غزة والحساب العاجل والحساب الاجل

 
ما يحدث في غزة هو قتل وليس قتال.هو إبادة للجنس البشري بكل الوسائل المتاحة للصهاينة.انها إبادة جماعية تحت سمع وبصر العالم أجمع.

اسرائيل المسلحة بكل ما تنتجه مصانع الموت الأمريكية والغربية لم تعد تقتل بدباباتها وطائراتها فحسب فهي تفرض مجاعة حتى الموت على مئات الآلاف من أهل غزة.

الموت الجماعي وشلال الدم الذي تظهره شاشات الفضائيات يوميا لم يحرك من بيدهم إجبار اسرائيل على وقف المذبحة.
لا شك أن أمريكا هي من يستطيع ذلك نظريا لكنها شريك كامل في الإبادة.وهي نفسها خاضعة لاملاءات اسرائيل وأنصارها في امريكا من العنصريين والمهوسين بخرافات وأساطير ينسبونها لايمانهم الديني.

ومن الأكثر واقعية افتراض أن العرب هم الأكثر توجعا مما يحدث لاخوتهم في فلسطين. ومع ذلك لا نجد أي موقف عملي له أثر فعلي في لجم الانفلات المطلق للتوحش الإسرائيلي. وتتراوح المواقف الرسمية العربية من الصمت والتنديد السلبي إلى مناشدة الآخرين التدخل لوقف إطلاق النار. ولم يعد ممكنا في حالات كثيرة تمييز المفردات العربية الا بوصفها استعارة مباشرة من المفردات الغربية تحت عنوان خفض التصعيد .دون أن ننسى أن هناك مواقف تصل حد تواطؤ وتعاون غير معلن لكن مظاهره واضحة بل صارخة مستفزة.

أن ذروة الوقوف مع غزة لا يتجاوز تقديم مساعدات إغاثية.وكلها رهنا بموافقة اسرائيلية.

والحال أن أحدا لن يلوم الأنظمة العربية لو انها ضعيفة عاجزة لا تملك وسائل وأدوات القوة والتأثير.

الخلاف مع المقاومة الفلسطينية لأسباب سياسية وإحالتها الى المرجعية الإسلامية التي تختلف معها بعض الأنظمة لا يبرر مطلقا التخلي عن الشعب الفلسطيني والان عن الشعب اللبناني.

والبعض يحمل المقاومة الفلسطينية واللبنانية مسؤولية استفزاز وإثارة الوحش الإسرائيلي.وبالتالي يتم تحميلها مسؤولية الكارثة والمأساة.وتبرأت اسرائيل واعتبارها في موقع رد الفعل.

وهذا تجاهل لتاريخ الصراع وجذوره التي تذهب باتجاه واحد وهو لا شرعية الدولة اليهودية في فلسطين .وان مجرد وجودها هو عدوان صريح على الشعب الفلسطيني وأمته العربية.ان هذه الحقيقة الأولية تجرد اسرائيل من حق مزعوم بالدفاع عن النفس.وتعطي في المقابل ضحاياها حقا مطلقا بالمقاومة.

وحتى لو سلمنا أن المقاومة اخطأت في التوقيت فهل هذا مبررا مقبولا السكوت على الإبادة الجماعية.

هل يعقل أن عملية عسكرية تسفر عن قتل بضع مئات من الإسرائيليين المستوطنين تبرر إبادة شعب بأكمله.

من المفهوم أن أغلب الدول العربية لا تستطيع أن تحارب هذا الوحش الإسرائيلي المستند إلى الشريك الأمريكي والغربي.
لكن هذا لا يعني أن هذه الدول تفتقر تماما إلى كل أدوات الضغط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي.وعلى الأقل تمتنع عن تبربر العدوان ودعمه بوسائل عديدة باتت علنية ومعروفة للجميع.

مع الاسف تغامر بعض الأنظمة بتعريض نفسها لخطر الغليان الشعبي الذي سينفجر اضطرابا وتخريبا وفوضى.مع أن تجنب هذه الفوضى ممكن بإجراءات لا كلفة لها سوى ارادة تحصن تماسكها ووحدتها واستقراراها.

رؤية مبكرة واستباقية تنبأ بوضوح ما ينتظر عالمنا العربي من تفاعلات بالغة القسوة نتيجة الشعور الطاغي بالخذلان.
الخذلان لا ينسجم بل يتناقض مع ما يمتلكه العالم العربي من قدرات هائلة تمكنه على الأقل من إيقاف مسلسل القتل والإبادة الجماعية.

المحزن أن الوعي بنتائج المعركة غائب تماما عن عن أنظمة ونخب فاعلة ومسؤولة.

ما الذي يعنيه هزيمة المقاومة وانتصار اسرائيل.

المعنى واضح فيما تقوله اسرائيل نفسها.انها تريد إعادة تشكيل وبناء الشرق الأوسط وفقا لمصالحها.ببساطة لها اليد الطولى.السيد المطلق الذي يأمر ليطاع.

ما يحسن بنا أن نعيه قبل فوات الأوان أن

مواجهة إسرائيل أقل كلفة من حساب عاجل أو حساب أجل.

فهذا الخذلان بمنطق التاريخ لا يمكن أن يمر بغير حساب.

حساب موضوعي بعيدا عن النوايا الحسنة وغير الحسنة.

الحساب عاجلا ام اجلا هو قانون تاريخي نافذ يستمد قوته من قصر النظر وسوء التقدير.واخيرا من إرادة إنسانية لا تهادن في لحظة طوفانية جارفة.