فورين بوليسي: هذه أسرار الانهيار السريع لنظام الأسد



قال خبير عالمي بالشؤون السورية إن صمود نظام الرئيس بشار الأسد بات موضع شك بشكل واضح عقب سيطرة المعارضة المسلحة على نحو 250 مدينة وبلدة وقرية شمالي البلاد على مدار الأسبوع المنصرم.

وسيطر قوات المعارضة أيضا على حلب، ثانية كبرى المدن السورية، في غضون 24 ساعة، حيث انهارت خطوط النظام السوري الأمامية الواحد تلو الآخر.

وفي تحليله الذي نشرته مجلة فورين بوليسي، شدد تشارلز ليستر -مدير برنامجي سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط ومقره في واشنطن- على أن التطورات الأخيرة في سوريا لم تكن كلها مفاجئة؛ ذلك أن الأسد -برأيه- لم "ينتصر" فعليا في الحرب في بلاده، بل إن نظام حكمه ظل يتضعضع منذ زمن، وأن موقفه بات أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

حسابات خاطئة

وترافق ذلك مع تضاؤل الاهتمام الدولي بالحرب هناك، وأن الجهود الدبلوماسية التي كانت تركز على سوريا توقفت تقريبا، وسحبت الحكومات مواردها تدريجيا من المسائل المتعلقة بسياساتها العامة تجاه سوريا ووجهتها إلى تحديات عالمية أخرى، وفق كاتب المقال.

ويشير ليستر في تحليله إلى أن بعض الحكومات العربية أقدمت، بشكل جماعي، على الانخراط مع الأسد بدءا من عام 2023، "ليعود وضعه إلى طبيعته في الشرق الأوسط".

ومن وجهة نظره، فإن ما بدا وكأن الأطراف الفاعلة في المنطقة تتولى مسؤولية الملف السوري، أشاع قدرا من الارتياح لدى صُناع السياسات في الولايات المتحدة، الذين رأوا في ذلك علامة مشجعة.

وقال إن جهود 10 دول أوروبية -بقيادة إيطاليا- تضافرت من أجل التواصل مجددا مع نظام الأسد، وبحث سبل استئناف الجهود الدبلوماسية وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

وأضاف أن كل هذه التطورات استندت إلى فرضية مفادها أن الأسد يستفيد من جمود الأزمة مع تفاقم سوء الأوضاع في البلاد لتعزيز سلطته. لكن ليستر يعتقد أن هذا افتراض خاطئ.

انهيار اقتصادي

وطبقا للتحليل، فقد كان الاقتصاد السوري في حالة فوضى منذ سنوات، حيث تهاوت الليرة السورية حتى وصلت في يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى 17 ألفا و500 مقابل الدولار الواحد، بعد أن كانت 1150 في أوائل عام 2020.

وفي حين أن "احتضان" النظام السوري الجريمة المنظمة ظل يدر عليه أرباحا لا تقل عن 2.4 مليار دولار سنويا من وراء بيع نوع واحد من المخدرات المصنَّعة، إلا أن ذلك لم يساعد الشعب السوري في معيشته، حسب زعم ليستر.

ومع ذلك، "لم يعد هناك من ينقذ بشار الأسد من إفلاس دولته"، فقد تضرر الاقتصاد الروسي بشدة من آثار حربه في أوكرانيا، كما أصبح الاقتصاد الإيراني، هو الآخر، في حالة سيئة.

ولكن ليستر يعتقد، في تحليله، أن الوضع ما كان ينبغي أن يكون على ذلك النحو، مضيفا أنه لو كان الأسد قد انخرط بشكل بنّاء مع حكومات المنطقة التي طبّعت علاقاتها معه في عام 2023، وتبنى انفتاحا على تركيا في وقت سابق من هذا العام، لكانت سوريا اليوم في وضع مختلف كثيرا.

ومضى إلى القول إن السوريين، بعد أن أدركوا أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق، بدؤوا بالخروج إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط بشار الأسد.

ولفت إلى أن المعارضة المسلحة، التي "تصالحت" مع دمشق بموجب اتفاق قبل 6 سنوات، بدأت منذ شهور في تحدي جيش النظام مجددا، وحققت انتصارات.

الكبتاغون

وفي خضم الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا في هذه الأثناء، تغلغلت الجريمة المنظمة وكذلك إنتاج المخدرات والاتجار بها على المستوى الصناعي في صلب أجهزة الأسد الأمنية، كما يذكر ليستر، لافتا إلى أن نظام الأسد قد يكون الآن "أكبر نظام مخدرات في العالم متخصص في إنتاج الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون".

وكشف الكاتب أن تجارة المخدرات تديرها الفرقة الرابعة النخبوية في سوريا (التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد)، لكن شبكتها امتدت إلى كل ركن من أركان الجيش السوري والمليشيات الموالية له. ومع ذلك، فقد مزقت الجريمة المنظمة وأمراء الحرب ما تبقى من "تماسك ضعيف" داخل الدولة الأمنية السورية.

وخلص إلى أن الآلة العسكرية للنظام أُصيبت بالركود في جميع الجوانب في السنوات الأخيرة، وتآكلت من الداخل وتشظّت من الخارج، بل يمكن القول إن المليشيات الموالية للأسد أضحت أقوى عسكريا من الجيش نفسه.

وعلى النقيض من ذلك -يتابع ليستر- عملت هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى بشكل مكثف منذ عام 2020 على تعزيز قدراتها الخاصة. وقد أنشأت هيئة تحرير الشام، بالذات، وحدات جديدة تماما يمكن القول إنها غيرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة في الأيام الأخيرة.



(فورين بوليسي)