مقاعد ومنح وقصص
جلست أمس الأول مع الدكتور وائل الصمادي، مدير مديرية البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي، وفاجأني بأعداد المنح التي تقدمها جهات كثيرة من خلال وزارة التعليم العالي، واستغربت بصراحة، لماذا لا يتم تسليط كل الضوء على مثل هذه الأخبار، التي يصبح معها التعليم العالي شبه مجاني، للطلبة الحائزين على مقاعد دراسية في جامعاتنا الرسمية ضمن البرامج العادية، ثم يتساءل المتسائلون متناسين هذه الحقائق البارزة، ويتحدثون عن ارتفاع الرسوم الجامعية، ويكيلون الاتهامات لبرامج التعليم الموازي، بينما يشيحون النظر عمدا عن شمول أكثر من 60% من الطلبة المقبولين على البرامج العادية بالمنح والبعثات، فيخلطون الحابل بالنابل..
هذا اليوم أو غدا، ربما تخرج قائمة الطلبة الحائزين على المنح والبعثات، والتي قد يصل عددها الى 30 ألف منحة، تشمل منحة «القروض»،وقال الصمادي : إن الطالب يستطيع أن يشاهد القوائم، ويستطيع الاعتراض عليها، ويبين أسباب اعتراضه ضمن البرمجية ذاتها، التي تقدم من خلالها بطلب البعثة او المنحة، وهذه شفافية تستحق الإشادة، وتعامل محترم مع اعتراضات المعترضين، وإنصاف المحقين منهم..جهد مشكور نحترمه.
الأمر الآخر الغائب عن الاعلام، متعلق بثقافة التطوع التي تنضوي تحت شعار العمل الاجتماعي، فهناك عدة جهات خاصة، تقوم بمثل هذا الدور على صعيد التعليم العالي، مؤسسات اقتصادية مالية مختلفة، تدعم الطالب الأردني في الجامعات الحكومية والخاصة أيضا، من بينها «على سبيل المثال لا الحصر» قطاع البنوك الذي يقدم مئات المنح الكاملة تحت اسم عزيز على قلوبنا، وهو اسم الشهيد النسر العسكري معاذ الكساسبه رحمه الله، وكذلك يفعل بنك الأردن منفردا، وهذا دور رعوي اجتماعي يقوم به القطاع الخاص وفيه كل المعاني التكافلية التضامنية التي تجهد مؤسسات دولية لمحاربتها، وإخفائها من مجتماعتنا، وهو عمل جميل يستحق تسليط الضوء عليه، وتستحق تلك المؤسسات كل الشكر على مواقفها الوطنية الانسانية المحترمة..
ثقافة التطوع والتبرع لا تزال غائبة عن إعلامنا، ثم نتساءل لماذا لا تتعزز !، بل إن الإعلام يحارب مثل هذه الأعمال الجليلة وهذه الثقافة حين يسيىء الى مؤسسات التعليم العالي، بتركيزه على الأحاديث غير المكتملة التي يمكن تصنيفها بأنها تكسير للمجاديف، حتى يبقى التعليم العالي مؤطرا ببعض الممارسات المرفوضة، ويصفى القطاع للمال الخاص، الذي لا نشيطنه بدورنا ولا نجرمه بل نحترمه أيضا، فهو مكمل لمنظومة التعليم العالي في الأردن..
الحقيقة المرة تتمثل في مديونية الجامعات، وهي التي تتطلب جهدا من الجامعات نفسها «كما فعلت الجامعة الأردنية لتجاوز هذه المشكلة نسبيا»، ومن الحكومة، والمرارة تكمن في تكبيل هذه الجامعات بالمديونية ليتراجع دورها، فيدفع المواطن والطالب على وجه التحديد ثمن هذا التراجع، ويغدو وحيدا في «سوق متوحشة»، وليس في جامعات تنويرية، مسؤولة عن صناعة العقل والفكر وتوجيه الفعل الابداعي البناء..
شكرا لأغنياء النفوس وسحقا لعبيد «الفلوس» أما الحيتان الموبوءة واللصوص وإعلامهم الرديء فتبت أيديهم وتبوا..
ibqaisi@gmail.com