إعادة النظر في خطبة الجمعة المكتوبة ضرورة ملحة بين التوجيه والإصلاح :


 الدكتور نسيم ابو خضير
تعد خطبة الجمعة واحدة من أهم الوسائل التي تربط المسلمين برسالتهم الدينية ، وهي مناسبة دينية وإجتماعية ينتظرها المسلمون كل أسبوع لسماع ما يجدد إيمانهم ويوجههم نحو الخير والصلاح . ومع ذلك ، فإن أسلوب إعداد وتقديم خطبة الجمعة قد واجه تحديات ومشاكل ونقداً تحتاج فيه إلى معالجة وإصلاح لتحقيق الأهداف المرجوة .

في هذا المقال ، سأتناول أهمية إعادة النظر في خطبة الجمعة المكتوبة والمعدة مسبقا للخطباء ، ومحاور تحسين الخطاب الديني ، وأهمية تأهيل الخطباء بأساليب جديدة ، ودور الجهات المعنية في هذا السياق .

١ . تنويع موضوعات خطبة الجمعة لإرضاء الجمهور

تحديد خطبة الجمعة بموضوع واحد لا يُعتبر دائمًا الخيار الأمثل . إن الواقع الحالي يتطلب من الخطباء أن يكونوا على دراية بالأوضاع والتحديات المتغيرة التي تواجهها الأمة الإسلامية . فمنبر الجمعة ليس مكانًا ثابتًا لتكرار الأفكار والنصوص ، بل يجب أن يكون ساحة ديناميكية تواكب تطورات العصر وتقدم حلولًا للمشاكل المتجددة .

فتنويع الموضوعات يجعل الخطبة أكثر جذبًا وملاءمة للجمهور ، ويتيح للخطيب فرصة معالجة مختلف جوانب الحياة الإجتماعية والروحية والدينية ، مما يزيد من تأثير الخطبة وبيان كفاءة الخطيب ، ويعزز علاقتها بالحياة اليومية للمصلين .

٢ . دور الخطيب في التوجيه والإرشاد بعيدًا عن الشعبوية .

الخطيب الذي يتولى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجب أن يتمتع بمؤهلات تضمن له تقديم رسالة واعية وناضجة .

 فالأصل أن الخطيب يكون مؤهلاً فكريًا وعلميًا ونفسيًا ، قادرًا على فهم الواقع وإدراك التحديات . دوره يتجاوز مجرد تقديم النصوص المكتوبة ، وهذا مؤشر على عدم كفاءة الخطباء وعدم قدرتهم على إختيار الموضوعات ومعالجتها رغم أن غالبيتهم ممن يحملون درجة الدكتوارة والماجستير والبكالوريوس في الشريعة ، كتابة النص باستثناء_ الأخبار _ في وسائل الإعلام لاتكون إلا لغير القادرين على الكتابة ، إن الخطيب هو المسؤول عن بناء الوعي الديني والإجتماعي ، وتوجيه المصلين نحو قيم الحق والخير والإعتدال . ويجب أن يتم هذا بأسلوب بعيد عن الشعبوية وإثارة الفتن والبلابل ، وأن يكون الخطاب قائمًا على التوعية والنصيحة بالتي هي أحسن .

٣ . التوجيه والتعليم بأسلوب الترغيب .

من أهم الأهداف التي يجب أن تحققها خطبة الجمعة هي تقوية صلة المسلمين بالله وتعزيز التقوى والإيمان في قلوبهم . ولتحقيق ذلك ، ينبغي أن يتجنب الخطيب أسلوب التوبيخ والترهيب الذي قد ينفر المستمعين ، ويتبنى بدلاً من ذلك أسلوب الترغيب ، الذي يشجع على الطاعة ، ويربط العبادة بثمرات إيجابية في الدنيا والآخرة . كما يجب أن يكون الخطيب متفائلاً في خطابه ، يبعث الأمل في نفوس المصلين ، ويشجعهم على السعي نحو الأفضل بعيدًا عن اليأس والتشاؤم .

٤ . تأهيل الخطباء من خلال الدورات والتدريب .

إن إعداد خطباء مؤهلين يتطلب من وزارة الأوقاف أن تكون مسؤولة عن توفير برامج تدريبية متخصصة . هذه الدورات يجب أن تتضمن فنون الخطابة والإلقاء ، وكيفية إعداد خطبة تلبي حاجات الجمهور وتتناسب مع واقعهم . كما ينبغي تعليم الخطباء فن الحوار والنقاش ، وكيفية إدارة المواضيع الحساسة بحكمة ووعي ، وتقديم النصائح دون إثارة الجدل أو الانقسام .
٥ . ضرورة إستقطاب الكفاءات وتقديم رواتب مجزية .

لم تقم وزارة الأوقاف منذ تأسيسها بإعداد نظام يكفل تعيين أئمة مؤهلين يتبعون للوزارة بشكل دائم مع تقديم رواتب مجزية .

إن استقطاب الكفاءات من خلال توفير بيئة عمل ملائمة ورواتب مناسبة ، من شأنه أن يشجع الخطباء المؤهلين على الإنضمام للوزارة ، وبالتالي تعزيز مستوى خطب الجمعة وجودتها . بدلًا من ذلك ، إعتمدت الوزارة على خطباء من خارجها ، يتم إختيارهم وفق أسس القرابة أو الصداقة أو المكاسب المادية ، ما أدى إلى ضعف جودة الخطاب الديني وغياب الموضوعية في تقديم خطب الجمعة ، فالخطيب لايقل أهمية عن المعلم المربي والجندي الذي يسهر على أمن الوطن وإستقراره وتقدمه ، فكما يبين أثر العبادة لابد أن يبين أهمية الحفاظ على أمن الوطن وإستقراره ومحاربة خطاب الكراهية والإرهاب والعنصرية .
٦ . تجاوز الأهداف الشخصية في خطبة الجمعة .

في بعض الحالات ، نجد أن بعض الخطباء يستخدمون منبر الجمعة كوسيلة لتسويق أنفسهم لأهداف شخصية ، مثل الترويج للإنتخابات النيابية أو كسب تأييد شعبي معين . هذا التصرف يشكل خرقًا لأخلاقيات المنبر ، ويؤدي إلى الخروج عن أهداف الخطبة الأساسية التي تتمثل في تقديم الوعظ والإرشاد الديني ، وتوجيه الناس نحو القيم الإسلامية الصحيحة بحيث تجعل من المتلقي مواطنا صالحا .

يجب أن يكون هدف الخطبة تعزيز الوحدة بين الناس ، وليس إثارة الفتن والإنقسامات .

وختاماً فإن إعادة النظر في خطبة الجمعة المكتوبة والموزعة على الخطباء أصبحت ضرورة ملحة لضمان تقديم خطاب ديني هادف ، يتماشى مع تطورات المجتمع وتحدياته . ولتحقيق هذا يتطلب من الجهات المعنية أن تتبنى إستراتيجيات جديدة تتضمن تنويع الموضوعات والمحاور المطروحة ، وتأهيل الخطباء بأساليب علمية حديثة ، وإستقطاب الكفاءات برواتب مجزية .
يجب أن يكون الخطيب على قدر عالٍ من المسؤولية ، بعيدًا عن الشعبوية والتشاؤم ، ليكون خطابه نورًا يهتدي به المصلون في مسيرتهم الإيمانية .

فلنحرص جميعًا على تقديم خطبة جمعة تليق بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسهم في بناء مجتمع واعٍ ومترابط ، بعيدًا عن الفتن والإنقسامات .