وصفي التل ..لا تختزلوا مسيرته ،وهو القائل ؛ سأقطع كل يدّ تمتد لمال المواطنين
لا بدّ من إعادة قراءة مسيرة الشهيد وصفي التل ، فهي زاخرة بأحداث كبيرة ، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام ، هي دروس يجب الإستفادة والتعلّم منها ، فلم يكن وصفي مجرد رئيس وزراء تنفيذي ، فقد تجاوز ذلك بأشواط وأشواط.
في مرحلة الشباب كان الفكر القومي هو المسيطر ، فكان وصفي جزءا منه ، كانت فلسطين وقضيتها شغله الشاغل ، ويجب العودة لمسيرته مع المرحوم موسى العلمي مدير المكتب العربي في القدس ، حيث تلك الفترة الهامة في تاريخ الرجل ، الذي كان واحدا من الذين جرى تكليفهم بكتابة تقرير عن قضية عرب فلسطين .
ولأن شغله الشاغل كان فلسطين ، فقد التحق بجيش الإنقاذ العربي ، وحارب على أرضها الطاهرة ، وطلب منه القوميون الالتحاق بالجيش الأردني الذي كان يقوده الأنجليزي جون كلوب ، لم يستمر طويلا ، حيث طلب كلوب تسريحه من الخدمة نظرا لميوله القومية .
مسيرة وصفي التل لا تختزل بفترة زمنية قصيرة شهدت أحداثا مؤلمة ، فهذه محطة بكل ما فيها من سلبيات ، غادرناها ، ولن نعود إليها ، فالمسيرة عامرة بكثير من تفاصيل حياة الرجل ، قد لا تجدها عند أمثاله ممن تولّوا مواقع متقدمة في الدولة .
حين كان مستشارا في السفارة الأردنية في ألمانيا ، بعث برسالة للرئيس جمال عبد الناصر راغبا بالقتال إلى جانب الجيش المصري أثناء العدوان الثلاثي ، وهذا دليل على حسّه العروبي ، والنظرة الوطنية المخلصة تجاه كل قضايا العرب ، وليس فقط قضية فلسطين .
حين كلفه الملك حسين بتشكيل أول حكوماته ، رفع شعارا كبيرا .. سأقطع اليد التي تمتد لمال المواطنين ، فحرصه على مال الدولة أو المال العام كان كبيرا جدا ، يحاسب الجميع إذا تعلق الأمر بالمال العام ، ففي عهد حكومته الأولى نجح في تنظيم أجهزة الدولة المختلفة ، وحارب الفساد والمحسوبية والرشوة ، وأصدر قانون العفو العام بجرأة لا يمكن تخيلها ، فهذا القانون منح الحرية للمعتقلين والفارّين خارج البلاد ، وحتى من حاولوا قلب نظام الحكم في خمسينيات القرن الماضي .
في عهد الحكومة الأولى كانت هناك العديد من الإنجازات ، وخاصة على الصعيد الاقتصادي والزراعي ، كان يرغب بتحرير الأردنيين من الضغوط والديون والأرتهان للخارج مثل البنك الدولي وغيره ، من خلال اعتماد المواطنين على أنفسهم ، ففي عهده لم يكن الأردن مدينا لأي جهات خارجية أبدا .
مسيرة وصفي التل لا تختزل بتقرير أو مقالة هنا أو هناك ، ولكن لا يجوز أبدا اختزالها بفترة معينة ، بل هي مسيرة تمتد لأكثر من ربع قرن ، حيث البداية الشبابية المفعمة بحب فلسطين ، والقتال ضد الصهاينة المحتلين ، ووضع مفهوم واضح للمقاومة والعمل الفدائي ، الذي كان يؤمن به على أرض فلسطين فقط ، عدا عن دوره الكبير في الإهتمام بشؤون الأردنيين ، حيث كان وصفي من طينتهم ، وليس من طينة أخرى ، فلم يكن غريبا عنهم ، ولم يرغب العيش في بروج عالية بعيدا عن الناس وقضاياهم وهمومهم ، ويمكن القول ..إن مقعد وصفي التل مازال شاغرا .