صفحات مطوية من تاريخ وصفي التل في فلسطين



في ذكرى استشهاد وصفي، يجد بعض الأردنيين في استحضارذكراه وانجازاته وولايته العامة متنفسا حقيقيا لهم للبحث عن شخصية فريدة تجمع بين حب الأردن وقيادته وشعبه الطيب الوفي،وحبه لفلسطين قضية العرب المركزية.لقد أصبح ذكرى استشهاد وصفي محطة للمقارنة لدى البعض،بين رؤساء الحكومات الأردنية - مع احترامي لهم جميعها- لأن وصفي شكّل لكل واحد منهم خارطة طريق أردنية للسيرعليها، ولكل من يريد منهم الخلود بحبه لوطنه وشعبه وأمته،بالاخلاص تارة والانتماء الحقيقي تارة أخرى، وبحسن التخطيط والإدارة ثالثا،وبنظافة اليد قبل كل شيء ،رابعا وخامسا وسادسا .

يعجبني وبشدة ما قاله المرحوم السياسي المخضرم عدنان أبوعودة في مذكراته بحق وصفي واتهامه واغتياله أكثرمن مرة. فقد أحب أبوعودة وصفي، وعرفه عن قرب ،ولمس حبه الحقيقي لفلسطين أكثرمن غيره، وعرف وطنيته ومشروعه لتحرير فلسطين ،فدافع عنه أكثرمن غيره، في الوقت الذي روّج البعض من أعداء وصفي ومن لا يعرف وصفي، ومن لا يقرأ التاريخ،أن ّوصفي يكره الفلسطينيين. وهذه مغالطة تاريخية. فندها وأعادها أبوعودة لأصحابها والمغرضين منهم ،ونفاهها نفيا قاطعا بالحجة والدليل،وهنا أقتبس ما قاله أبو عودة :’’ اتهام وصفي التل بالعداء للفلسطينيين،وإحداث حالة عداء أردني – فلسطيني إعدام آخر له . ولهذا السبب،قلت قبل أشهر.وفي مدينته إربد،إن وصفي اغتيل مرتين،وأخشى أن يغتال مرة ثالثة ،وأرجو ألا يحدث ذلك .أول مرة كانت من أعداء داخليين،ومن وزراء سابقين رأوا فيه خطرا عليهم،وخافوا منه، وأنشأوا عنه حكايات عجيبة. الاغتيال الثاني هو ما حدث بالقاهرة .والاغتيال الثالث هو الذي يُصنع الآن،أي اتهامه بأنّه يكره الفلسطينيين .وهنا أقول إنه كان يحب أهل الخليل بالذات ومعجب بهم وبجديتهم في العمل .’’

ارتبط حب الشهيد صفي التل لفلسطين، بمشاريع كثيرة، سياسية وعسكرية واقتصادية،كانت عملية أكثرمنها نظرية،بالقول والفعل معا،لابالتنظيروالكلام المدهون .واحدة من تلك الاعمال الهامة التي ارتبط اسمها بوصفي والتل،وقليلا ما ذكرها أحد،أوكتب عنها أحد. فهي مطوية في صفحات السياسيين الأردنيين الذين عاصروا وصفي وخبروه فقط، وهي تلك المتعلقة بتنظيم أمورفلسطين الاقتصادية والتنموية والإدارية،وتحديدا في منطقة الضفة الغربية. أنها إنشاء بما يعرف ب (مكتب شؤون الضفة الغربية) وبتوجيه مباشر من جلالة الملك الحسين رحمه الله . حيث سأله الحسين : ’’ يا أبو مصطفى ،طلبت منك مكتبا للاهتمام بشؤون الضفة الغربية ’’. فأجابه وصفي : بأنه لم ينسى الأمر لكنه ما زال يبحث عن الشخص المناسب للقيام بهذه المهمة التي تحتاج لرجل مهني وحرفي في عمله . فأجابه الملك بأن مضر بدران من سيقوم بهذه المهمة . فأجابه وصفي بأنه لم يجرؤ على اختياره لعلمه أنه يعمل بمعيتك .

لقد بذلت الأردن جهود كبيرة لتنمية الضفة الغربية،ومن أهمها ما كان في عهد حكومة وصفي التل ( 28 تشرين الأول 1970) بتوجيه مباشر من جلالة الملك حسين،حيث أوكل الملك حسين لمضر بدران بعد خروجه من المخابرات مهام عدة حينما عينه أمينا عاما للديوان الملكي، ثم طلب الملك حسين من وصفي التل أستحداث مكتب للاهتمام بشؤون الضفة الغربية،أختير للقيام بمهامه مضربدران من الملك شخصيا. حيث كان صاحب هذا الموقع مسؤلاعن شؤون الأرض المحتلة،حيث منح بموجب تعليمات الإدارة العرفية صلاحيات الحاكم العسكري في الضفة الغربية.وقد سهل وصفي التل كل شي لمضر بدران من حيث الصلاحيات والموازنة واختيار مندوبي الوزرات وغيرها حيث أعطاه صلاحيات لإدارة الأرض المحتلة.فعندما سأله بدران عن احتياجاته قال له وصفي التل : " معك كل الصلاحيات وتصرف كما تشاء ".

بعدها قال بدران لوصفي: ’’ أحتاج لصلاحيات لإدارة الأرض المحتلة ’’.ولبى له وصفي ذلك فأعد مضر بدران بعد ذلك تعليمات إدارة عرفية،ولمجلس يرأسه رئيس الوزراء،وكان جلالة الملك يحضر جميع الاجتماعات ، وبوجود 12 وزارة خدمية، وأخذ مندوبوا الوزارت صلاحيات وزرائهم بموجب الأحكام العرفية حتى لا يتعطل العمل .

عرف هذا المكتب ( بمكتب شؤون الضفة الغربية ).وتولى رئاسة المكتب مضر بدران ومعه مندوبو الوزارات والمؤسسات الرسمية، وضم بدران له، طاهر المصري الذي جاء مندوباعن البنك المركزي.وكان يعمل به أيضا شوكت محمود أمين عام إدارة شؤون الأرض المحتلة,ويروي مضر بدران أنه انتزع من الحكومة موازنة تقدر ب 360 ألفا دينارلهذا المكتب، والتي كانت تفوق موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية في الضفة الشرقية في ذلك الوقت،عندها أبدى وزيرالشؤون الاجتماعية أعتراضه على ذلك،معللا بقوله : أن موازنة وزارته في الضفة الشرقية أقلّ من ذلك . فقال له الحسين رحمه الله " الضفة الشرقية ليست محتلة ". ثم أمرَ وصفي التل وزيره بالسكوت في ذلك الاجتماع ..

أنشأ بدران بعد حصوله على الموازنة جميعات خيرية ومصانع للصناعات الخفيفة والمتوسطة الهدف منها أن لا يعتمد الفلسطينيون على بضائع الإسرائيليين، وأن لا يدعموا بأي شكل الاقتصاد الإسرائيلي .وكان موظفو الضفة الغربية يتقاضون رواتبهم من الحكومة الأردنية.وقد رصد بدران عدد تلك الجمعيات في الضفة الغربية ب 160 جمعية ، وكان الهدف من التوسع فيها مكافحة البطالة في الضفة الغربية ،وأن لا يحتاجوا للعمل في إسرائيل .

وقد بقي بدران مديرا لتلك الدائرة حتى عام 1973م .وبعد نجاح إدارة شؤون الأرض المحتلة تحولت لوزارة، وكان أول من تسلمها طاهرالمصري ،كما تسلمها شوكت محمود في حكومة احمد عبيدات ومروان دودين في حكومة زيد الرفاعي ،وتسلمها حسن إبراهيم في حكومة بدران في الثمانينات .

في هذا اليوم نستذكر كيف بنيت الدولة ومؤسساتها على أكتاف الرجال المخلصون . في هذا اليوم، نستذكركم كانت فلسطين حاضرة في قلب الحسين وعقله،وبين أجندة أبو مصطفى الشهيد البطل وصفي التل وفكره ،الذي ما انحرف قلبه يوما عن الأردن وشقيقتها فلسطين،ليكون درسا لكل من لم يعرف وصفي،وإجابة عن سؤال لماذا أحب الناس وصفي .لأنه كان أردنيا يحب الأردن،وينظرإليه بعينه ،ويعمل من أجله، ويدافع عنه وعن أمنه الوطني،وفي عينه الأخرى ينظر لفلسطين. رحمك الله يا وصفي .