jo24_banner
jo24_banner

طبيخ اللاجئين ..

ابراهيم عبدالمجيد القيسي
جو 24 : الطبيخ نفس.. عبارة يرددها ضيوف استشعروا لذة الطعام لدى مستضيف.
والطبخ فن، وأسرار، ..كلها أقوال متداولة في مجتمعات نفهم أن لديها طعاما، لكن أكثر ما يعجبني ويقنعني من هذه الأقوال، قول يتضمن فكرة لامعة ومنطقية؛ فحواه ( تستطيع التعرف على حضارة بلاد ما حين تدخل في مطبخ لمواطن من تلك البلاد).. فعلا الطبخ ثقافة .
الى وقت قريب جدا؛ وربما حتى الآن، وأنا محسوب على المجتمعات البسيطة البدائية متواضعة الخبرة في الطبخ والنفخ، فعدد «الطبخات» المعروفة لدي لا تتجاوز حوالي 10 طبخات «قمت بعدها الآن توخيا للدقة»، ولا نتقنها جميعا، وذلك قبل أن أتعرف الى «شيف» خطير، كان يعمل لدى شخصية سياسية ثرية في إحدى الدول العربية، ثم انتقل للعمل في فندق كبير في الأردن، التقيته عن طريق «خالد»، حين زارني في ذلك الفندق، قال لي سأعرفك الى شاب يعمل هنا في هذا الفندق، علما أن خالد مثلي تماما في الطبخ والنفخ، وكذلك لم يكن متأكدا إن كان الرجل يعمل في الفندق نفسه.. جاء الشاب وأعد لنا وجبة خاصة «عمادها» طعام بحري موضوع في سلة جميلة، وبعد أن فرغنا وذهب الرجل في حال سبيله، سألني خالد عن مذاق الطبق الغريب، فأجبت بأنه طبق «كايف»، فقال لي هل تستطيع أن تتوقع مقدار الراتب الشهري لهذا الشاب في هذا الفندق، قلت ربما 1500 دينار أو حوله، فقال هذا شاب لا يطبخ بيده، ومهمته «ابتكار نكهات جديدة»، وكان راتبه حين عمل مع تلك الشخصية العربية 36 الف دينار شهريا، فتركه وفضل راتب 25 الف دينار شهريا في هذا الفندق، علما أن عمر الشاب لا يتجاوز 25 سنة !..
ممكن تسمحولي ألعن أخت الرواتب؟! والمناصب والمكاسب، لماذا لا أحب الطبخ والنفخ ؟!.. ومنظومة أسئلة وجودية تثبت بأننا فقراء، وبالكاد «فلتنا» من الموت جوعا، في زماننا ومكاننا هذا..
طبخة اللاجئين التي يتم طبخها في الأردن؛ قديمة، وحين نطرح ونقسم ونجمع البواقي، ثم نحاول إخراج الرقم الصحيح، فلن نتفاجأ في الواقع، لأن بلادنا تقريبا ملجأ، ويراد لها أن تبقى كذلك، على حساب قوتِنا ومستقبلنا وأمننا ومنظومة كبيرة من التحديات، نحن لا نتأفف أو نضجر من وفود إخوتنا من سوريا، على العكس تماما، هم أشقاء فروا من الموت الى الأردن، لكن من هم الذين شردوهم وخربوا بلدهم ومازالوا يماطلون في إيجاد حل لمشكلة سوريا؟
هم؛ المجتمع الدولي والقوى العظمى، الذي تقوده أمريكا وأوروبا وبرغم إمكانياتهم الاقتصادية الكبيرة، تأففوا و «شاطت طبخاتهم» حين لجأ إليهم عدد من اللاجئين السوريين لم يبلغ نصف العدد من السوريين اللاجئين وغير اللاجئين في الأردن !
طبخة اللاجئين السوريين لن تنضج قريبا، وسوف نبقى نعاني كل التهديدات المترتبة عليها والمنبثقة عنها، والأصوات الأردنية الرسمية التي بدأت بتحذير المجتمع الدولي وفي مقدمتها صوت الملك عبدالله الثاني، لم تكن لتخرج بهذا الوضوح وهذه الوتيرة، لولا أن الخطر أصبح كبيرا، ولا يمكن للدولة الأردنية أن تحتمله وحيدة أو مع الدعم الدولي الخجول، وإن صمت الأردن وتناسى جروحه على امتداد السنوات الخمس الماضية، فهذا لا يعني بأنه أقوى وأغني من أوروبا وأمريكا والخليج العربي وايران وتركيا والعراق واسرائيل، ولا حتى أغنى من سوريا نفسها، فبلدنا يشرف على الانهيار جراء مشاكل المنطقة، التي يتحمل الجزء الأكبر منها وحيدا ومنذ عشرات السنين، رغم تواضع قدراته الاقتصادية..
في حال لم يقم المجتمع الدولي بواجبه تجاه الأردن، ولم يحترم دوره التاريخي الطويل في استقبال اللاجئين، فسيكون طبيعيا أن يقوم بإجراء آخر خصوصا بعد هذه اللهجة التحذيرية القوية التي بدأ جلالة الملك يتحدث بها، ويوجهها الى تلك الأطراف التي لها علاقة بتخريب أو حل مشكلة سوريا..
شو بالنسبة للطباخين و»السوبرفايزرز» وبالنسبة لأخت الرواتب..
وياللجوع ! حين يقطع أمعاء المضيف والضيف، فالذهول عندئذ لن يكن وصفا معبرا.
الحديث عن الطبيخ وأسراره معناه لا تنسوا الجوع ولا هذا الشعب الموجوع.
ibqaisi@gmail.com



الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير