الأردن.. سماء لا تلبدها الغيوم...ونيران تشتعل في الجهات كافة
على الرغم من أن اليوم هو اليوم السابع من كانون أول الا ان سماء الأردن تبدو صافية تماما من أي غيمة حتى ولو كانت غيمة خجول تجول في الافق على استحياء لكن ما هو في السماء مغاير تماما لما يحدث على الأرض شمالا وغربا ففي الغرب ماكنة دعاية لا تهدأ تشير بوصلتها إلى أن اليمين المتطرف هناك في دولة الاحتلال يقضم ما تبقى من أراضي الضفة الغربية لنهر الأردن والتي هي مصنفة على أنها منطقة محتلة حسب تعبير القانون الدولي الذي بات مختلا هذه الأيام وما زال الناس في شرقي النهر ينتظرون ما ستؤول له الأحداث الجارية هناك فيما يمتلك حسب التقديرات الرسمية ما يقارب ٧٠٠ الف انسان هناك رقما وطنيا اردنيا يؤهلهم العودة للوطن الأردني دون أي معيق او تلكؤ وترتفع وتيرة السؤال أكثر ماذا لو ضيق المحتل الخناق أكثر وأكثر على فلسطيني الضفة ؟
فهل ستُفتح لهم الحدود في هجرة ثالثة إلى البلد الذي اعتاد دوما ان يستقبل من يلجأ اليه ؟
وفي الجانب الشمالي ثمة معارك محتدمة هناك ولا صوت يعلو فوق صوت هدير المدافع وازيز الرصاص فيما تتهاوى الدولة السورية شيئا فشيئا وسط قتال لا يُعرف إلى أين سيفضي واين يستقر ويهدأ؟
وسط هذه الدوامة يسود سكون عجيب في الداخل الأردني رسميا وشعبيا وباستثناء بعض الأصوات المتناثره هنا وهناك على وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى أخذ الحيطة والحذر ورفع وتيرة الاستعداد لما هو قادم فان الصوت الرسمي ما زال غائبا وما زالت الحياة تسير بعاديتها فهل نحن مرتاحون حقا إلى هذا الحد ؟
ربما يقول قائل ان ، عاش طويلا على فوهة بركان بعد أن جعله موقعه الجغرافي منذ نشأته يمارس مثل هذا الدور ويدفع ثمنا له من اقتصاده الهش الذي ادمن العيش في غرفة الإنعاش ولكن ماذا عن الناس الذين باتت معيشتهم تسوء شيئا فشيئا ولا حلول اقتصادية تلوح في الافق وماذا عن الطبقة المتوسطة التي أصبحت لا ترى بالعين المجردة في ظل اقتصاد مترد ومطالب معيشية متزايدة حد اللهث وراء لقمة العيش وهي منطلقة بسرعة صاروخية .
من المؤكد ان الجميع في الأردن ولا استثني أحدا حين يلوح خطر خارجي يتهدد الدولة يبادرون إلى رمي خلافاتهم جانبا وينخرطون في مواجهة الخطر ايا كان مصدره او اتجاهاته فثمة كيمياء عجيبة جعلت من يعيش في الأردن مواطنا او لاجئا او عابر سبيل مستعدا لبذل النفس والمال في سبيل ان يبقى الوطن ولا يمس وهذه الكيمياء بالتأكيد هي مصدر بقاء الوطن الأردني رغم كل الاهتزاز العنيفة التي شهدها جراء اضطراب الجوار حربا وسلما واقتصادا وبطرا احيانا .
اظن وليس كل الظن إثما انه آن أوان استحقاق مراجعة الداخل الأردني من قبل صناع القرار فيه مراجعة حقيقية باحثة منقبة متوغلة في تحليل كبد العيش وقسوته على فئة واسعة من الناس وأنه آن الأوان لاستبدال الكثير من الطبقة التي حكمت وتحكمت في مفاصل صنع القرار اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا فمن غير المعقول ان تصل بالناس عبر مسيرة الوطن الممتدة أكثر من مئة عام كل الخطط التنموية والاقتصادية إلى هذه الحال التي نرى ولا نرى بالمقابل محاسبة واحدة لمن أدى إلى ذلك وأنه أيضا آن الأوان للخلاص من سياسة التدوير في مفاصل الدولة التي ارهقتها وافضت إلى ما افضت اليه من سوء في المعيشة وتراجع في الخدمات العامة الصحة والتعليم وتهاو في منظومة القيم التي اعتادها المجتمع الأردني لكنه أصبح لها مودعا هذه الأيام.
مشكلتنا في الأردن هو غياب المساءلة والمحاسبة لكل من تبوأ مركزا عاما واخفق فيه ثم أننا نراه بعد أن خرج من الباب داخلا مرة أخرى من باب أوسع ليمارس ذات النهج وذات الخيبة دون أن يرف له جفن او يرتج له ضمير .
الأردن تكاد ان تكون الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي لا يختلف فيها اثنان على شرعية رأس النظام وقيادته ولاسباب لسنا هنا في معرض تناولها وكل الاختلاف يبدو في التفاصيل تفاصيل الحكم وصنع القرار وصنع الحكومات وصنع أصحاب القرار فما زالت هذه تثير الهواجس والقلق لدى الطبقة المثقفة والتكنوقراط وحتى المخاتير باتوا يتلفتون بحثا عن مخرج من حصار الطبقة التي تحكم بطرق عجيبة وغريبة تبدو في الكثير من الاحيان .