الأردن- غابة احزاب
ساتحدث في مقالتي عن معرض الأحزاب الأردنية الذي عقد اليوم السبت 20/10/2012 في قاعة عمان في المدينة الرياضية برعاية وزارة التنمية السياسية وبالتعاون مع المعهد الجمهوري الامريكي وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAIDS حيث قامت وزارة التنمية السياسية بتوجيه دعوة عامة للمواطنين لحضور هذا المعرض والذي شارك فيه 13 حزبا من اصل 23 حزبا مرخصا وغير شامل للاحزاب تحت التأسيس وقد وزعت بروشورات ونشرات من قبل الاحزاب المشاركة وعقدت لقاءات حوارية مع ممثلي هذه الاحزاب على هامش المعرض تخللها نقاشات واسئلة من الحضور الذي لايبدو مشجعا من حيث الأعداد التي حضرت هذا المعرض مما يعني العزوف الواضح عن الحياة والبيئة الحزبية في حين ان معظم الحضور هو من الطلاب الجامعيين الذين تتراوح اعمارهم بين 18 -22 سنة ..ثم ساتحدث عن تمويل هذا المعرض من جهات غير حزبية وغير اردنية والذي اتحفظ عليه.
إن عدد الاحزاب المرخصة وفقا لوزارة التنمية السياسية بلغ 23 حزبا غير الاحزاب التي مازالت تحت التأسيس مما يحعل الأردن كبلد صغير بمساحته وعدد سكانه غابة من الأحزاب ولكن في نفس الوقت والملفت للانتباه أن نسبة اعداد الحزبيين المسجلين في هذه الأحزاب تبلغ بحدود 1% من اصل 2.6 مليون شخص ( ذكور وإناث) فوق سن 18 سنة كحد أدنى اي أن العدد التقريبي لمنتسبي هذه الاحزاب الـ 23 يبلغ بحدود (26) الف شخص اي بمعدل (1130 ) شخص لكل حزب مما يشير بوضوح إلى العزوف عن العمل الحزبي او أن احزابنا ما زالت غير فاعلة وغير مؤثرة سياسيا على المستوى الوطني .
الذي ينظر إلى الرؤية والرسالة والأهداف والمبادئ لكل حزب من هذه الأحزاب الـ(23) يجدها في غالبيتها متقاربة جدا في حين ان من ينظر إلى اهدافها ومبادئها يجدها ايضا متقاربة ولو بشكل ابعد قليلا عن بعضها لكنها لاتتعدى حدود الاختلاف الكبير في عمومياتها والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه وطرح على ممثلي الاحزاب " لماذا لاتنصهر او تندمج الاحزاب المتقاربة في الرؤية والرسالة والأهداف مع بعضها لتشكل معا حزبا او جبهة او تيارا واحدا او اثنين او ثلاثة على اقصى تقدير بحيث تعزز وجودها وقوتها وفاعليتها على الساحة السياسية الأردنية وابراز برامج حزبية واقعية وقابلة للتطبيق تستطيع من خلالها استقطاب المزيد من المنتسبين واثراء العمل السياسي على كافة الأصعدة لكن الأحزاب تشكو من هذه المعضلة وتعزو الاسباب إلى تقسيم الحكومات الاردنية لهذه الأحزاب إلى تيارات يسارية وتيارات وسطية وتيارات قومية وتيارات عقائدية ....إلى آخر المسميات من هذه التصنيفات وهذا ليس كلاما واقعيا ولايمت للحقيقة بصلة لا من قريب او من بعيد واذا افترضنا ان هذه التصنيفات موجودة فلماذا لاتنضوي الاحزاب الأردنية الـ23 تحت لواء احد هذه التيارات بعد اندماجها مع بعضها .
يشكو البعض ايضا من أن الأسباب تعزى إلى اهتمام الدولة الأردنية والحكومات المتعاقبة بحزب معين دون غيره وتعطيه حجما اكبر من حجمه الحقيقي في حين لا تعبأ بالأحزاب الأخرى وهم بذلك يشيرون إلى رعاية الدولة الأردنية لحزب جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسي للأخوان المسلمين الذي تأسس جماعتهم وبرعاية الدولة الأردنية منذ سنة 1945 اي قبل ان تصبح امارة شرق الأردن مملكة وقبل اعلان استقلالها عام 1946 والحقيقة ان الحزب الوحيد في الأردن الفاعل والمنظم هو حزب جبهة العمل الاسلامي الذي اسسته جماعة الأخوان المسلمون التي تأسست هي برعاية الدولة الأردنية مع أن الحكومات المتعاقبة وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات النيابية وقوانين الانتخابات ذات الصلة مازالت تقترف الخطأ دون الآخر في تركيزها على حزب جبهة العمل الاسلامي واعطاءه حجما اكبر من حجمه الحقيقي وابرازه بانه هو الحزب الوحيد والقوي ولذلك ما تركت وسيلة للتفاوض معهم حول الكثير من القضايا وخاصة البرلمانية والاصلاحات وغيرها مع تهميش بقية الاحزاب الناشئة ولذلك نجد تشدد الاخوان وحزبهم العتيد في الاستجابة لكافة المفاوضات والمناشدات من قبل المسؤولين الأردنيين اما بقية الأحزاب فهي برأيي وفي شكلها وتكوينها الحالي وعدد منتسبيها وبشكل منفرد لاترقى لأن تكون قوة سياسية ضاغطة ومؤثرة على الصعيد السياسي الأردني وضعيفة في تبني برامج سياسية واضحة وواقعية قابلة للتطبيق من الممكن ان تؤثر على سياسات الحكومات الأردنية المتعاقبة عدا وجود جماعات ضغط وبشكل فردي وشخصي من امنائها العامين او من بعض افرادها ممن تبوأوا مناصب سابقة في الحكومات المتعاقبة لأنهم يعرفون قواعد اللعبة السياسية على الصعيد الوطني ويستطيعون بنفوذهم فرض تشكيلة الحكومات واقتناص مايمكن اقتناصه من مناصب ووزارات متاحة امامهم وهذا يعني ان هذه الأحزاب لن تتمكن من تشكيل اغلبية برلمانية لكي تتمكن من تشكيل حكومة برلمانية يطالب بها كثيرون من حزبيين وحراكيين ومنادين بالاصلاح السياسي ولو كان ذلك عن طريق تشكيل كتل نيابية تحت تيارات مختلفة قومية او يسارية او عقائدية ...الخ نظرا لسرعة تفسخها وانفكاكها وتغير المزاج السياسي للحكومات وللاحزاب السياسية على حد سواء .
شكى البعض من أن عزوف الطلبة على مقاعد الدراسة الجامعية عن العمل الحزبي لظاهرة اسميها الفوبيا الأمنية وكانهم يعيشون في حقبة ماقبل عام 1989 ( عودة الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية للاردن ) حيث ادعى البعض ان نسبة كبيرة من الطلاب هم من يدرسون على حساب المكرمة الملكية من ابناء العاملين والمتقاعدين من الأجهزة الأمنية بحيث يجبر الطلاب على توقيع تعهدات امنية بعدم الانتساب للاحزاب غير المشروعة مع ان الاحزاب الاردنية الموجودة مرخصة وفقا للقانون لكني ارد عليهم أن هذا الإجراء سليم لكون هؤلاء الطلبة ملتزمون للعمل في القوات المسلحة والاجهزة الامنية الأخرى وبما ان الاجهزة الأمنية غير مسيسة ويحرم عليها ان تتعاطى السياسة والعمل الحزبي فيتوجب عدم اقتراب افرادها العاملين او الملتزمين بالخدمة فيها من الاحزاب بالرغم من انها مرخصة وبامكان الأحزاب العاملة والمرخصة استقطاب النسبة الباقية من الطلاب وهي 80% بعد استبعاد نسبة عدد طلاب المكرمة الملكية الـ20% وليس عذرا للاحزاب ان تضع هذا سببا للعزوف او شكوى لتبرير ذلك.
من الملفت للانتباه ان بعضهم ولا اقول كلهم حين التعريف في الحزب الفلاني او العلاني لأي زائر للمعرض كان يقال ان هذا الحزب هو حزب " فلان" وفي اي حزب انت ؟ هل انت في حزب "فلان " ام حزب " علان " وهذا مؤسف حقا كما قيل ايضا ان حزبنا ( حزب فلان ) اقوى من حزب فلان فتعال الى حزبنا واترك الحزب الفلاني وكأنها دكاكين تعمل بموسم التنزيلات فأي استخفاف بعقول وفكر الناس ؟ وهل هكذا يتم استقطاب الناس للعمل الحزبي ؟ وهل الحزب يعرف بشخص فلان بدلا من مبادئه والفكر الذي يحمله ؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هل اذا مات فلان يموت الحزب وتموت مبادئه ؟ لقد ولت انظمة حكم الرجل الواحد والقرار الواحد والرئيس الخالد ... لكن البعض مازال يعيش في نفس العقلية البائدة.
الشيء الآخر والمهم والملفت للانتباه أن تمويل المعرض تبنته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAIDS ووزارة التنمية السياسية اقامته بالتعاون مع المعهد الجمهوري الأمريكي وهذا مؤسف حقا فكثير من اليساريين والحراكيين وغيرهم يأخذون هذا الماخذ على الحكومة فانا اعتقد انه كان من الأجدر دعوة الاحزاب نفسها الراغبة في المشاركة في المعرض ان تشارك في التمويل مع ان المبالغ التي تصرف للاحزاب سنويا وهي (50) الف دينار لاتغطي نفقات الحزب من حيث رواتب الموظفين وورشات العمل والحملات الانتخابية والاتصالات والمواصلات واستئجار المباني ..الخ ولكن ما كان نهجا ورأيا سديدا ادخال جهات اجنبية لتمويل مثل هذا المعرض بالرغم من ان احد مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية هي نشر الديمقراطية في الدول الناشئة حديثا وفي الدول التي تفتقر الى الديمقراطية عن طريق تمويل برامج ومحاضرات توعوية عن الديمقراطية ... جميل جدا ان تقوم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAIDS بتمويل ورش عمل ومحاضرات وتوعية عن الديمقراطية ولكن هذا المعرض هو للتعريف بالاحزاب الأردنية والتي كان من الأجدر بها تمويله .... من معرض حزبي واحد عرفت ان الأردن غابة احزاب لالزوم لها ولكن يلزمنا حزب او حزبين او ثلاثة على اقصى تقدير .....