التعليم العالي.. افتقار للنخب وورطة في المنتج
جو 24 :
ياسر شطناوي - اجمع خبراء و اكاديميون تربويون على الاختلالات الكبيرة والجذرية التي اصابت التعليم العالي في الاردن، ومدى التحول الجذري الذي شهدته منارات العلم في ظلّ قلة الدعم الحكومي للجامعات.
الاشكالية الاساسية التي حدثت للجامعات الاردنية هي معضلة (الكم ام النوع)، وكيفية التعاطي مع هذه المشكلة بما يحقق دخول اكبر عدد ممكن من الطلبة الناجحين الى الجامعات مع افراز منتج بشري نوعي، وانتهت هذه المعادلة المعقدة الى حسم المعركة لصالح الكم (الاستيعاب) وبدأت الدولة الاردنية بشرعنة قوانين تعطي القطاع الخاص الصلاحيات بتشييد مؤسسات تعليمية تمنح الشهادات العليا لقاء مبالغ مالية، مما سمح لراس المال بالدخول لتكون المعادلة (خدمة مقابل مال).
الحجم الكبير في اعداد الملتحقين بالجامعات وانكفاء الدولة عن تمويل هذه المؤسسات بالقدر المناسب خلقت فكرة وجود برنامج موازي وما يرافقه من قرارات رفع متتالية على الرسوم باعتبارة الحل الامثل و الاسهل لتغطية حاجيات الملتحقين بالدراسة من جهة و لتحقيق هامش دخل اعلى للجامعات، لتصبح المعادلة الفضلى لبعض الادارات هي استقطاب عدد اكبر من الطلاب وصرف أموال اقل، بغضّ النظر عن المنتج.
جرار : ورطة كبيرة..
هذا ما أشار اليه الخبير الاكاديمي وعضو مجلس التعليم العالي المقال، الدكتور صلاح جرار، بقوله إننا نعاني ورطة كبيرة في مؤسساتنا التعليمية على مستوى ايجاد برنامج الموازي، وأخرى ان دولا عدة بالمنطقة بدأت تتقدم علينا.
وأضاف جرار ان المملكة تشهد حالة تعثر كبيرة في واقعها التعليمي "وكل ذلك بسبب الارهاصات الكبيرة التي خلقتها ازمات متعددة ضربت مؤسساتنا التعليمة الرسمية، اهمها الوضع المالي المتردي و المديونية والترهل الوظيفي وغيرها الكثير".
حديث جرار جاء وفقا لرؤيته المتبلورة نتيجة لبعض الامثلة التي نراها اليوم من اجيال الجامعات ومستوياتهم العلمية المتدنية والتي ربما تصل الى عدم القدرة على املاء الكلمات العربية بطريقة صحيحة مما ينذر بكارثة كبيرة تترصد لاجيال الوطن.
المنفذ الوحيد الذي يمكن ان يخرجنا من هذه الورطة برأي جرار هو عقد المؤتمرات واجراء الدراسات والاطلاع على تجارب الدول المختلفة واحتياجنا الكبير لصياغة سياسات تعليمية جديدة تقلل من حدة الضربات التي نتلقاها يوما بعد يوم في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، ووصفة سرعية الفعالية تقلل ايضا من معدلات الهجرة المرتفعة للخبرات التربوية الاردنية الى دول الخارج.
الحاج: ترضيات ومحاصصة
رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب الدكتور محمد الحاج لم ينكر ان ملف التعليم العالي في الاردن من اكثر الملفات تعقيدا ويحتاج الى تقارير ودراسات مطولة للخروج بنتائج تعيد لنا قوتنا في هذا المجال، وهذا ما قاله الحاج بكل صراحة لجو24 ان ملف التعليم في الاردن يعاني من تشوهات كبيرة دون ان تلتفت الحكومة الى هذا الخلل و تحاول معالجته باسرع وقت ممكن .
وبالنظر الى العقلية الرسمية يبيّن النائب الحاج تخوفات عدة بعد ان اصبحت الحكومة تؤسس جامعات بناء على حسابات الترضية، واصبحت اقرب الى عقلية الطفل في اتباع سياسة (بدنا نعلم الولد) مثل اي مواطن همّه ان يؤمن مصاريف تعليم ابنه لكي يحصل على شهادة ومن ثم (بيحلّها الف حلّال) دون الالتفات الى جودة و نوعية التعليم .
ربما كانت تخوفات الحاج مبرره بعد تردي واقع التعليم في الاردن وتراجعه بشكل كبير، فمالخرج من هذه المتاهة وفقا للحاج باهمية التحرك السريع من الجهات المعنية في عقد مؤتمر دولي ينطلق من الاردن يضع هذه التخوفات على الطاولة ويناقشها بكل صراحة للخروج بمعادلة تنجينا من مستقبل غامض.
هذا الخطر الكبير برأي الحاج يترصد كل يوم لاجيالنا ولا بد من دق ناقوس الخطر بشكل سريع من خلال المؤتمر الدولي الحضاري للتباحث حول اهمية رفع القيمة العليمة لمخرجات التعليم وربط التخصصات الجامعية بالقطاعات التقنية، والتخلص بشكل نهائي من عقلية الترضيات والمحاصصة.
عبد الحق: الحوكمة في التعليم
واذا كنا نحتاج فعلا الى تحرك رسمي سريع للتخلص من هذه الازمة فلا بد تغيير السياسات تجاه التعاطي مع ملف التعليم العالي وهذا ما يشير اليه بوضوح عميد البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة اليرموك و نائب رئيس جامعة الطفيلة التقنية الاستاذ الدكتور فواز عبد الحق حين اكد لجو24 ان الخلل في مؤسساتنا التعليمية ياتي من سوء حوكمة قطاع التعليم العالي واتباع سياسات التمييز بين الاطراف.
استدلالات عبد الحق جاءت بعد "عاصفة التخبط" التي شهدتها قرارات التعينات الاخيره في بعض الجامعات خاصة الرسمية منها، وربما اتباع سياسة (الواسطة) في تعيينات الرؤساء على حساب الخبرات والمستويات الاكاديمة.
وبرأي عبد الحق فإنه ما من مخرج افضل من تغيير السياسات المتبعة في مراكز القرار الخاصة بهذا القطاع، واهيمة وضع قواعد العدل والانصاف في اعتبارات صانع القرار ليتمكن علماء وخبراء الاردن من قيادة دفت التعليم العالي بشكل صحيح و الرسوء فيها على شاطئ الامان الذي يحقق لاجيالنا البيئة التعليمية المناسبة لتزهر مواسم العطاء في انتاج النخب لهذا الوطن.
ان التحول الكبير خلال الاعوام القليل الماضية جعل من مؤسساتنا التعليمية مجرد باحة يقضي بها الطلبة اوقاتهم، وتحول مستويات تفكيرهم الى حلقات ضيقة حتى زادت المشاجرات ووصلت في بعض اوقاتها الى القتل، حتى طالت اضرارها اعضاء الهئية التدريسية انفسهم واصبح المدرس اقرب الى الموظف المهمش.
هنا لابد على الحكومة الاردنية الاسراع في وجود المخرج و الذهاب بنا الى بر الامان قبل ان يفوت الاوان وتتحول مؤسساتنا التعليمة العريقة الى مجرد حواضن تجمع الغث والسمين، كما لابد من ايجاد البدائل المدروسة والعلمية في اعادة النظر بنوعية ومستويات القبولات لنحصن انفسنا من الوصول الى وقت نصبح مجتمع كثير التعليم لكن قليل العلم.