في الربع الأخير من المعركة..



ضمن السياقات الموضوعية نستطيع القول أن معركة طوفان الأقصى قد دخلت في الربع الأخير لها ، والسبب في هذا الاستخلاص يعود الى عدة عوامل منها أن الحرب تخطت حاجز العام الكامل وزادت، وهي فترة طويلة نسبياوغير معتادة، وكلفتها باهظة على جميع الأطراف خاصة على الطرف الاسرائيلي، بالذات في البعد الاقتصادي الذي تضرر كثيرا ، علاوة على الخسائر الذي مني بها على مستوى أعداد القتلى و في المعدات، بالاضافة للتكلفة الكبيرة للحرب جراء تشغيل منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود، والأهم من كل ذلك النزوح الواسع والكبير للمستوطنين في غلاف غزة وشمال فلسطين والهجرة المعاكسة.

في البعد العملياتي والاستراتيجي وصل الجانب الاسرائيلي الى الحائط ، فلم يتمكن نتنياهو من تحقيق أهداف الحرب المعلنة المتمثلة بالقضاء على حماس والمقاومة في غزة ، واعادة الاسرى بالقوة ، وإدامة إحتلال غزة واعادة الاستيطان فيها. كما أنه عجز عن إضعاف حزب الله ودفعه الى ما وراء الليطاني بالرغم من القضاء على الطبقة القيادية له.

وبموازاة ذلك سمعنا مؤخرا تغييرا واضحا في لهجة القادة الاسرائيليين فمثلا استبدلوا قصة اجتثاث حماس باضعافها ومنعها من الاستمرار في حكم غزة.

وبعد العجز الكامل عن تحرير أي من اسراهم ، عاد الحديث عن إحياء مفاوضات تبادل الأسرى في الدوحة من جديد على أمل تأمين اطلاق سراح بعضهم لتسويق صورة نصر على الرأي العام الاسرائيلي .

بالاضافة الى ما يتعلق بتبادل الهجوم مع ايران والرد عليه، والرد على الرد بالنحو الذي رأينا ، وما رافقها من تبادل للرسائل السياسية والعسكرية بينهما، وما استقر عليه الحال من حالة توازن في قوة الردع بين الطرفين بعد الرد الاسرائيلي الأخير.

لعل المتغير الأبرز في سياق الأحداث يتمثل في الانتخابات الأمريكية التي ستأتي بادارة جديدة للبيت الأبيض خلفا لبايدن الذي استقوى عليه نتنياهو وتمرد عليه كثيرا، وقام بكل ما يريد دون أن يفقد الدعم الأمريكي ، وعليه فان استمرار عصيان واستقواء نتنياهو على القادم الجديد في البيت الأبيض لن يستمر على هذا النحو سواء كانت كاملا هاريس او ترامب ، ولذلك فإن نتنياهو يدرك أن طبيعة العلاقة مع البيت الأبيض بعد الانتخابات الأمريكية ستكون مختلفة عما هي عليه الآن، وستدفع باتجاه وقف الحرب .

كل هذه المعطيات في ظني أنها تشير الى دخولنا في الربع الأخير من المعركة التي يتسم ببدء إنزال الجميع عن الشجرة وخاصة نتنياهو وحكومته المتطرفة من خلال تحريك ملف التفاوض بعد أن تم تجميدة بالفترة الأخيرة، والبدء بطرح حلول سياسية لإنهاء الحرب ، وهي بحد ذاتها معركة دبلوماسية وسياسية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية في الميدان ، بل هي مكملة لها ، وتترجم مجرياتها حقائق سياسية تكرّس على الأرض، وهي بحق تعدّ قطفا لثمار المعاركة العسكرية في الميدان.

باعتقادي لولا شعور نتنياهو وحكومته بعدم جدوى الاستمرار في الحرب، وأن ايجابيات إيقافها أكثر من استمرارها لما توقف ولما اتجه نحو صيغة ما لتبادل الأسرى ولو بشكل جزئي.

لذلك يتوجب الوعي بطبيعة نهايات المعركة، وكيفية تعظيم المكاسب من طرف حماس والمقاومة الفلسطينية وحزب الله، وتقليص مكاسب الطرف الآخر الاسرائيلي بقدر الإمكان ، وترجمة هذا الصمود الاسطوري والتضحيات الجسام لأهل غزة باتفاق مشرف لوقف لإطلاق النار.