jo24_banner
jo24_banner

استراحة محارب

استراحة محارب
جو 24 :
كتبت شذى خالد الخلفات - 

انسحب بهدوء من مجلسهم وغادر مبتعداً عنهم ،زاد سرعة سيارته ... عبر الشارع مبتعداً عن صخب المدينة حاول الابتعاد قدر الامكان عن كل شيء ،لم تكن تهمه الوجهة بل الابتعاد ،عبر طريقاً ترابياً بين الأشجار وبعد أن تأكد من أنه قد ابتعد بالقدر الكافي أوقف سيارته وترجل منها وتفحص المكان حوله.

مشى قليلاً حتى وصل إلى شجرة كبيرة ترك الزمن أثره فيها ... كثيرة الأغصان وعالية مكسوة باللون الأخضر ،كان منظراً خلاباً ومغرياً للجلوس ،جلس تحتها بهدوء ... جال بنظره حول الشجرة ... وأخذ يراقب حركة الأغصان وهي تتحرك مع حركة الرياح ... رؤية كل تلك الأعشاش التي تحتضنها الشجرة وسماحها للحشرات والسناجب بمشاركتها منزلها ... الاستماع لزقزقة العصافير ... كان كل ذلك يبعث في نفسه السكينة كما لو أنه قد تناول جرعة مسكن أو مخدر ... لكنها كانت أفضل بمئة مرة ... استسلم للنوم وكأنه على فراش من الغيوم يلتفح السماء.

- مابك أيها المحارب ؟؟
فتح عينيه ... نظر حوله لكنه لم يجد صاحب الصوت... هل كان يهذي !! ، عاد الصوت مرة أخرى وبشكل أوضح... نظر الى الأعلى حيث مصدر الصوت ... لم يستطع اخفاء علامات الدهشة التي بدت على وجهه... فرك عينيه مرة ... مرتان ... ولكن بلا جدوى ... نظر إلى الأعلى مجدداً إلى ذاك الصقر الذي يقف بشموخ وثبات على غصن الشجرة ... لم يعرف كيف خطرت بباله فكرة التحدث معه ... فقد ظن نفسه يهلوس.

بقي على هذا الحال حتى قاطع الصقر شروده وسأله :
- كيف حالك ؟!
- لست بخير ( بينه وبين نفسه هل أنا أحلم أم أني جننت... أحدث طائراً ،أم لأنه طائر أحدثه ...أحياناً يكون مريحاً أن نفضي بمكنوناتنا إلى غريب لا يعرفنا ... فكيف لو كان حيواناً )
- لماذا ؟
- لأن الأثقال على كتفي أرهقتني .
- اطلب المساعدة من الناس لحملها.
- أحياناً لا يوجد أحد ليساعدك ... على الانسان أن يعتمد على نفسه.
- أحسنت
أدهشني جوابه فأردفت قائلاً :
- لكن هناك أوقات تمر علينا لا نستطيع أن نكمل فيها ونحتاج فيها إلى استراحة .
- هذه استراحة المحارب.
- لكن هذا المحارب تعب من السباحة عكس التيار ... بسبب تمسكه بمبادئه يعاني.
- طالما أنه مؤمن بمبادئه فعليه السباحة عكس التيار ومصارعة الأمواج.
- حتى لو كان ذلك صعباً .
- نعم فالمحارب وصاحب المبادئ لا يوجد في قاموسه كلمة .. ص..ع..ب.
- حتى لو انتهى به المطاف وحيداً .
- أجل.
نظر إلى عيني الصقر ... أي قوة وأي شموخ وثبات ينبع من هذا الطائر .. تلك الثقة والايمان التي تنبع من كلماته أزالت أي مجال للتردد والشك.

استيقظ من نومه مندهشاً . " هل كان كل ذلك محض حلم !؟ "
رفع بصره إلى الأعلى ليرى تلك الأجنحة ترفرف في السماء مبتعدة ،نهض من مكانه وعاد أدراجه .
لكن هذا اليوم سيبقى عالقاً أبد الدهر في ذاكرته فهو دخل الغابة مهزوماً وخرج منها محارباً.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير