندوق، بدلاً من حماية أنفسهم بطبقة أُخرى من الدفاع.

في الحرب الحديثة، لا وجود لمنتصرين بالكامل، مثلما شهدنا في الحروب أكثر من مرة، عندما رفعوا العلم على رأس القصر، أو الجبل.

الانتصار في ميدان القتال الحديث ليس مطلقاً، ويمكن أن يتحقق فقط بوساطة القدرة على المفاجأة، وإحداث صدمة كبيرة تترك العدو مذهولاً وعاجزاً، وفي المقابل، أن نكون مستعدين فوراً للضربات القادمة التي تُفقد العدو توازنه.

لا يمكن أن تكون الحرب الحديثة طويلة، لأنها تُلحق ضرراً بالاقتصاد، وبالمعنويات، ومن الواضح أن الضرر الاقتصادي معناه ضرر عسكري، وإلحاق الضرر بتحقيق النصر في ميدان القتال.

كل هذا يفرض تفكيراً تكاملياً قادراً على المزج ما بين الدفاع والهجوم، مع كثير من الحكمة والخداع، هذا مع كل التقدير للقبة الحديدية، ومنظومة حيتس، والعصا السحرية، التي تغطينا بطبقات من الدفاع. وفي الواقع، فمن دونها، لكان وضعنا اليوم أسوأ كثيراً.

لو لم يكن لدينا هذا «السور الواقي»، لكان علينا العمل من أجل إقامته بكل ما لدينا من قوة لمنع أعدائنا من الوصول إلى مثل هذه القدرة على إطلاق الصواريخ، وطبعاً، كي لا نسمح لهم بإطلاق كميات لا يمكن تحمُّلها من الصواريخ والمسيّرات على دولة إسرائيل.