ترخيص ستارلينك في الأردن: فوائد ومخاطر كبيرة!



كتب د. حمزه العكاليك - 

يُبشّر وصول "ستارلينك" إلى الأردن بعصر جديد من الاتصال بالإنترنت، حيث يعد بتوفير خدمة الإنترنت عالية السرعة حتى في المناطق النائية من البلاد. ومن المتوقع أن يؤدي تدفق الإنترنت عالي السرعة إلى توليد ونقل وتخزين كميات هائلة من البيانات أكثر من أي وقت مضى. هذه البيانات سيف ذو حدين - مورد قيم للابتكار والنمو الاقتصادي، ولكن أيضًا هدفًا محتملًا للمجرمين السيبرانيين وأداة للمراقبة غير المرغوب فيها وتهديدًا محتملًا للأمن الوطني.

وبناءً عليه، من المتوقع أن يكون لتقديم "ستارلينك" آثار اقتصادية بعيدة المدى على الأردن. فمن خلال توفير خدمة إنترنت عالية السرعة وموثوقة في جميع أنحاء البلاد، يمكن لـ "ستارلينك" من وجهة نظر ايجابية ان تعزز ريادة الأعمال: فمن المحتمل أن يؤدي تحسين الاتصال إلى خلق بيئة أكثر ملاءمة للشركات الناشئة والشركات الصغيرة، خاصة في المناطق الريفية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تنويع الاقتصاد الأردني وتعزيز قدرته التنافسية على الساحتين الإقليمية والعالمية.

وكذلك من الممكن ان تشكل اداة لجذب الاستثمار الأجنبي: فمن الممكن أن يؤدي توفر البنية التحتية للإنترنت عالية السرعة إلى جعل الأردن أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، مما قد يؤدي إلى خلق فرص عمل ونمو اقتصادي.

وبالإضافة إلى المجال الاقتصادي، من المتوقع أن يكون لدخول "ستارلينك" إلى الأردن آثار اجتماعية كبيرة، مثل: كتقليص الفجوة الرقمية: فدخول لـ "ستارلينك" يمكن أن يقلص الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية، مما يوفر إمكانية الوصول المتساوي إلى المعلومات والفرص. وكذلك تحسين جودة التعليم: فيمكن للطلاب في المناطق النائية، مع وجود إنترنت ذو سرعات عالية، الوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت، مما قد يحسن جودة التعليم بشكل عام في البلاد.

ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الاعتماد بشكل كبير على مزود خدمة الإنترنت الأجنبي قد يمثل مخاطر على أمن المعلومات الوطني. ومن الواجب على الأردن أن توازن بين الفوائد المحتملة لـ "ستارلينك" مع الحاجة إلى حماية أمنها السيبراني والسيادة الرقمية.

ولذلك، يجب على الأردن أن تعطي الأولوية لمزودي خدمات الإنترنت المحليين وتدعمهم، مع ضمان أن أي شراكة مع مزودي الخدمة الأجانب تتم وفقًا لشروط تضمن حماية مصالح البلاد. ويجب أيضًا أن تستثمر الأردن في تطوير بنيتها التحتية الرقمية الخاصة بها لتعزيز قدرتها على المنافسة في العصر الرقمي.

ومع ذلك، فإن إدخال "ستارلينك" يثير أيضًا عدة مخاوف: فأولها واكثرها اهمية هو الأمن القومي؛ فالاعتماد على الإنترنت الأقمار الصناعية يثير تساؤلات حول سيادة البيانات والتاثير المحتمل في الأمن القومي. فقد يفتح الاعتماد المفرط على مزود خدمة الإنترنت الأجنبي الباب أمام التدخل الأجنبي المحتمل في البنية التحتية الرقمية للأردن، مما قد يعرض أمنها القومي للخطر.

واما التأثير الثاني فهو الاضطراب الاقتصادي: فقد تواجه شركات الاتصالات المحلية منافسة متزايدة من "ستارلينك" التي تملك مصادر تمويل لا محدودة وتفوّقا تكنولوجيا من الصعب منافسته، مما قد يؤدي إلى خسائر في الوظائف في هذا القطاع. كما توجد مخاوف من أن يؤدي الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الأجنبية إلى عرقلة قدرة الأردن على تطوير قدراته التكنولوجية الخاصة، مما قد يضعف قدرتها على الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام.

ومن جهه ثالثًه، فالاعتماد على خدمات ستارلينك من الممكن ان يخلق فجوة الرقمية: ففي حين أن "ستارلينك" يمكن أن تساعد في سد الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تفاقمها ضمن القطاع التكنولوجي إذا لم يتم اتخاذ تدابير لضمان الوصول المنصف والمدروس إلى الإنترنت عالي السرعة.

وبالتالي، مع تبني الأردن لتقنيات الإنترنت الجديدة، يصبح أهمية وجود تدابير أمن سيبراني قوية أمرًا بالغ الأهمية. ويبرز الذكاء الاصطناعي كمحرك للتغيير في هذا المجال، حيث يوفر قدرات متقدمة للكشف عن التهديدات السيبرانية والاستجابة لها. ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني يثير أيضًا مخاوف بشأن الخصوصية والأخلاقيات، حيث يمكن استخدامه لأغراض خبيثة مثل انتشار المعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام.

وبالتالي، فإن حماية البيانات الشخصية تصبح أمرًا بالغ الأهمية. فجمع واستخدام البيانات الشخصية على نطاق واسع لأغراض تجارية يجعل من الصعب بشكل متزايد الحفاظ على الخصوصية الفردية. وتثير هذه المعضلة مخاوف بشأن شفافية كيفية جمع البيانات واستخدامها ومشاركتها، مما يجعل تدابير حماية البيانات القوية أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وللتعامل مع هذه التحديات، يمكن استخدام عدة استراتيجيات، مثل: قوانين وانمة حماية البيانات الشاملة: فالأردن تحتاج إلى تطوير وإنفاذ لوائح حماية البيانات قوية تحدد بوضوح حقوق الأفراد ومسؤوليات الشركات. يجب أن تشمل هذه اللوائح قواعد صارمة بشأن جمع البيانات واستخدامها ومشاركتها، بالإضافة إلى آليات فعالة لإنفاذ القانون.

ولا بد من تعزيز القدرات السيبرانية: فمن الواجب أن تستثمر الأردن في تطوير قدراتها السيبرانية من خلال تدريب الخبراء وتطوير البنية التحتية الأمنية. وهو ما يعمل عليه بجد ونجاح المركز الوطني للامن السيبراني كما انه على الحكومة أن تتعاون مع القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التهديدات السيبرانية.

فمن خلال اتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن للأردن أن تستفيد من إمكانات "ستارلينك" مع تقليل المخاطر المحتملة على أمنها القومي وسيادتها الرقمية. لذلك، فإن هذه الرحلة ليست خالية من التحديات وتتطلب تخطيطًا دقيقًا واستثمارًا كبيرًا في البنية التحتية ورأس المال البشري، والالتزام بموازنة الابتكار مع الأمن والخصوصية.