قوافل الخير الهاشمية ... من يجرؤ على تجويع أهلنا في غزة ؟
في زمن المجاعة، تُصبح شاحنة الطحين أبلغ من خطاب، وقافلة الأدوية أثمن من كل اجتماعات مجلس الأمن، لكنّ هذه الشاحنات، القادمة من عمّان إلى غزة، تُحاصر اليوم عند أبواب الموت، وتتأخرعن الوصول، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه انحطاط أخلاقي مدوٍ للمجتمع الدولي، وعار إنساني لا يُغتفر.
منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، لم تتأخر المملكة الأردنية الهاشمية، قيادةً وشعبًا، عن القيام بدورها الأخوي والإنساني، حيث تحركت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، مدعومة بالقوات المسلحة الأردنية، لإطلاق قوافل متواصلة حملت على ظهور شاحناتها كل ما يمكن أن ينقذ طفلًا من الجوع، أو يمدد حياة مريض في العراء.
لكن المفارقة الموجعة أن هذه القوافل، التي تجاوز عددها 191 قافلة، تتعطّل دخولها اليوم عند نقاط العبور، لا بسبب خلل لوجستي، بل نتيجة حسابات سياسية قذرة، تُفضّل الإذلال على الإنقاذ، والحصار على النجاة. من الذي يعطّل دخولها؟ إسرائيل؟ بعض الوسطاء؟ أم صمت دولي يتواطأ مع القاتل؟ السؤال لم يعد فقط من يغلق المعبر، بل من يصمت على تجويع الفلسطينيين، ويُحاصر الصوت الأردني الذي رفض أن يساوم على إنسانيته.
الأردن، الذي قدّم دم جنوده على أسوار القدس وفي سهول الضفة الغربية دفاعًا عن فلسطين، لا يقبل اليوم أن تُعطّل عنه قوافل الرحمة نحو غزة، فالقضية لم تعد مجرد مساعدات، بل مسألة كرامة وطنية وموقف سيادي. القوافل الأردنية هي تجسيد لفكرة أن المروءة لا تتجزأ، وأن النخوة الأردنية لا تحتاج إلى ضوء أخضر من أحد.
أولئك الذين يحاولون عرقلة هذه القوافل، باسم الترتيبات والضوابط والتفاهمات، فهم لا يدركون أن الزمن لن يغفر للمتواطئين، وأن الاحتلال الذي يمنع الدواء، لا يختلف عن الذي يلقي القنابل. غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى بيانات شجب، بل إلى مواقف جريئة كالموقف الأردني، وإلى شاحنات تصل لا تنتظر موافقات من أنظمة التمييع والتطبيع.
وفي وجه هذا التعطيل المتعمد، على الدولة الأردنية أن ترفع الصوت عاليًا، في المحافل الدولية، وفي وجوه من يدّعون الحياد بينما يموت الأطفال تحت أنقاض الجو، وعلى شعوب الأمة أن تعلم أن المعركة ليست فقط في الميدان، بل في شرايين الإمداد التي يتم خنقها ببطء، حتى لا تبقى في غزة روحٌ تشهد.
وغدًا حين تُكتب رواية الصمود، سيُذكر من وقف بجانب غزة ومن خذلها، من أرسل الشاحنات ومن منعها، من بنى جسر الرحمة ومن أغلقه.