خطاب الظلام الحقائدي
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : مظاهر التخلف في أي مجتمع يمكن الاستدلال عليها من خلال مستوى الحوار لدى أفراد هذا المجتمع، فالحوار جانب سلوكي أيضا، ينضوي تحت شعار الثقافة، وأشير هنا الى تعريف الثقافة باعتبارها هوية تبرز من خلال سلوك الشخص تجاه موقف ما، وليست هي شهادات ومعلومات، إنما مستوى وعي نقدره اعتمادا على السلوك وحضاريته..
لدينا فئة من المتخلفين ينسبهم متخلفون «أكثر منهم» إلى نخبة المثقفين..و»عنا منهم كثير».
لا أتحدث عن شخص حقود متخلف بعينه، بل أتحدث عن خطاب غارق بالحقد والضغينة والشخصنة، ولا محددات لمساحاته سوى ما تجود به أطراف هذا الخطاب..فمثلا: يموت يوم يموت أشخاص، بل يتم قتلهم، لأسباب مضحكة وتافهة، وقد كتبنا مثلا عن ناس ماتوا جراء خلافات بين أطفال، وأشخاص ماتوا على إشارة ضوئية، وآخرين تلاشوا بسبب كلمة أطلقها متخلف في أذن متخلف «اكثر منه».. القصص في بلدي كثيرة، وهي تنم عن تخلف وانعدام وعي لدى طرف أو أكثر من أبطال المواقف والجرائم..
أكثر مظاهر التخلف تظهر حين يقوم بعضهم بالهجوم على صروح التعليم والتنوير، فالتخلف له عدو تقليدي اسمه التحضر، والجامعات هي رمز الحضارة في أي مجتمع، وهي المؤسسات المسؤولة فعليا عن بث الوعي والتنوير، وما أحوجنا في هذه البلاد لمثل هذه المؤسسات، ولعل العلاقة بين النور والظلام والخير والشر والتحضر والتخلف والعلم والجهل، معروفة وقديمة ولا جديد مثير فيها، لكن يبدو أن لها مواسم في بلدنا :
عند كل تجديد أو تمديد لرئيس جامعة، وغالبا بين كل 4 سنوات وأخرى من عمر أي جامعة، نكون على موعد مع حديث عن الجامعات، والغريب أن غالبية الذين يثيرونه لا علاقة تربطهم فعلا بالتعليم، علاوة على تخلفهم وتدني مستوى طرحهم، وغوغائية نظرتهم وتعاطيهم مع القضايا والأحداث المختلفة التي تقع في صلب اختصاص الجامعات ومجالس أمنائها وعمدائها ورؤسائها ومجالسها المعروفة، وقبل أشهر انطلقت هذه الأحاديث «مجنونة»، حين قام مجلس التعليم العالي بتجديد ورفض تجديد لرؤساء بعض الجامعات، فكانت مناسبة بلا موعد لانطلاق حديث قد يكون بناء حين يتناوله مختصون وأكاديميون واستراتيجيون وسياسيون محترمون، وقد يكون الحديث متخلفا حين يقوده من عرف عنهم «الشطط» والغرق في حسابات الشخصنة والاقليمية البغيضة، أو «يخبص ويلغوص» فيه متنمرون على الناس والمؤسسات، اعتقادا منهم بأن الوطن «اصطبل» لا يقيم فيه بشر، وتتجلى السخافة حين يتحدث مثل هؤلاء عن العلم والتنوير والوطن ..الخ.
هل يتحدث هؤلاء بطريقة علمية حين يحاولون تقييم أداء مؤسسات تعليمية؟! هل يعتمدون على الرقم وعلى القانون حين يقدمون تحفظات ما حول أداء جامعة؟ هل لديهم وثائق حين يلقون التهم على هذه المؤسسات أم هل كلفوا أنفسهم بالوقوف على تفاصيل وإجراءات إنجاز ما قامت به هذه الجامعات؟.. وألف سؤال لا يمكن لهؤلاء أن يجيبوا بنعم على سؤال واحد منها، ونحن نتحدث هنا عن بعض الناس المهتمين والمختصين مع كل أسف.
والحديث يكون «مقرفا» أكثر حين يتطوع آخرون لا علاقة تربطهم بالاختصاص لا من قريب ولا بعيد، ويتحدثوا بخطاب «حقائدي» ضد الجامعات، وحين تسأله كيف تتحدث بمثل هذه الطريقة المتخلفة عن صروح حضارية معنية بالتعليم العالي، يجيبك بأنه إعلامي قال! ويتحدث عن الجامعات كما يتحدث عن البندورة والانتخابات والمخدرات، حديث غارق بالانشاء اللغوي الرخيص، المبني على إثارة مبتذلة تجثم على عقل المتحدث، فيبدو كمشلول يعلم الناس أصول الوثب العالي، وتتجلى المأساة حين نعلم أن بعضهم يحمل شهادات عليا مزورة، فوق الزيف والخداع والغباء والانحراف المعروف به وعنه..
يكون الحديث مقنعا حين يقوده مختصون بارعون، يحترمون عقل المتلقي سواء أكان نخبويا أم شخصا عاديا، وهذا ما يلزمنا حين نتحدث عن التعليم العالي وعن الجامعات، ولا يعني هذا بأن لا مشاكل تواجه أو تحدث في هذه الجامعات، لكن الخطاب الذي يكون هدفه تحسين منظومة التعليم العالي وتحسين مخرجاته، يجب أن يكون حديثا منطقيا علميا يعتمد على الرقم والوثيقة والدراسة والتحليل المختص وأهم من هذا؛ أن يخلو من الشخصنة والأحقاد والضغائن..
هذه قضايا كبيرة لا ينفع معها التهويل والإثارة والتضليل، فهي تتناول مؤسسات معنية بمستقبل دولة ووطن، وهدفها صناعة عقل، فهل نقبل بنصف فكرة وربع معلومة وبحر من تخلف ومرض وجهل ومنحرف ليقود مثل هذا الخطاب الاستراتيجي ؟!
يبدو أن كثيرين يقبلون مع كل الأسف ومقدار كبير من «قرف».. وهنا لا نقول هرمنا إنما «قرفنا» !.
ibqaisi@gmail.com
الدستور
لدينا فئة من المتخلفين ينسبهم متخلفون «أكثر منهم» إلى نخبة المثقفين..و»عنا منهم كثير».
لا أتحدث عن شخص حقود متخلف بعينه، بل أتحدث عن خطاب غارق بالحقد والضغينة والشخصنة، ولا محددات لمساحاته سوى ما تجود به أطراف هذا الخطاب..فمثلا: يموت يوم يموت أشخاص، بل يتم قتلهم، لأسباب مضحكة وتافهة، وقد كتبنا مثلا عن ناس ماتوا جراء خلافات بين أطفال، وأشخاص ماتوا على إشارة ضوئية، وآخرين تلاشوا بسبب كلمة أطلقها متخلف في أذن متخلف «اكثر منه».. القصص في بلدي كثيرة، وهي تنم عن تخلف وانعدام وعي لدى طرف أو أكثر من أبطال المواقف والجرائم..
أكثر مظاهر التخلف تظهر حين يقوم بعضهم بالهجوم على صروح التعليم والتنوير، فالتخلف له عدو تقليدي اسمه التحضر، والجامعات هي رمز الحضارة في أي مجتمع، وهي المؤسسات المسؤولة فعليا عن بث الوعي والتنوير، وما أحوجنا في هذه البلاد لمثل هذه المؤسسات، ولعل العلاقة بين النور والظلام والخير والشر والتحضر والتخلف والعلم والجهل، معروفة وقديمة ولا جديد مثير فيها، لكن يبدو أن لها مواسم في بلدنا :
عند كل تجديد أو تمديد لرئيس جامعة، وغالبا بين كل 4 سنوات وأخرى من عمر أي جامعة، نكون على موعد مع حديث عن الجامعات، والغريب أن غالبية الذين يثيرونه لا علاقة تربطهم فعلا بالتعليم، علاوة على تخلفهم وتدني مستوى طرحهم، وغوغائية نظرتهم وتعاطيهم مع القضايا والأحداث المختلفة التي تقع في صلب اختصاص الجامعات ومجالس أمنائها وعمدائها ورؤسائها ومجالسها المعروفة، وقبل أشهر انطلقت هذه الأحاديث «مجنونة»، حين قام مجلس التعليم العالي بتجديد ورفض تجديد لرؤساء بعض الجامعات، فكانت مناسبة بلا موعد لانطلاق حديث قد يكون بناء حين يتناوله مختصون وأكاديميون واستراتيجيون وسياسيون محترمون، وقد يكون الحديث متخلفا حين يقوده من عرف عنهم «الشطط» والغرق في حسابات الشخصنة والاقليمية البغيضة، أو «يخبص ويلغوص» فيه متنمرون على الناس والمؤسسات، اعتقادا منهم بأن الوطن «اصطبل» لا يقيم فيه بشر، وتتجلى السخافة حين يتحدث مثل هؤلاء عن العلم والتنوير والوطن ..الخ.
هل يتحدث هؤلاء بطريقة علمية حين يحاولون تقييم أداء مؤسسات تعليمية؟! هل يعتمدون على الرقم وعلى القانون حين يقدمون تحفظات ما حول أداء جامعة؟ هل لديهم وثائق حين يلقون التهم على هذه المؤسسات أم هل كلفوا أنفسهم بالوقوف على تفاصيل وإجراءات إنجاز ما قامت به هذه الجامعات؟.. وألف سؤال لا يمكن لهؤلاء أن يجيبوا بنعم على سؤال واحد منها، ونحن نتحدث هنا عن بعض الناس المهتمين والمختصين مع كل أسف.
والحديث يكون «مقرفا» أكثر حين يتطوع آخرون لا علاقة تربطهم بالاختصاص لا من قريب ولا بعيد، ويتحدثوا بخطاب «حقائدي» ضد الجامعات، وحين تسأله كيف تتحدث بمثل هذه الطريقة المتخلفة عن صروح حضارية معنية بالتعليم العالي، يجيبك بأنه إعلامي قال! ويتحدث عن الجامعات كما يتحدث عن البندورة والانتخابات والمخدرات، حديث غارق بالانشاء اللغوي الرخيص، المبني على إثارة مبتذلة تجثم على عقل المتحدث، فيبدو كمشلول يعلم الناس أصول الوثب العالي، وتتجلى المأساة حين نعلم أن بعضهم يحمل شهادات عليا مزورة، فوق الزيف والخداع والغباء والانحراف المعروف به وعنه..
يكون الحديث مقنعا حين يقوده مختصون بارعون، يحترمون عقل المتلقي سواء أكان نخبويا أم شخصا عاديا، وهذا ما يلزمنا حين نتحدث عن التعليم العالي وعن الجامعات، ولا يعني هذا بأن لا مشاكل تواجه أو تحدث في هذه الجامعات، لكن الخطاب الذي يكون هدفه تحسين منظومة التعليم العالي وتحسين مخرجاته، يجب أن يكون حديثا منطقيا علميا يعتمد على الرقم والوثيقة والدراسة والتحليل المختص وأهم من هذا؛ أن يخلو من الشخصنة والأحقاد والضغائن..
هذه قضايا كبيرة لا ينفع معها التهويل والإثارة والتضليل، فهي تتناول مؤسسات معنية بمستقبل دولة ووطن، وهدفها صناعة عقل، فهل نقبل بنصف فكرة وربع معلومة وبحر من تخلف ومرض وجهل ومنحرف ليقود مثل هذا الخطاب الاستراتيجي ؟!
يبدو أن كثيرين يقبلون مع كل الأسف ومقدار كبير من «قرف».. وهنا لا نقول هرمنا إنما «قرفنا» !.
ibqaisi@gmail.com
الدستور