وصفي التل، رجل الدولة الإستثنائي ( 3 - 6 )


 ابتعد وصفي التل عن الدور السياسي المباشر بعد استقالته من رئاسة الحكومة، إلا أنه بقي محتفظا بدور مؤثر في توجيه السياسة، حيث قاد تكتلات سياسية قوية لإسقاط حكومة سمير الرفاعي التي خلفت حكومته، من خلال مجلس النواب، وكانت الحكومة الوحيدة التي حجب مجلس النواب الثقة عنها. وكان يعمل كأي رئيس وزراء في الظل، بما في ذلك عقد الاجتماعات الرسمية مع البعثات الدبلوماسية.

شكل وصفي التل حكومتين متتاليتين، الثالثة وشكلها يوم 13 كانون الثاني 1965، واستقالت يوم 22 كانون الأول 1966، والرابعة وشكلها يوم 22 كانون الأول، واستقالت يوم 4 آذار 1967.

وجاء في كتاب التكليف ضرورة المحافظة على التعاون العربي، والتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، والتركيز على المشاكل الداخلية.

ألقى وصفي التل بيانا وزاريا مطولا أمام مجلس النواب، تناول السياستين الداخلية والخارجية للحكومة.

وأعلن أن الحكومة ستسعى لإعداد محطط صناعي عام، وتأسيس بنك صناعي، كشركة مساهمة عامة، والتوسع في استغلال مناجم الفوسفات، وإنشاء مصانع للأسمدة الكيماوية، والوصول بمشروع البوتاس إلى مرحلة الإنتاج، وإنشاء مؤسسة للتسويق الزراعي، يسهم فيها المزارعون والموزعون والدولة، وتوسيع الرقعة الزراعية، ومساعدة المزارع على استغلال كل شبر من الأرض بالطرق الحديثة، ووضع برنامج عام للتحريج، وتوزيع أراضي الدولة على المستحقين، ومتابعة القيام بالمسح الجيولوجي، للتحقق من الثروات المعدنية، والعمل على استغلالها، واستغلال كل قطرة ماء، بما في ذلك التحكم بالمياه الجوفية والسطحية، للإفادة منها في أغراض الري وتوليد الكهرباء.

غلب على هذه المرحلة الصراع السياسي بين الحكومة ومنظمة التحرير الفلسطينية.

طلب الملك حسين من وصفي التل دعم م . ت . ف، وعد ذلك من المهمات الرئيسة التي يجب على الحكومة الالتزام بها. وأكد وصفي التل أن التعامل مع المنظمة يشكل قناعة أكيدة لحكومته، إذا كان الهدف مصلحة القضية الفسطينية، محذرا من ازدواجية الجهد، وضرورة تبني الحشد العسكري العربي من أجل فلسطين.

تقدم أحمد الشقيري، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعدة طلبات للحكومة، تضمنت إنشاء جيش التحرير الفلسطيني، وإقامة المعسكرات لتدريب الفسطينيين في الأردن، وتطبيق نظام الجباية الشعبية لتمويل الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني. ولم تلق هذه المطالب قبولا من الحكومة لكونها تمس سيادة الدولة.

شكلت قضية الممارسة العسكرية السياسية لمنظمة التحرير داخل الأردن عقبة رئيسة لعدم توصل الطرفين لصيغة ما للعمل الثنائي، ما أدى إلى تعرض الأردن لحملات إعلامية، اعتبرها وصفي التل موجهة ضد الأردن لتصفية القضية الفلسطينية.

جاء الاعتداء الإسرائيلي على بلدة السموع التابعة لمحافظة الخليل بتاريخ 13 تشرين ثاني 1966، ليزيد الاتهامات بين الحكومة الأردنية والمنظمة، وطالب الشقيري بتسليح الشعب والقرى الأمامية على طول خط الهدنة. في حين دافع وصفي التل عن الجيش الأردني، متهما القيادة العربية الموحدة، لتقصيرها في تأمين الغطاء الجوي اللازم.

وعلى إثر هذا الهجوم أقرت الحكومة قانون التجنيد الإجباري، ونتيجة لتصاعد الخلاف بين الأردن والمنظمة، قررت الحكومة إغلاق مكتب منظمة التحرير في القدس.

اتخذ وصفي التل خلال رئاسته للحكومة الثالثة والرابعة قرارا باتلاف أضابير المواطنين المحفوظة لدى دائرة المخابرات، حيث تم إحراق أكثر من 20أ لف ملف من ملفات المخابرات في آذار 1965 وكان تعليق وصفي عند احراقها :” الحمد لله .. فقد انتهينا من قصة قميص عثمان، ولم يعد أحد يتسلط بحجة الأضابير على أحد”.

كما أصدرت الحكومة قانونا للعفو العام، أفرج بموجبه عن المعتقلين السياسيين، كما سمح للاجئين السياسيين في الخارج العودة للأردن.

عربيا طرح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في مؤتمرات القمة العربية، مشروعا يتضمن العودة إلى قرار التقسيم، والاعتراف بالكيان الصهيوني.

شجب وصفي التل كل دعوة للمساومة على الحقوق العربية في فلسطين، ولحل القضية الفلسطينية على أساس الأمر الواقع. وفي زيارته إلى أريحا والقدس ورام الله، واجه الرئيس التونسي انتقادات شديدة، وذكر له وصفي التل، أن الشعب الفسطيني لن يقبل غير التحرير الكامل لأرضه.....