هل ستُجبر الدول العربية على دفع "الجزية"؟
*قراءة معمقة في استراتيجية ترامب*
أود في هذا المقال الرد على النقاط التي تناولها البعض حول استراتيجية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وخاصة تلك المتعلقة بما يسمى بـ"عقيدة الرجل المجنون".
أعترف أن ترامب ليس مجنونًا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هو ببساطة يستخدم "الجنون المدعى" كأداة لتحقيق مصالحه. لذلك، دعونا نتعمق في هذا التحليل لاستكشاف تعقيد استراتيجياته، وكيف يمكن أن تؤثر على منطقتنا العربية وعلى العالم.
*أولاً: ترامب ليس مجنونًا، بل يتقن لعبة الجنون*
في البداية، لا يمكن إنكار أن ترامب يستخدم **صورة الجنون كوسيلة تكتيكية** لإرباك خصومه وإجبارهم على تقديم تنازلات. فهو يعتمد على استراتيجية مدروسة تقوم على **إيهام العالم بأنه غير متوقع**، مما يجبر الدول الأخرى على التعامل معه بحذر شديد، خوفًا من قرارات مفاجئة وغير تقليدية.
لكن، هل هذا الجنون حقيقي؟ بالطبع لا. !ترامب **أذكى مما يبدو**، ويجيد استغلال الغموض لتحقيق أهدافه دون الحاجة إلى الدخول في مواجهات مباشرة مكلفة.
هذه الاستراتيجية سمحت له بتحقيق مكاسب كبيرة دون أن يدفع تكاليف سياسية أو عسكرية باهظة، مما يعكس قدرته على **المناورة ببراغماتية عالية**.
*ثانيًا: استراتيجية "الجزية" وحماية الوهم**
لقد أشار بعض الأصدقاء والكتاب إلى أن ترامب يعتمد على **فرض "الجزية"** على الدول التي تستفيد من الحماية الأمريكية، وخاصة الدول العربية والخليجية.
هذا صحيح تمامًا. ترامب يرى أن الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة ليست خدمة مجانية، بل هي **صفقة تجارية** يجب أن يدفع مقابلها.
لكن دعونا نتساءل: لماذا تستمر الدول العربية في دفع هذه الجزية؟ الحقيقة أن الكثير من هذه الدول **تشعر بالحاجة إلى الحماية** بسبب التهديدات الإقليمية المتزايدة، سواء كانت من إيران أو الجماعات المتطرفة. ترامب ببراعة استغل هذا الشعور لزيادة الإنفاق الدفاعي في المنطقة وجعل الدول تدفع مقابل صفقات السلاح، وهو ما أسهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي.
*ثالثًا: العلاقة مع إسرائيل - تحالف مصلحي لا عاطفي**
أود أن أؤكد على نقطة أساسية هنا: دعم ترامب لإسرائيل ليس نتيجة حب عاطفي، بل هو **جزء من استراتيجية معقدة**. صحيح أن ترامب كان صريحًا في مقايضته للدعم الإسرائيلي مقابل دعم اللوبي اليهودي لحملاته الانتخابية، لكن يجب أن نتذكر أن العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية تمتد لأكثر من سبعة عقود، وتقوم على **أسس استراتيجية** تتجاوز المصالح الشخصية.
إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة ليست مجرد حليف، بل هي **قاعدة متقدمة** لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وضمان استقرار الشرق الأوسط بما يتماشى مع المصالح الأمريكية. ولذلك، فإن دعم ترامب لإسرائيل يعكس **تلاقي المصالح الاستراتيجية** أكثر من كونه مجرد صفقة تجارية بحتة.
*رابعًا: العرب بين فكي الابتزاز والتحالفات الجديدة**
لا يمكن إنكار أن الدول العربية، وخاصة دول الخليج، هي الأكثر عرضة **لابتزاز ترامب المالي**، لكن السؤال الحقيقي هو: هل هذا هو قدرها المحتوم؟ في الحقيقة، بعض هذه الدول بدأت تدرك أنها لا تستطيع الاعتماد كليًا على الولايات المتحدة، وبدأت **في تنويع تحالفاتها الدولية**.
فعلى سبيل المثال، نجد أن **السعودية والإمارات** بدأتا بتعزيز علاقاتهما مع قوى عالمية أخرى مثل **الصين وروسيا**، مما يمنحهما مساحة أكبر للمناورة وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. هذا التنويع في التحالفات قد يكون **السبيل الأمثل لمواجهة الضغوط الأمريكية المستقبلية**.
ما الذي يحمله المستقبل؟**
إن ما طرحه البعض من المتابعين حول عقيدة ترامب والسياسات الأمريكية المستقبلية يعكس **مرحلة من الغموض وعدم اليقين**.
العالم على أعتاب تغييرات جذرية قد تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. عند عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فربما قد نشهد **ضغوطًا أكبر على الحلفاء التقليديين**، وابتزازًا ماليًا صريحًا، وتحديات جديدة تتطلب من الدول العربية **إعادة صياغة استراتيجياتها**.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدول العربية من **التكيف مع هذا العالم المتغير**، أم ستظل رهينة لسياسات الحماية الأمريكية التي تأتي بتكاليف باهظة؟ الإجابة تعتمد على مدى قدرتها على **الابتكار الاستراتيجي** وبناء تحالفات جديدة خارج إطار النفوذ الأمريكي التقليدي.
ننتظر اسابيع ولنشاهد مجريات مايحدث عند تسلم ترامب مقاليد الحكم