لأول مرة منذ نشأتها.. إسرائيل محاصرة بفضل صمود وتضحيات غزة



لم تكن دولة الكيان الصهيوني، منذ قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني قبل أكثر من سبعة عقود، تواجه تحديات بهذا الحجم على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية والأخلاقية والقانونية كما تعيشها اليوم. والسبب المباشر يعود إلى المقاومة المسلحة وصمود أهل غزة وتضحياتهم الأسطورية التي قلبت المعادلات وكسرت صورة "الكيان الذي لا يُقهر"، لتجد تل أبيب نفسها – ومعها راعيتها واشنطن – معزولة وفي مرمى الإدانات والضغوط من كل قارات العالم وتصبح دولة مجرمة محاصَرة من معظم دول العالم.

ضربات موجعة تكشف هشاشة "المنظومة الأمنية"

أحدث المشاهد كانت الطائرة المسيّرة اليمنية التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية وصولًا إلى مدينة إيلات (أم الرشراش) وانفجرت داخل مطعم مكتظ، ما أسفر عن عشرات الإصابات وسقوط قتلى، وسط اعتراف الإعلام العبري بفشل القبة الحديدية ومنظومة الدفاع الجوي في اعتراضها. هذا الخرق العسكري غير المسبوق شكّل ضربة قاسية لصورة إسرائيل الأمنية التي طالما سوقتها للعالم.

أسطول الصمود يحرج تل أبيب

في البحر، يبحر "أسطول الصمود" المكوّن من عشرات السفن القادمة من 44 دولة بهدف كسر الحصار عن غزة. محاولات إسرائيل المتكررة لاعتراض القافلة فشلت، فيما قوبلت هجماتها بالطائرات المسيّرة والمواد الحارقة بإدانة دولية واسعة. الموقف بلغ ذروته عندما أعلنت إيطاليا إرسال فرقاطة عسكرية لمرافقة الأسطول، تبعتها إسبانيا بخطوة مماثلة، في أول تدخل أوروبي عسكري مباشر يضع إسرائيل أمام مأزق دبلوماسي وعسكري حرج.

تحول في الموقف الدولي

على الصعيد السياسي وبعد تسونامي الإعترافات الدولية بدولة فلسطين وخاصة من الدول الأوروبية الغربية، جاء خطاب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في الأمم المتحدة ليحدث صدمة وصحوة عالمية؛ إذ وصف إسرائيل بـ"نازيي العصر الحديث" ودعا صراحة إلى تشكيل جيش دولي لتحرير فلسطين ، موجّهًا انتقادات لاذعة لواشنطن وحلف الناتو، ومطالبًا بمحاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كمجرم حرب. هذا الموقف غير المسبوق جعل الوفد الأمريكي ينسحب من القاعة، لكنه أكد أن صورة إسرائيل وحاميتها الكبرى باتت متصدعة أمام الرأي العام العالمي. وصرح لاحقا لقناة الجزيرة بأن بيانات التنديد لم تعد كافية وأن العديد من الدول أبدت استعدادها للمشاركة في تشكيل قوة عسكرية لتحرير فلسطين.

الحصار الشامل: سياسي وإعلامي وعسكري وأخلاقي وقانوني

اليوم، لم تعد إسرائيل تواجه فقط مقاومة فلسطينية شرسة وصمود وتضحيات شعبية غير مسبوقة في التاريخ ، بل وجدت نفسها محاصرة عالميًا. سياسيًا: تصاعد المظاهرات الشعبية الدولية وخاصة في الدول الأوروبية ضد جرائم الإبادة في غزة والإعتراف من معظم دول العالم بدولة فلسطين، إعلاميًا: انهيار روايتها التقليدية عن "الدفاع عن النفس" أمام مشاهد التدمير الشامل والمجازر والتجويع، عسكريًا: انكشاف ضعف منظوماتها أمام هجمات المقاومة والطائرات المسيّرة، وأخلاقيًا: تحوّلها في أعين الملايين حول العالم من "دولة ضحية" إلى "كيان معتدٍ مارق"، وقانونيا: ادانتها في المحاكم الدولية وملاحقة قادتها كمجرمي حرب مطلوبين للعدالة الدولية.

بداية النهاية؟

يذهب محللون إلى أن ما يجري اليوم قد يكون بداية "لعنة العقد الثامن" التي حذّر منها بعض المؤرخين، والتي قد تعني أن الكيان الذي قام على العدوان والدعم الغربي يعيش سنواته الأخيرة. وبقدر ما تكشف هذه التطورات عن عمق أزمة دولة الكيان الصهيوني، فإنها تؤكد في المقابل أن تضحيات أهل غزة لم تذهب سدى، وأنهم نجحوا – لأول مرة – في جعل تل ابيب وواشنطن تواجهان حصارًا عالميًا متعدد الأبعاد قد يغيّر وجه المنطقة والتاريخ.