بيوت العزاء في الأردن: منابر للتكاليف والمظاهر والممارسات السلبية بدل المواساة الحقيقية
تُعد بيوت العزاء في الأردن من أبرز التقاليد الاجتماعية التي تُظهر التكاتف والتضامن مع أهل الميت وتُعبر عن مشاركتهم في مصابهم. تحمل هذه العادة بُعداً إنسانياً واجتماعياً عميقاً، حيث تُعتبر من الواجبات التي ترسّخ قيم التآخي والرحمة بين الناس. لكن مع مرور الوقت، تطورت هذه العادة بشكل أدى إلى تحميل أهل الميت أعباء مالية واجتماعية كبيرة، إضافة إلى ظهور سلوكيات وممارسات باتت تُشكّل خروجاً عن الغرض الأساسي للعزاء.
تتجذر فكرة بيوت العزاء في المجتمع الأردني بشكل خاص كوسيلة لمواساة أهل الميت والوقوف بجانبهم في أوقات الحزن. في العادة، يتم فتح بيوت العزاء أو استئجار الصالات لاستقبال المُعزّين لمدة ثلاثة أيام، خلال هذه الأيام، يُقدم المُعزون الدعاء للميت، وتُقدَّم القهوة والماء كنوع من الضيافة البسيطة.
ورغم بساطة هذه الممارسات في أصلها، إلا أن التغيرات التي طرأت على المجتمع الأردني أدت إلى تضخم الأعباء المترتبة على العزاء، حيث أصبح يُنظر إليه كواجب اجتماعي مكلف مالياً ومجهداً نفسياً لأهل الميت.
التحديات المالية المرتبطة ببيوت العزاء
شهدت بيوت العزاء في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في طبيعتها، حيث باتت تمثل عبئاً مادياً ثقيلاً على أهل الفقيد. أصبح من المألوف استئجار صالات كبيرة لاستقبال المُعزّين، مما يُضاعف التكلفة، خاصة مع الإصرار على تقديم واجبات الضيافة بأشكالها المختلفة، مثل الطعام والشراب.
وفي بعض المناطق، يُتوقع من أهل الميت تنظيم ولائم كبيرة للمُعزّين، وهو ما قد يُرهق كاهل الأسر ذات الدخل المحدود. بل إن بعض العائلات تجد نفسها مضطرة للاستدانة لتلبية هذه التكاليف، مما يُعرضها لأزمات مالية تستمر لفترات طويلة.
السلوكيات السلبية في بيوت العزاء
من الناحية الاجتماعية، انحرف العزاء عن غايته الأساسية في كثير من الحالات. بدلاً من أن يكون مكاناً للحزن والدعاء، تتحول بيوت العزاء أحياناً إلى تجمعات اجتماعية تعج بالأحاديث الجانبية والضحك، وهو ما يبتعد تماماً عن أجواء الوقار التي يجب أن تسود المناسبة.
تُعد هذه التصرفات مظهراً من مظاهر الاستهتار بالمناسبة، وتُظهر فقدان التركيز على الجانب الروحي الذي يُفترض أن يُشكّل جوهر العزاء. يُساهم هذا السلوك في إفراغ العزاء من معانيه الإنسانية.
الآثار السلبية لهذه الممارسات
إن الأعباء المالية والممارسات غير اللائقة في بيوت العزاء تُلقي بظلالها السلبية على الأفراد والمجتمع ككل. فمن جهة، تُسبب التكاليف الباهظة ضغوطاً نفسية كبيرة على أهل الميت، خاصة إذا كانوا غير قادرين على تلبية متطلبات العزاء بالشكل المتوقع اجتماعياً. ومن جهة أخرى، تؤدي هذه التكاليف إلى تعزيز الفجوة الاجتماعية بين الطبقات، حيث يشعر البعض بالحرج أو الإقصاء إذا لم يتمكنوا من توفير العزاء بالمستوى الذي اعتادت عليه مجتمعاتهم.
كما أن السلوكيات السلبية مثل الضحك والتجمعات الاجتماعية تُضعف من الغرض الأساسي للعزاء، ما قد يُثير مشاعر الانزعاج أو الإحباط لدى أهل الميت الذين ينتظرون الدعم العاطفي والروحي في مثل هذه الأوقات العصيبة.
الحاجة إلى إصلاح العادات وتخفيف الأعباء
في ضوء هذه التحديات، تظهر الحاجة الماسة لإعادة النظر في الممارسات المرتبطة ببيوت العزاء. للحد من التكاليف والتركيز على جوهر العزاء، ومن بين هذه المبادرات:
1.تبسيط واجبات الضيافة: الاكتفاء بتقديم القهوة والماء، دون الحاجة إلى إعداد ولائم أو استئجار صالات مكلفة.
2.تعزيز الوعي الاجتماعي: نشر ثقافة الالتزام بجو الحزن والوقار، والابتعاد عن السلوكيات غير المناسبة مثل الأحاديث الجانبية أو الضحك.
3.تقديم الدعم المادي والمعنوي: بدلاً من تحميل أهل الميت تكاليف إضافية، يمكن للمجتمع تقديم المساعدة المادية أو التطوع لتحمل بعض أعباء العزاء.
خلاصة الكلام
تُمثل بيوت العزاء في الأردن جزءاً لا يتجزأ من التقاليد الاجتماعية، لكنها بحاجة إلى إعادة تنظيم بما يتوافق مع القيم الاجتماعية والواقع الاقتصادي. يجب أن يكون العزاء فرصة للتضامن الحقيقي والدعم المعنوي، بعيداً عن المظاهر المكلفة أو السلوكيات السلبية. ومن خلال ترشيد هذه العادات، يمكن للمجتمع الأردني الحفاظ على جوهر هذه العادة الأصيلة دون أن تتحول إلى عبء على أهل الميت أو خروج عن إطارها الروحي والإنساني.
.