اعتدى والدها على صديقتها ...من هنا بدأ مسلسل رعب مايا
جو 24 : مرَّت مايا في 24 عاماً بما قد لا يمرُّ به أي إنسان آخر طيلة حياته، فالأشخاص الذين تواجدوا في حياتها، كانوا مصدر تعاستها ومعاناتها مما دفعها إلى اتخاذ قرارات كادت تدمِّرها. وجهها البريء وصوتها الناعم والخفيض لا يجعلنا ندرك أنَّ الحياة خذلتها في مكانٍ ما، دافعةً بها للبحث عن أية وسيلة لإرضاء الآخر كي لا يتركها وحيدة شرط أن يحيطها بالدعم والحب والاهتمام.
"متوحش" يحبُّ التسلط
ولدت مايا التي تُعالجُ في مركز Cedar rehab من أبوين صغيري السنّ، تخبر "النهار" "أمي كانت في السادسة عشرة ووالدي في العشرين، أحبا بعضهما وحاربا الجميع من أجل هذا الحب، ومن ثمَّ ولدت أنا قبل زواجهما، ما دفعهما إلى الارتباط سريعاً والسفر إلى خارج لبنان، في حين بقيت مع جدي وجدتي. في عمر الثماني سنوات، شعرت جدتي بضرورة سفري للعيش مع والديَّ وإخوتي الذين لم أكن أعرفهم. هناك، وجدت أنَّ والدي مدمن على الكحول ويسيء معاملة والدتي، وبات يسيء معاملتي كذلك على الصعيدين الجسدي والنفسي. كان متوحشاً يحبُّ التسلط، شعرت بأني غربية بينهم إلى حدٍ شعرت فيه بأني متبناة، وبدأت الغيرة تكبر في داخلي تجاه إخوتي حيث شعرت بتمييز كبير بينهم وبيني. والدي عنيف جداً، كان يضربني، وفي إحدى المرات كسر لي أنفي، ولم يكن باستطاعة أمي القيام بأي شي لأنها كانت تتعرض للعنف نفسه. كان ممنوعاً عليَّ التكلم في الموضوع مع أحد، كي لا يلومه الجيران، وكان يجبرني على الذهاب إلى المدرسة والكدمات تملأ وجهي، حتى بات رفاقي يخافون منه. فما إن كان يأتي لأخذي من المدرسة حتى يختبىء رفاقي خوفاً منه. حتى أنَّ الأساتذة كنَّ يسألنني عن السبب فأخبرهم، فكنَّ يتواصلنَ مع والدتي التي لم يكن بيدها حيلة. وهي حاولت الانتحار مرات عدَّة، من خلال سكين، أو محاولة رمي نفسها من المبنى، كما طلبت الطلاق، فقرر منعها من رؤيتنا، إلى أن عادت وخضعت له. أعتقد أنه مريض نفسي! فقد اعتدى على صديقتي المقربة، فخسرت صداقتها ولم يتبقَ بجانبي أحد. بعد كل ما حصل، تعرفت إلى شاب وأخبرت والدي عنه فرفع السلاح في وجهي محاولاً إطلاق النار عليَّ لردعي".
"ما تغلطي غلطتي"
في سنِّ الثالثة عشرة، تعرفت مايا إلى شاب كان يبلغ 17 عاماً وجدت فيه الحب والحنان، وكان يسدّ النقص العاطفي الذي كانت تعانيه منذ صغرها، بحسب ما تخبره لـ"النهار". "في سن السادسة عشرة، دخلتُ الجامعة وحاولت الابتعاد عن أهلي، قررت الارتباط بهذا الشاب الذي كان أجنبياً من أصل عربي. عارض والدي هذه العلاقة، رغبةً منه في السيطرة على قراري. في حين أنَّ والدتي كانت تشعر بأنَّ الشاب يملك طباع والدي فكانت تقول لي "ما تغلطي غلطتي". وكنت أجيبها "كلاَّ إنه لا يشبهه، ولو كان كذلك أنا أستطيع تغييره". تزوَّجنا بسرعة، وبعد ذلك بدأتُ أرى شخصيته بشكل أوضح. كان أسوأ من والدي، يكذب كثيراً، ومدمناً على الكحول ويتعاطى المخدرات، كما أنه كان يخونني ويجلب الفتيات إلى المنزل. وعندما كنت أراه يتعاطى المخدرات وأصدقاءه في المنزل كنت أصرخ في وجهه، وأدخل إلى غرفتي وأقفل الباب عليَّ. كان يعتذر لاحقاً قائلاً "آسف" التي كانت يومها تكفيني لمسامحته. وكنت أقول في نفسي "فليفعل ما يريد، فهو حتماً سيعود". لم أخبر أهلي بما كنت أمرُّ به، كي لا يلقوا اللوم عليَّ وعلى اختياري. أجهضت 3 مرات في المنزل جراء عنفه إذ لم يكن في وعيه بل كان دوماً تحت تأثير المخدر. في أحد الأيام، كان يريد الذهاب للشجار مع والدي فأقفلت باب المنزل كي لا يتمكن من الخروج وأخذت مفتاح سيارته، في وقتٍ كانت صديقاتي في انتظاري في أسفل المبنى بغية أخذي إلى مقابلة عمل. شعرنَ بأني تأخرت فصعدنَ، وسمعنَ أنه كان يضربني، لم أصرخ ولم أُعبِّر عن شعوري بالألم، استفزه الأمر، فأمسَكَ حزامه وتابع ضربي، في تلك اللحظة لم أتمكَّن حقاً من تحمل الألم. سمعني أصدقائي فاتصلوا بالشرطة، الذين قدموا وخلعوا الباب، صُدِم مما جرى، فدفعني بقوَّة ليرتطم رأسي بزاوية الحائط، فكُسرت عظمة رقبتي ودخلت في غيبوبة مدَّة 7 أشهر. اتصل أصدقائي بوالدتي لإخبارها فحضرت فوراً وبَقيَتْ إلى جانبي. عندما استيقظت لم أستطع التكلم حوالى شهر. ومن ثمَّ خاف أهلي من أن أبقى في الخارج معهم لئلا يلاحقني أو يؤذيني أكثر، توقَّفت عن الذهاب إلى الجامعة أو الخروج بمفردي. عندها لجأت إلى الكحول فبدأت أسهر وأخرج بغية التنفيس عما يخالجني، ولكنِّي دخلتُ في حال اكتئاب، فرحتُ أجلس في العتمة، لم أرغب في رؤية أحد، أو التكلم مع أحد. خلال هذه الفترة، توقفت عن احتساء الكحول، وراح شريط حياتي يمرُّ أمام عيني، إلى أن وصلنا للمحاكم ولكنِّي لم أتمكن من تقديم شكوى ضدَّه، كي لا أؤذيه، فقررت خلعه. وتالياً، سحبت أوراقي من الجامعة وقررت العودة إلى لبنان".
من جحيم إلى آخر
"بعد عودتي، لم أتحمل سلطة جدي، إذ كنت قد عشت فترة لوحدي، فقررت مغادرة منزله. وتسجَّلت في الجامعة حيث راح والدي يدفع قسطي الجامعي، فهو كان يعتقد أنَّ كل شيء يمكن حلُّه بالمال، لا يعطي الحب بل المال، وهذا الأمر لم يكن يهمني. في تلك الفترة، تعرفت إلى شاب وأخبرته عن وضعي، فقال أنه سيريحني من الضغط فعرض عليَّ تناول مادة مخدرة، من شدة يأسي تناولتها. بمرور الوقت، بات صديقاً مقرباً، كنا نمضي كل أيام الأسبوع معاً، صار يأخذ المال مني ليشتري المخدرات. كنت آخذ جرعة مرة كل أسبوعين، ومن ثمَّ مرتين، ولاحقاً في نهاية كل أسبوع. في أحد الأيام شعرت فجأة بألم في جسمي ووجع في رأسي، ذهبت إلى المنزل حيث ارتفعت حدة الألم، فاتصلت بصديقي وطلبت منه أخذي إلى المستشفى، سألني إن كنت نظيفة، فأجبته لا. فقال بأنه لا يمكنه أخذي لأنهم سيجرون فحوصات في المستشفى ستشير إلى أني أتعاطى المخدرات. في ذاك اليوم، كانت الجرعة موجودة في حقيبتي، إلا أني لم أكن أعرف بأنَّه عليَّ تناولها كي يزول الألم".
تتابع مايا: "عندما عرف بأنَّ جسمي بات نظيفاً بعد هذه الأيام الثلاث، طلب مني أخذ جرعة هيرويين، كي أبقى أعطيه المال وأجلب له المادة، في تلك الفترة لم أكن أدرك ذلك، بل بتُّ أعرفه اليوم. بقينا مع بعضنا 3 سنوات، حيث كنت أجده إنساناً جيداً وغير عنيف، ولكن تبين أنه استغلالي. بعد ذلك تزوجنا، في تلك الفترة، كان مدمناً جداً، وبات يأخذ مني كل يوم مبلغاً من المال، وعندما لم أكن أُعطيه المال، كان يرهن هويتي أو حاسوبي ليحصل على المال. شعر أهلي بأنّي أطلب كمية كبرى من المال، ولكنهما لم يعترضا على ذلك، كي لا ألجأ إلى طلب المساعدة من أحد. بتُّ أعيش في ظروف ضاغطة إلى أن طفح الكيل، فأخبرت جدي والعائلة بما حصل وبرغبتي في العلاج عبر الذهاب إلى مركز تأهيل للمدمنين، رفض والدي ذلك لئلا تتضرَّر سُمعة العائلة، فقرر أن أدخل فقط إلى المستشفى وأن آخذ المال من بعدها وأغادر لبنان. لم أرغب في السفر، بل أردت أن أنتهي من هذه المعاناة. وقف أقاربي إلى جانبي ودعموا قراري، بعد دخولي إلى المستشفى، اتصلت بالسيد أحمد خطاب مؤسس مركز cedar rehab لتأهيل المدمنين على المخدرات فأخبرته ما حصل معي وطلبت منه المساعدة بعد 3 سنوات من الإدمان".
"أملكُ إرادة التغيير"
دخلت مايا إلى مركز cedar rehab منذ شهر ونصف الشهر للتعافي من الإدمان والعمل على تحسين وتطوير شخصيتها. "بعد دخولي قررت الانفصال عن زوجي، فالمخدرات لم تكن جزءاً من شخصيتي، ولم أكن نفسي، بدأت أخسر أصدقائي ونفسي. أنا مرتاحة في المركز، فهم يساعدونني في العلاج من الإدمان وفي تأهيل نفسيتي التي كانت مُحطَّمة وجعلتني أترك منزل والدي، لأختار رجلاً سيئاً أوَّل ومن ثمَّ ثانٍ. أنا جعلتهم يستغلونني. هنا تعلمت مواجهة مخاوفي وقول كلمة "لا"، فأنا لديَّ إرادة في التغيير. لطالما رغبت في مساعدة المدمنين قبل أن أصبح مدمنة، والآن أرغب في ذلك أكثر. لا أتقبل فكرة أنني كنت مدمنة، فهذا لا يشبه شخصيتي. إلى ذلك، أحبُّ الكتابة والرسم، وأكتب مذكراتي، التي قد تصبح يوماً ما كتاباً يروي تجربتي".
معاناة شخصية منذ الطفولة
يخبر مؤسس مركز Cedar rehab أحمد خطاب "النهار" أنَّ "فكرة المركز بدأت جراء معاناة شخصية منذ الطفولة، حيث اختبرتُ الإدمان، ولسنوات طويلة حاولت تخطِّيه، ودخلت مراكز عدَّة في لبنان وخارجه، حيث خضعت لعلاجات طبية ونفسية، ومن هنا أدركت أنَّ تخطي المسألة ليس بالأمر الصعب لمن يملك الإرادة ويأخذ القرار بالتوقف عن الإدمان. ومن يعاني منه يفقد المبادىء الأساسية في الحياة، وتبرز لديه نقاط ضعف، وتصرفات يتبناها ويرتكبها كالكذب والاستغلال، والانجرار وراء مشاعر يظنها إيجابية فيها لذَّة وهمية. من هنا، قررنا إنشاء المركز، وبعد سنة و8 أشهر على التأسيس نستقبل حالات يساعدهم فريق عمل مؤلف من أطباء نفسيين، وممرضين يبقون مع المرضى طوال الوقت في المركز، ومعالج بالفنون والدراما، ومدرِّب يوغا، ومدرب رياضة. خلال العلاج، يشعرون بصعوبة في تخطي المشكلة، ودوري يكمن في مساندتهم للقيام بكل هذا الجهد. ونجري تقويماً لدراسة كيفية جهوز الفرد لمواجهة المجتمع وإعادة الاندماج فيه. ولكن تبرز أحياناً مشكلة إضافية بعد الخضوع للعلاج والخروج من المركز عبر العودة إلى المحيط والمجتمع نفسه حيث يواجه المشاكل نفسها وأبرزها الفراغ "الشعور بعدم وجود هدف في حياته".
يقدِّم مركز Cedar rehab تأهيلاً نفسياً واجتماعياً للمدمنين، وهذا المركز الذي كان يقتصر على علاج الشبان، بات يُخصص الآن قسماً إضافياً للشابات. وهو مؤهل بطريقة تريح القاطن فيه، وعلى الرغم من وجود عوامل عدَّة تُساعد المدمن في المركز، إلاَّ أنَّ الأساس يبقى في إرادته الفعلية للعلاج وإعادة التأهيل لاستكمال حياته بشكل أفضل. النهار - سلوى أبو شقرا
"متوحش" يحبُّ التسلط
ولدت مايا التي تُعالجُ في مركز Cedar rehab من أبوين صغيري السنّ، تخبر "النهار" "أمي كانت في السادسة عشرة ووالدي في العشرين، أحبا بعضهما وحاربا الجميع من أجل هذا الحب، ومن ثمَّ ولدت أنا قبل زواجهما، ما دفعهما إلى الارتباط سريعاً والسفر إلى خارج لبنان، في حين بقيت مع جدي وجدتي. في عمر الثماني سنوات، شعرت جدتي بضرورة سفري للعيش مع والديَّ وإخوتي الذين لم أكن أعرفهم. هناك، وجدت أنَّ والدي مدمن على الكحول ويسيء معاملة والدتي، وبات يسيء معاملتي كذلك على الصعيدين الجسدي والنفسي. كان متوحشاً يحبُّ التسلط، شعرت بأني غربية بينهم إلى حدٍ شعرت فيه بأني متبناة، وبدأت الغيرة تكبر في داخلي تجاه إخوتي حيث شعرت بتمييز كبير بينهم وبيني. والدي عنيف جداً، كان يضربني، وفي إحدى المرات كسر لي أنفي، ولم يكن باستطاعة أمي القيام بأي شي لأنها كانت تتعرض للعنف نفسه. كان ممنوعاً عليَّ التكلم في الموضوع مع أحد، كي لا يلومه الجيران، وكان يجبرني على الذهاب إلى المدرسة والكدمات تملأ وجهي، حتى بات رفاقي يخافون منه. فما إن كان يأتي لأخذي من المدرسة حتى يختبىء رفاقي خوفاً منه. حتى أنَّ الأساتذة كنَّ يسألنني عن السبب فأخبرهم، فكنَّ يتواصلنَ مع والدتي التي لم يكن بيدها حيلة. وهي حاولت الانتحار مرات عدَّة، من خلال سكين، أو محاولة رمي نفسها من المبنى، كما طلبت الطلاق، فقرر منعها من رؤيتنا، إلى أن عادت وخضعت له. أعتقد أنه مريض نفسي! فقد اعتدى على صديقتي المقربة، فخسرت صداقتها ولم يتبقَ بجانبي أحد. بعد كل ما حصل، تعرفت إلى شاب وأخبرت والدي عنه فرفع السلاح في وجهي محاولاً إطلاق النار عليَّ لردعي".
"ما تغلطي غلطتي"
في سنِّ الثالثة عشرة، تعرفت مايا إلى شاب كان يبلغ 17 عاماً وجدت فيه الحب والحنان، وكان يسدّ النقص العاطفي الذي كانت تعانيه منذ صغرها، بحسب ما تخبره لـ"النهار". "في سن السادسة عشرة، دخلتُ الجامعة وحاولت الابتعاد عن أهلي، قررت الارتباط بهذا الشاب الذي كان أجنبياً من أصل عربي. عارض والدي هذه العلاقة، رغبةً منه في السيطرة على قراري. في حين أنَّ والدتي كانت تشعر بأنَّ الشاب يملك طباع والدي فكانت تقول لي "ما تغلطي غلطتي". وكنت أجيبها "كلاَّ إنه لا يشبهه، ولو كان كذلك أنا أستطيع تغييره". تزوَّجنا بسرعة، وبعد ذلك بدأتُ أرى شخصيته بشكل أوضح. كان أسوأ من والدي، يكذب كثيراً، ومدمناً على الكحول ويتعاطى المخدرات، كما أنه كان يخونني ويجلب الفتيات إلى المنزل. وعندما كنت أراه يتعاطى المخدرات وأصدقاءه في المنزل كنت أصرخ في وجهه، وأدخل إلى غرفتي وأقفل الباب عليَّ. كان يعتذر لاحقاً قائلاً "آسف" التي كانت يومها تكفيني لمسامحته. وكنت أقول في نفسي "فليفعل ما يريد، فهو حتماً سيعود". لم أخبر أهلي بما كنت أمرُّ به، كي لا يلقوا اللوم عليَّ وعلى اختياري. أجهضت 3 مرات في المنزل جراء عنفه إذ لم يكن في وعيه بل كان دوماً تحت تأثير المخدر. في أحد الأيام، كان يريد الذهاب للشجار مع والدي فأقفلت باب المنزل كي لا يتمكن من الخروج وأخذت مفتاح سيارته، في وقتٍ كانت صديقاتي في انتظاري في أسفل المبنى بغية أخذي إلى مقابلة عمل. شعرنَ بأني تأخرت فصعدنَ، وسمعنَ أنه كان يضربني، لم أصرخ ولم أُعبِّر عن شعوري بالألم، استفزه الأمر، فأمسَكَ حزامه وتابع ضربي، في تلك اللحظة لم أتمكَّن حقاً من تحمل الألم. سمعني أصدقائي فاتصلوا بالشرطة، الذين قدموا وخلعوا الباب، صُدِم مما جرى، فدفعني بقوَّة ليرتطم رأسي بزاوية الحائط، فكُسرت عظمة رقبتي ودخلت في غيبوبة مدَّة 7 أشهر. اتصل أصدقائي بوالدتي لإخبارها فحضرت فوراً وبَقيَتْ إلى جانبي. عندما استيقظت لم أستطع التكلم حوالى شهر. ومن ثمَّ خاف أهلي من أن أبقى في الخارج معهم لئلا يلاحقني أو يؤذيني أكثر، توقَّفت عن الذهاب إلى الجامعة أو الخروج بمفردي. عندها لجأت إلى الكحول فبدأت أسهر وأخرج بغية التنفيس عما يخالجني، ولكنِّي دخلتُ في حال اكتئاب، فرحتُ أجلس في العتمة، لم أرغب في رؤية أحد، أو التكلم مع أحد. خلال هذه الفترة، توقفت عن احتساء الكحول، وراح شريط حياتي يمرُّ أمام عيني، إلى أن وصلنا للمحاكم ولكنِّي لم أتمكن من تقديم شكوى ضدَّه، كي لا أؤذيه، فقررت خلعه. وتالياً، سحبت أوراقي من الجامعة وقررت العودة إلى لبنان".
من جحيم إلى آخر
"بعد عودتي، لم أتحمل سلطة جدي، إذ كنت قد عشت فترة لوحدي، فقررت مغادرة منزله. وتسجَّلت في الجامعة حيث راح والدي يدفع قسطي الجامعي، فهو كان يعتقد أنَّ كل شيء يمكن حلُّه بالمال، لا يعطي الحب بل المال، وهذا الأمر لم يكن يهمني. في تلك الفترة، تعرفت إلى شاب وأخبرته عن وضعي، فقال أنه سيريحني من الضغط فعرض عليَّ تناول مادة مخدرة، من شدة يأسي تناولتها. بمرور الوقت، بات صديقاً مقرباً، كنا نمضي كل أيام الأسبوع معاً، صار يأخذ المال مني ليشتري المخدرات. كنت آخذ جرعة مرة كل أسبوعين، ومن ثمَّ مرتين، ولاحقاً في نهاية كل أسبوع. في أحد الأيام شعرت فجأة بألم في جسمي ووجع في رأسي، ذهبت إلى المنزل حيث ارتفعت حدة الألم، فاتصلت بصديقي وطلبت منه أخذي إلى المستشفى، سألني إن كنت نظيفة، فأجبته لا. فقال بأنه لا يمكنه أخذي لأنهم سيجرون فحوصات في المستشفى ستشير إلى أني أتعاطى المخدرات. في ذاك اليوم، كانت الجرعة موجودة في حقيبتي، إلا أني لم أكن أعرف بأنَّه عليَّ تناولها كي يزول الألم".
تتابع مايا: "عندما عرف بأنَّ جسمي بات نظيفاً بعد هذه الأيام الثلاث، طلب مني أخذ جرعة هيرويين، كي أبقى أعطيه المال وأجلب له المادة، في تلك الفترة لم أكن أدرك ذلك، بل بتُّ أعرفه اليوم. بقينا مع بعضنا 3 سنوات، حيث كنت أجده إنساناً جيداً وغير عنيف، ولكن تبين أنه استغلالي. بعد ذلك تزوجنا، في تلك الفترة، كان مدمناً جداً، وبات يأخذ مني كل يوم مبلغاً من المال، وعندما لم أكن أُعطيه المال، كان يرهن هويتي أو حاسوبي ليحصل على المال. شعر أهلي بأنّي أطلب كمية كبرى من المال، ولكنهما لم يعترضا على ذلك، كي لا ألجأ إلى طلب المساعدة من أحد. بتُّ أعيش في ظروف ضاغطة إلى أن طفح الكيل، فأخبرت جدي والعائلة بما حصل وبرغبتي في العلاج عبر الذهاب إلى مركز تأهيل للمدمنين، رفض والدي ذلك لئلا تتضرَّر سُمعة العائلة، فقرر أن أدخل فقط إلى المستشفى وأن آخذ المال من بعدها وأغادر لبنان. لم أرغب في السفر، بل أردت أن أنتهي من هذه المعاناة. وقف أقاربي إلى جانبي ودعموا قراري، بعد دخولي إلى المستشفى، اتصلت بالسيد أحمد خطاب مؤسس مركز cedar rehab لتأهيل المدمنين على المخدرات فأخبرته ما حصل معي وطلبت منه المساعدة بعد 3 سنوات من الإدمان".
"أملكُ إرادة التغيير"
دخلت مايا إلى مركز cedar rehab منذ شهر ونصف الشهر للتعافي من الإدمان والعمل على تحسين وتطوير شخصيتها. "بعد دخولي قررت الانفصال عن زوجي، فالمخدرات لم تكن جزءاً من شخصيتي، ولم أكن نفسي، بدأت أخسر أصدقائي ونفسي. أنا مرتاحة في المركز، فهم يساعدونني في العلاج من الإدمان وفي تأهيل نفسيتي التي كانت مُحطَّمة وجعلتني أترك منزل والدي، لأختار رجلاً سيئاً أوَّل ومن ثمَّ ثانٍ. أنا جعلتهم يستغلونني. هنا تعلمت مواجهة مخاوفي وقول كلمة "لا"، فأنا لديَّ إرادة في التغيير. لطالما رغبت في مساعدة المدمنين قبل أن أصبح مدمنة، والآن أرغب في ذلك أكثر. لا أتقبل فكرة أنني كنت مدمنة، فهذا لا يشبه شخصيتي. إلى ذلك، أحبُّ الكتابة والرسم، وأكتب مذكراتي، التي قد تصبح يوماً ما كتاباً يروي تجربتي".
معاناة شخصية منذ الطفولة
يخبر مؤسس مركز Cedar rehab أحمد خطاب "النهار" أنَّ "فكرة المركز بدأت جراء معاناة شخصية منذ الطفولة، حيث اختبرتُ الإدمان، ولسنوات طويلة حاولت تخطِّيه، ودخلت مراكز عدَّة في لبنان وخارجه، حيث خضعت لعلاجات طبية ونفسية، ومن هنا أدركت أنَّ تخطي المسألة ليس بالأمر الصعب لمن يملك الإرادة ويأخذ القرار بالتوقف عن الإدمان. ومن يعاني منه يفقد المبادىء الأساسية في الحياة، وتبرز لديه نقاط ضعف، وتصرفات يتبناها ويرتكبها كالكذب والاستغلال، والانجرار وراء مشاعر يظنها إيجابية فيها لذَّة وهمية. من هنا، قررنا إنشاء المركز، وبعد سنة و8 أشهر على التأسيس نستقبل حالات يساعدهم فريق عمل مؤلف من أطباء نفسيين، وممرضين يبقون مع المرضى طوال الوقت في المركز، ومعالج بالفنون والدراما، ومدرِّب يوغا، ومدرب رياضة. خلال العلاج، يشعرون بصعوبة في تخطي المشكلة، ودوري يكمن في مساندتهم للقيام بكل هذا الجهد. ونجري تقويماً لدراسة كيفية جهوز الفرد لمواجهة المجتمع وإعادة الاندماج فيه. ولكن تبرز أحياناً مشكلة إضافية بعد الخضوع للعلاج والخروج من المركز عبر العودة إلى المحيط والمجتمع نفسه حيث يواجه المشاكل نفسها وأبرزها الفراغ "الشعور بعدم وجود هدف في حياته".
يقدِّم مركز Cedar rehab تأهيلاً نفسياً واجتماعياً للمدمنين، وهذا المركز الذي كان يقتصر على علاج الشبان، بات يُخصص الآن قسماً إضافياً للشابات. وهو مؤهل بطريقة تريح القاطن فيه، وعلى الرغم من وجود عوامل عدَّة تُساعد المدمن في المركز، إلاَّ أنَّ الأساس يبقى في إرادته الفعلية للعلاج وإعادة التأهيل لاستكمال حياته بشكل أفضل. النهار - سلوى أبو شقرا