jo24_banner
jo24_banner

طاهر المصري: لا أناكف ولست راغبا بالعودة للمنصب

طاهر المصري: لا أناكف ولست راغبا بالعودة للمنصب
جو 24 : أكد رئيس مجلس الأعيان الأسبق، طاهر المصري، ان السبب الرئيس في الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية هو الصراع على السلطة، حيث ضحّت الأنظمة العربية بالكثير من سيادتها مقابل بقائها في السلطة.

وأضاف المصري خلال كلمة ألقاها في منتدى الفحيص الثقافي بعنوان "مخاطر الوضع الإقليمي على الأردن وماذا عملنا لمواجهتها"، إن تلك التنازلات التي ضحت الأنظمة بها تسببت بغضب الشارع وممثليهم على ديكتاتورية الحكم وعدم مشاركتهم في القرار السياسي والتفريط بحقوقهم ومكتسباتهم الوطنية.

وقال المصري إن النظام السياسي العربي قبل احتلال فلسطين هو نفسه بعد الاحتلال، وقد ساهم إلى حدّ كبير في ضياع فلسطين، كما أنه "ركب حصان القضية الفلسطينية ليحقق بقاءه في السلطة".

وأشار المصري إلى أن الأردن يعاني مخاطر داخلية ناجمة عن الفقر والترهل الإداري، ما أدى لظهور "إرهاب الجوع".

وشدد المصري في ختام كلمته على أن حديثه ليس من باب المناكفة السياسية ولا هو دعوة ضد الحكومة ولا رغبة بالعودة للمنصب، بل هي دعوة مستمدة من الأوراق النقاشية الخمسة للملك عبدالله الثاني، ودعوة صادقة مجردة من أي هدف إلا الهدف الوطني.


وتاليا نصّ كلمة المصري كاملة:

بسم الله الرحمن الرحيم
السيداتُ والسادةُ الحضورُ الكرام ،
السلام عليكــم، وأسعد الله مساءكم جميعاً، أشكر لكم حضوركم الكريم ، وأشكرُ لهذا المنتدى الطيبْ ، رئيساً واعضــاءً ، دعوتهم المقدرةْ ، للتشرفِ بلقاءِ هذا الجمعِ الطيبْ ، في هذه المدينة الطيبةْ ، والتي تجسدُ الإصالة َ والمعاصرةْ ، في أبهى تجلياتها الوطنية وبعد ،
أبدأ بتوجيه التحية إلى جلالة الملك عبد الله الثاني وإلى قواتنا المسلحة بمناسبة يوم الجيش والأعياد الوطنية ، وأدعو الله أن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار .
تكثرُ اللقاءاتُ والمحاضراتُ هذا الآوانْ ، وجميُعها تذهبُ إلى الشأن السياسي المباشر ْ ، خاصةً ً في ظل ما تشهدهُ المنطقة ْ ، من تغييرات جذرية ، تُفضي إلى إرهاب ، وتحالفات سياسية وعسكريةْ ْ جديدة ، وعلى نحو عنوانه الفوضى . ولا ندري هل هي الفوضى الخلاقة ُ التي بشرونا بها قبل بضع سنواتْ ، أمْ هي فوضى من إنتاجنا نحن العربْ . ولا ندري كذلك ، إلى أين ستذهب بنا ، وبدولنا ، هذه الحروب الأهلية العربية والتي ستفضي إلى خلق أوضاع جديدة في الشرق العربي بما فيها الأردن .
ظننتُ أنْ أغيَر هذا النمط وأن أتحدث إليكم خارج النطاق السياسي المباشر ، وأن أذهبَ إلى ما هو أبعد ْ ، وما هو في تقديري ، الجذرُ والأساسْ لكل ما نواجهُه كعربْ ، وكمجتمع إنساني عانىْ من ويلاتٍ ، وحروب ونكباتْ ، وما تنتجهُ هذه ، من جهلٍ ، وفقرٍ ، وتخلفٍ ، وظلمٍ ، وهيمنة ٍ ، ونقمة ٍ ، وصـــراع ٍ ، وقتل ٍ ، وتشردٍ ، ودمارْ ، إلى آخر القائمة المظلمة ، من مظاهرِ السوء في حياة البشر .
وإختــــرت الحـــديث عن قيمة إنسانية عظيمة هي قيمة ( النزاهة ) . غير أن سرعة تطور الأحداث من حولنا ووصول الوضع السوري والعراقي واليمني إلى مراحل حرجة للغاية وتطور الموقف الأردني نحو الردع جعلني أتراجع عن ذلك للحديث عن الوضع السياسي العام . إذ تبقى الأولوية اليوم للحديث عن أوجه الخطر الذي وصل إلى حدودنا .
السيدات والسادة ،
تعيش المنطقة العربية على بركان ملتهب ، وكأنها كرة نارية تتدحرج فتحرق كل ما تمر به . ورغم ذلك يتمتع الأردن بإستقرار نسبي ، ولكن هناك نار تحت الرماد قد يتأجج لهيبها في أي وقت ، فالاوضاع العربية المتأزمة والحرب الاهلية في العراق وسوريا وليبيا واليمن عكست حالة من عدم الاستقرار بامتياز وتداخلت الأوراق بشكل كبير ، وأصبحت التنظيمات العسكرية الإسلامية المتطرفة تقف على حدودنا مع كل من سوريا والعراق وتتحكم بقرار فتح أو إغلاق الحدود مع البلدين وأصبحت مصائر شعوب المنطقة وحدود الدول في مهب الريح . ولا احد يعرف متى تعود الأمور إلى طبيعتها وتنعم المنطقة والأجيال بالسلم والأمن . وما كان ذلك ليحدث لو اننا آمنا بالدولة العميقة التي تعتمد سيادة القانون وتبنى على اسس ديمقراطية واضحة ، لا بل تؤسس لها بالشكل الصحيح . وهذا يعني ان تكون البنى الفوقية من الدساتير والقوانين تخدم هذا المسار . وان تتم مشاركة ممثلي القطاعات الشعبية والنقابات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدنـــي خير تمثيل فيها ، لتحقيق أكبر قدر من الاجماع الوطني . و هذا يعني بكل بساطة ان تكون هنالك مؤسسات ديمقراطية تحكم بعدالة واستقلالية متمثلة بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
لقد احدث غياب تداول السلطة ، وغياب الحكم الرشيد في المنطقة العربية هذا التأزم . فلم يتم اخذ الاصلاح السياسي والاقتصادي في البلدان العربية على محمل الجد، مما احدث فراغا سلبيا في الحياة السياسية في مختلف البلدان العربية. وقاد بلا شك الى فوضى نرى أثارها ماثلة أمامنا .
اضف الى ذلك التدخلات الاقليمية والدولية بالشأن العربي . وهذه التدخلات اصبحت علانية ، في ظل الوهن والضعف الذي اصاب النظام السياسي العربي المتهالك . فدخل على المشهد الاقليمي ايران وتركيا ، وعلى المشهد الدولي امريكا واسرائيل وروسيا وعدد من دول الغرب ، وكل يعتقد انه يحمي مصالحه وعمقه الاستراتيجي في المنطقة العربية.
لكن لا شك ان السبب الرئيسي في هذه الصراعات على المستوى العربي هو الصراع على السلطة . فقد ضحت الانظمــــة العربية بالكثير من سيادتها ، مقابل بقائها في السلطة ، الامر الذي احدث فجوتان رئيسيتان :
الفجوة الاولى : غضب الشارع العربي وممثليهم على ديكتاتورية الحكم ، وعدم مشاركتهم في القرار السياسي ، وهو أمر لا زال ممارساً . والتفريط بحقوقهم ومكتسباتهم الوطنية ومصادرهم الطبيعية . والشارع العربي خاصة الشباب لم يعد مقتنعاً ان الأنظمة العربيــة تريد عقد الاصلاحات التي يريد ، وان هذه الأنظمة تماطل كسباً للوقت . وأصبح الشعب العربي يدفع فاتورة هزائم النظام السياسي العربي ، وفساده وتبعيته ، والاهم ان هذا النظام العربي الحالي ادخل العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان في آتون حرب اهلية لتخدم بقائه على السلطة . والشعب على قناعة ان نفس عقلية النظام السياسي العربي القائم قبل ثورات الربيع العربي عادت لتتحكم بمفاصل الحكم . اضف الى ذلك ان النظام السياسي العربي قبل احتلال فلسطين هو نفسه بعد الاحتلال ، ساهم الى حد كبير في ضياع كامل فلسطين ، وانه ركب حصان القضية الفلسطينية ليحقق بقائه في السلطة.
في ظل هذا الفراغ السياسي الكبير بعدم مشاركة الاحزاب والقوى السياسية وممثلي الشعب ، ظهرت الحراكات الدينية التي تدعي انها البديل السياسي للنظام القائم . وساهمت ومن خلال ثورات الربيع العربي بتحريك قواعدها ، لتاخذ حصة في المشهد السياسي . لكن الملفت للنظر ، انه خرج من رحم الحراك الديني المعتدل ، حركات دينية راديكالية متطرفة . التف حولها الكثيرين ، وشكلت لاحقا علامة فارقة في المشهد السياسي.
الفجوة الثانية : ولكي يحافظ النظام السياسي العربي على بقائه وديمومته وبدلا من ان يعقد تحالفات شعبية ويعمــق مشاركــــــة الفعاليات الشعبيــــة والسياسية في بلدانهم ، قام بعقد تحالفات اقليمية ودولية ادت الى المزيد من تشويه صورته ، وزادت من نفور الشعب منه اكثر .
وفي ضوء ذلك تهاوى النظام العربي وبرز هنالك تحالف اقليمي دولي تقوده الولايات المتحدة وتركيا واسرائيل وعدد من الدول الغربية ، وفي ظني أن هذا التحالف يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وهو على وشك النجاح في ذلك . امام تحالف مماثل تقوده ايران وروسيا في الجهة المقابلة.
هذه التحالفات جاءت بناء على وضع عربي متأزم ، وليس اعتماداً على تحالفات ندية ، وبالتالي كان النظام السياسي العربي متقمصاً لدور الذي يتلقى التعليمات وينفذها بحذافيرها وبناءاً على مخطط مسبق . وبرأئي ان هذا المخطط ما هو الا سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين . وسنرى أن هذا المخطط سوف يرى النور بأسرع مما نتصور .
فها هو العراق اعتماداً على دستور بريمرسيئ الصيت فــــي طـــــور التقسيم الى ثلاث مناطق: سنية وشيعية وكردية وقد يخسر العراق بعضاً من أراضيه . وذلك الامر بالنسبة الى سوريا الذي يسير الى تقسيم طائفي سني علوي ، وعاد الحديث الى اليمن الجنوبي واليمن الشمالي ، والصراع في ليبيا لم يحسم بعد مساره ، وهو سائر الى تقسيمه الى اقاليم لحقن الدماء . اضف الى ذلك تداعيات العملية السياسية في لبنان وما سيؤول اليه الوضع الاقليمي.
هذه الدول والقوى سواء الإقليمية أو الدولية غير مكترثة أو غير معنية كثيراً لموت الالاف من العرب والتناحر بينهم ، مادام ذلك يحقق لهم مصالحهم الجيوسياسية . ولم ولن يذرفوا دمعة على من يموت في هذا الصراع ، خاصة انهم يقاتلون العرب برجال العرب وبسيوفهم . والادهى ان النظام السياسي العربي ايضا قبل ويقبل الموت لابنائه في ظل الصراع والحروب الاهلية التي تعصف بالبلدان التي اصابها التغير.
كذلك فأن خطط وإجراءات وسياسات إسرائيل تجاه الأراضي المحتلة أصبحت واضحة لا لبس فيها . والحقبة القادمة ، إن بقي الاحتلال قائماً ، ستكون في مجال ضم الضفة الغربية أو بعضاً من أجزائها إلى إسرائيل وإعلان يهودية الدولة وتقاسم الحرم القدسي بين الديانتين الإسلامية واليهودية . وذلك إستعداداً لبناء الهيكل المزعوم . وهذه المرحلة ستكون من أهم مراحل المشروع الصهيوني في فلسطين ، هذا الجانب من الأحداث يخص الأردن بالذات ويمس آمنه وإستقراره . وللأسف سيبقى الصمت العربي إن قامت الحكومة الإسرائيلية بذلك ، وسوف يتزامن ذلك مع ظهور حدود جديدة في منطقتنا .
السيدات والسادة ،
كان لا بد من أستعراض هذه التطورات ، كمقدمة لتبيان تأثر الاردن بمحيطه العربي . وان الخطر والتغيير اصبح على الابواب بل على الحدود . ولإظهار كم هي الأوراق السياسية والأمنية متداخلة ومعقدة بحيث ان القيادة السياسية العليا الاردنية تسير بحذر شديد في حقل من الالغام ، لتجنيب البلد الشر المحيط ان يدخل علينا.
السؤال الكبير الذي يدور في ذهن الأردنيين هو : في ضوء تلك الأحداث الكبيرة والتغييرات في الأنظمة وفي الحدود وفي التحالفات ، وفي ضوء إنهيار النظام العربي ، هل نحن جاهزون كدولة ومجتمع في مواجهة تلك الاحتمالات وهل نحن قابلون لخلق كيانات طائفية وخلق كيانات تخترق سايكس بيكو أمنياً ؟ نعم نحن جاهزون ونحن نقر ، بل نفخر بأن الأردن اجتاز كل النكبات والنزاعات التي حلت بالمنطقة وبه ، وبقي واقفاً على رجليه ووعي شعبنا بكافـــة فئاته . وإيمانه بأهمية المحافظة على الأمن والاستقرار . ونفخر ايضاً بجاهـــزية القوات المسلحة بكل فئاتها وأسلحتها وبقدرتها على حماية الوطن وبموجب الدستور الأردني ، فإن مهمة الجيش هو الدفاع عن الوطن . وواجبنا أن نقوى هذه القدرات وتوسيع مداها .
ولكن علينا أن نقر أيضاً أن العوامل الداخلية المجتمعية والمعيشية لها أثر كبير على الاستقرار ، وأن نقر أن هذا الزمن مختلف عما سبق فالعالم تغيير والأخطار التي نواجهها مــن كل الأماكن ليست كلها أمنية أو عسكرية من خارج الحدود ، بل هي أخطار داخلية أيضاً ناجمة عن فقر وترهل إداري . ونحن نعرف أن إرهاب الجوع أقوى وأخطر من إرهاب السياسة . كما نعرف أن هذه الصراعات والاقتتال وعدم الاستقرار في بلدان الربيع العربي وتداعيات ذلك على الوضع الأمني والسياسي على الأردن سيبقى يهدد أمننا لحقبة طويلة من الزمـــن . إذ لا يوجد بصيص أمل لعودة الهدوء على تلك الدول .
وكما أن القوات المسلحة عليها مسؤولية الدفاع عن الوطن وتقوم بواجبها خير قيام ، فأننا نريد أن تكون الدولة الاردنية بكافة فئاتها المجتمعيــة والهيئات والإدارات المدنية تقوم بعملها ومسؤوليتها خير القيام . إذ لم يعد ممكناً أن تدار أمور الدولة ونحن نمر بهذه الازمات بردود الفعل أو التعامل مع الأحداث بالقطعة . بل من خلال مراجعة شاملة لكل السياسات والتشريعات ووضع الخطط الإستراتيجية لكل قطاعات المجتمع مستخلصين العبر مما يحدث في دول المحيط الملتهب حولنا . على أن يقوم على تنفيذ ذلك إئتلاف وطني يسعى لتحصين الجبهة الداخلية . وهذا أمر سوف يكون ظهيراً للقوات المسلحة في حماية الأمن والسلم الوطني .
ويرى الاردنيون اهمية خلق المناخات المواتية لتحقيق ائتلافات وطنية وحزبية تؤهلهم للسير في إعادة اللحُمة في المجتمع الأردني وفي بناء ديموقراطية حقيقية وواقعية . وتعميق الدولة المدنية بجميع مكوناتها بعيــداً عن فكر التطرف والاقصاء والتهميش ، واسقاط مفهوم الإقصاء.
وبإذن الله ، سوف يقف مجلس الأمة مع قانون إنتخاب يحقق التمثيل الشعبي الصحيح لكي يكون مجلس النواب القادم هو رأس الحربة في المراجعة الشاملة التي ذكرتها . وسوف يقضي على أية محاولات لإبقاء الصوت الواحد .
سيادتي وسادتي ،
هذه ليست مناكفة سياسية ، ولا هي دعوة ضد حكومة ما أو شخص ما ، ولا هي رغبة بالعودة للمنصب . أنها دعوة مستمدة من الأوراق النقاشية الخمسة لجلالة الملك عبد الله الثاني ، وهي دعوة مستمدة أيضاَ من نجاحات القوات المسحلة الأردنية في الحفاظ على أمن الوطن ورص الصفـــوف . إذن هي دعوة صادقة ومجردة من أي أهداف إلا الهدف الوطني ، فالعدو أصبح من أمامنا وعلى حدودنا ، والبحر ( إسرائيل وخططها التوسعية ) من ورائنا . والأردن ليس خارج العاصفة ولا بوليصة تأمين لديه . تأمين الأردن هو الشعب وتماسك وصلابة الجبهة الداخلية وتأمينه هو الشعب والمؤسسات الدستورية.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير