ما هو أسوأ من ذلك!
محمد أبو رمان
جو 24 : الأزمة الاقتصادية ليست "مزحة" ولا مسرحية سياسية. وربما لا أبالغ بالادعاء أنّها تتجاوز مرحلة التحدّي، إلى حمل نذر "الخطر" على الاقتصاد الوطني، ومن ثمّ الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
بالرغم من هذه الحقائق المقلقة، إلاّ أنّ ما هو أسوأ من ذلك أنّنا نواجهها ونحن ممزّقون مشتتون، نفتقد الثقة بمؤسساتنا وبنزاهتها ومصداقيتها، كما أنّنا نفتقد شرطا رئيسا لعبور هذا المنعطف (بالإضافة إلى الثقة)، وهو "التضامن الوطني" بين الجميع؛ الحكومة والمعارضة والمؤسسات الرسمية والشارع، وهي حالة بالضرورة متراكمة، المسؤول بدرجة أساسية عنها هي سياسات الدولة التي أهملت الإصلاح خلال الأعوام الماضية، وتجاهلت أهمية التواصل مع الرأي العام، ولم تتسم مساراتها بأيّ درجة من الشفافية، وتواجه حالياً العواقب الوخيمة لتلك المرحلة!
فوق هذا وذاك، فإننا لا نجد اشتباكاً جادّاً من المسؤولين مع ما يطرح في الشارع من اتهامات وغضب تجاه السياسات الاقتصادية، ودعاوى تحميل الفساد مسؤولية الشطر الأكبر من الأزمة، ولا الشكوى من النفقات الجارية الكبيرة (مثل تضخّم موازنة الدفاع والمؤسسات المستقلة)، ولا عدم وجود جديّة رسمية في معالجة التهرب الضريبي، ولا مطالب المعارضة حول التعجيل بقانون الضريبة واعتماد مبدأ "التصاعدية" وفق روح الدستور. والمفارقة أنّ الحكومة سارعت إلى الضغط على النواب (في الدورة البرلمانية الأخيرة، قبل الحل) لإقرار قانون المطبوعات والنشر (المثير للجدل) بدلاً من قانون الضريبة، الذي لو خرج بصورة توافقية، لكان يمكن أن يخلق إرهاصات لترميم شيء من الثقة بالدولة!
بدلاً من ذلك (وفق رؤية المعارضة والرأي العام على السواء)، تريد الدولة تحميل "المواطنين" عواقب هذه السياسات، وتدفيعه فاتورة الخطايا المرتكبة! ممّا يولّد فجوة كبيرة بين الطرفين، وعدم استعداد لدى الرأي العام لتقبّل قرارات الرفع وتبريرات الدولة، فتدور العلاقة في إطار "حلقة مفقودة"؛ الكل يرمي بالمسؤولية على الطرف الآخر.
على الجهة المقابلة تماماً، نجد أنّ المجتمع نفسه يعاني من تشققات وتصدّعات خطرة، توهن الجبهة الداخلية وتجعل تماسكها هشّاً، في التعامل مع الأزمة المالية والدولة على السواء!
شطرٌ من المجتمع يرى أنّه يدفع الضرائب ويلتزم بالقانون ويؤدّي ما عليه من واجبات وطنية، لكنه يعامل بوصفه "ابناً غير شرعي" أو "مواطناً من الدرجة الثانية"، ويتحمّل مصروفات الترف الذي يمارسه المسؤولون داخل الدولة، بينما هو يعاني من التهميش والإقصاء، ولا يحظى بفرص عادلة للتمثيل في مؤسسات الدولة ولا في المشاركة السياسية في المؤسسات التمثيلية داخل النظام!
الشطر الآخر يتذمر بدرجة أكبر، ويعاني ضغوطاً أكثر شراسة من الأزمة الاقتصادية، وهو إلى اليوم عاجز عن اللحاق بركب التحولات الاقتصادية؛ فما يزال يعتمد على القطاع العام، ويفتقد، بدرجة كبيرة، إلى شروط التأهيل لمرحلة جديدة، في ظل غياب خطة تنموية من الدولة تساعد على هذا الانتقال المطلوب في المحافظات نحو القطاع الخاص، وتوفير المدخلات الضرورية لذلك من تعليم وخدمات وبنية تحتية وميزات استثمارية خاصة. وكل ما تمّ إلى اليوم أخذ بعداً شكلياً فلكلورياً وباء بالفشل، بينما يعاني الناس من البطالة والفقر والشعور بالحرمان الاجتماعي!
الدولة تواجه الأزمة الاقتصادية بما هو أسوأ منها؛ فقدان الثقة مع الشارع، مزاج محتقن غاضب، مجتمع مهشّم، وقاعدة اجتماعية مفكّكة، ولم تُبذلْ مجهوداتٌ حقيقية في تغيير هذا المناخ المسموم، ولا في بناء قنوات اتصال فاعلة مع الشارع، ولا في تعزيز رسالة الدولة وتقويتها، وتقويض دعائم الروح السلبية السائدة، بل مورست حالةُ إنكارٍ ما تزال قائمة لدى بعض المسؤولين إلى اليوم!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
بالرغم من هذه الحقائق المقلقة، إلاّ أنّ ما هو أسوأ من ذلك أنّنا نواجهها ونحن ممزّقون مشتتون، نفتقد الثقة بمؤسساتنا وبنزاهتها ومصداقيتها، كما أنّنا نفتقد شرطا رئيسا لعبور هذا المنعطف (بالإضافة إلى الثقة)، وهو "التضامن الوطني" بين الجميع؛ الحكومة والمعارضة والمؤسسات الرسمية والشارع، وهي حالة بالضرورة متراكمة، المسؤول بدرجة أساسية عنها هي سياسات الدولة التي أهملت الإصلاح خلال الأعوام الماضية، وتجاهلت أهمية التواصل مع الرأي العام، ولم تتسم مساراتها بأيّ درجة من الشفافية، وتواجه حالياً العواقب الوخيمة لتلك المرحلة!
فوق هذا وذاك، فإننا لا نجد اشتباكاً جادّاً من المسؤولين مع ما يطرح في الشارع من اتهامات وغضب تجاه السياسات الاقتصادية، ودعاوى تحميل الفساد مسؤولية الشطر الأكبر من الأزمة، ولا الشكوى من النفقات الجارية الكبيرة (مثل تضخّم موازنة الدفاع والمؤسسات المستقلة)، ولا عدم وجود جديّة رسمية في معالجة التهرب الضريبي، ولا مطالب المعارضة حول التعجيل بقانون الضريبة واعتماد مبدأ "التصاعدية" وفق روح الدستور. والمفارقة أنّ الحكومة سارعت إلى الضغط على النواب (في الدورة البرلمانية الأخيرة، قبل الحل) لإقرار قانون المطبوعات والنشر (المثير للجدل) بدلاً من قانون الضريبة، الذي لو خرج بصورة توافقية، لكان يمكن أن يخلق إرهاصات لترميم شيء من الثقة بالدولة!
بدلاً من ذلك (وفق رؤية المعارضة والرأي العام على السواء)، تريد الدولة تحميل "المواطنين" عواقب هذه السياسات، وتدفيعه فاتورة الخطايا المرتكبة! ممّا يولّد فجوة كبيرة بين الطرفين، وعدم استعداد لدى الرأي العام لتقبّل قرارات الرفع وتبريرات الدولة، فتدور العلاقة في إطار "حلقة مفقودة"؛ الكل يرمي بالمسؤولية على الطرف الآخر.
على الجهة المقابلة تماماً، نجد أنّ المجتمع نفسه يعاني من تشققات وتصدّعات خطرة، توهن الجبهة الداخلية وتجعل تماسكها هشّاً، في التعامل مع الأزمة المالية والدولة على السواء!
شطرٌ من المجتمع يرى أنّه يدفع الضرائب ويلتزم بالقانون ويؤدّي ما عليه من واجبات وطنية، لكنه يعامل بوصفه "ابناً غير شرعي" أو "مواطناً من الدرجة الثانية"، ويتحمّل مصروفات الترف الذي يمارسه المسؤولون داخل الدولة، بينما هو يعاني من التهميش والإقصاء، ولا يحظى بفرص عادلة للتمثيل في مؤسسات الدولة ولا في المشاركة السياسية في المؤسسات التمثيلية داخل النظام!
الشطر الآخر يتذمر بدرجة أكبر، ويعاني ضغوطاً أكثر شراسة من الأزمة الاقتصادية، وهو إلى اليوم عاجز عن اللحاق بركب التحولات الاقتصادية؛ فما يزال يعتمد على القطاع العام، ويفتقد، بدرجة كبيرة، إلى شروط التأهيل لمرحلة جديدة، في ظل غياب خطة تنموية من الدولة تساعد على هذا الانتقال المطلوب في المحافظات نحو القطاع الخاص، وتوفير المدخلات الضرورية لذلك من تعليم وخدمات وبنية تحتية وميزات استثمارية خاصة. وكل ما تمّ إلى اليوم أخذ بعداً شكلياً فلكلورياً وباء بالفشل، بينما يعاني الناس من البطالة والفقر والشعور بالحرمان الاجتماعي!
الدولة تواجه الأزمة الاقتصادية بما هو أسوأ منها؛ فقدان الثقة مع الشارع، مزاج محتقن غاضب، مجتمع مهشّم، وقاعدة اجتماعية مفكّكة، ولم تُبذلْ مجهوداتٌ حقيقية في تغيير هذا المناخ المسموم، ولا في بناء قنوات اتصال فاعلة مع الشارع، ولا في تعزيز رسالة الدولة وتقويتها، وتقويض دعائم الروح السلبية السائدة، بل مورست حالةُ إنكارٍ ما تزال قائمة لدى بعض المسؤولين إلى اليوم!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)