تركيا وإسرائيل: الواقعية السياسية وتصفير الحلم الأردوغاني!!
زيد محمد النوايسة
جو 24 :
الإعلان في أنقره وتل أبيب عن عودة العلاقات التركية الإسرائيلية يوم الأثنين يأتي نتيجة مفاوضات طويلة ووساطة أمريكية لم تنقطع لتتوج بإنهاء الجفاء الذي أستمر ما يقارب الست سنوات على أثر الاعتداء على سفينة مرمرة التي كانت تقل متضامنين مع غزة في ايار /2010 نتج عنه مقتل تسعة أتراك في هجوم إسرائيلي على مجموعة سفن كانت تنقل مساعدات إلى قطاع غزة وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد اعتذر نتيجة وساطة الرئيس الأمريكي أوباما أثناء زيارته لإسرائيل، لكن الجفاء السياسي ظل قائما بالرغم من تزايد وتيرة التعاون العسكري والاقتصادي وخصوصا في مجال السياحة والتبادل التجاري والتعاون العسكري والتنسيق لاستثمار الثروات الغازية الهائلة المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة لتطابق الموقفين التركي والإسرائيلي في العديد من القضايا الإقليمية ولا سيما الموقف الموحد من نظام الرئيس بشار الأسد والعمل بتنسيق كامل على ضرورة اسقاط النظام السوري من خلال عدم ضبط الحدود مع سوريا والعراق والسماح بتدفق العناصر الإرهابية والسلاح والتموين وحتى خطوط الانترنت ودعم تنظيم داعش الإرهابي من خلال شراء النفط المسروق من الحقول السورية والعراقية بالرغم من ذلك شاب التنسيق التركي الإسرائيلي نقاط خلاف جوهرية حول العلاقة الإسرائيلية الكردية والإسرائيلية القبرصية(قبرص اليونانية) التي بقيت تشكل قلقاً متعاظماً لمعظم الحكومات التركية وحتى قبل سيطرة التقدم والعدالة على الحكم في تركيا.
الاتفاق الذي تضمن العودة والتطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين وتبادل السفراء والخبراء العسكريين، وقبول التعويض عن ضحايا سفينة مرمرة وتراجع تركيا عن مطلب فك الحصار عن غزة وعدم السماح لحماس بالعمل ضد إسرائيل من تركيا مقابل تعهد إسرائيل بالسماح لها بإقامة محطة توليد كهرباء ومحطة تحلية مياه في غزة وتعزيز التعاون الأمني والاستخباري والشروع في مفاوضات حول استثمار حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
وعلينا أن نتذكر أنه وحتى في مرحلة الجفاء السياسي ظلت العلاقات التجارية بين البلدين مرتفعة وبلغت حوالي ملياري دولار سنوياً، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر. ومع ذلك، لم يتوقّف التعاون العسكري والأمني فلقد أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة، وشاركت الصناعات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير في تعزيز القدرات العسكرية التركية، والمؤكد ان استئناف العلاقات التركية الإسرائيلية سيعيد رسم علاقات القوة في الشرق الأوسط، وسيكون له تأثير كبير على السياسة الإقليمية والأمن وقطاعات الطاقة وتحديدا الغاز الذي تأمل تركيا أن تتزود به من إسرائيل ويمر عبرها إلى أوروبا ولعل من الواضح ان تركيا وفي ذروة خلافها مع إسرائيل ظلت حريصة على عدم تجاوز الخطوط الاستراتيجية التي تتعلق بعلاقاتها التاريخية مع إسرائيل والتي بدأت بعد عام واحد من احتلال فلسطين أي في عام 1949 واستمرت وتيرة النمو والتصاعد فيها وكانت تركيا دائما تتموضع في مربع المصالح الاستراتيجية لها والتي تتطلب علاقه خاصة مع إسرائيل.
من الواضح أن أخفاقات السياسة التركية في ملف الصراع السوري وتدهور العلاقات مع روسيا بعد أسقاط المقاتلة الروسية وقتل قائدها من قبل مقاتلين تركمان حلفاء لتركيا في جبال اللاذقية ورفض بوتين لأي محاولات اعتذار، ثم توسع الخطر الكردي من خلال قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا والتي تسعى لإقامة جيب تركي سيكون مقلقاً ومزعجاً واحتدام الصراع مع الاكراد داخل تركيا ، كل تلك المعطيات فرضت على قيادة أردوغان التراجع عن الشعارات الاستهلاكية التي اعتمدها حزب التقدم والعدالة كمدخل لتسويقه عربيا واسلامياً من ناحية الحرص على فلسطين وقضيتها وقضية الحرية والديمقراطية ولا سيما بعد مرحلة الربيع العربي والرهان على الإسلام الأخواني كبديل لأنظمة الحكم في الشرق الأوسط وتحديدا الرهان على هيمنة التيار الاخواني على الحواضر الكبرى في مصر وسوريا والعراق ومحاولة تعزيز فرص الأخوان في الأردن للوصول لمفاصل الحكم من خلال حكومات برلمانية بل الامتداد الى شمال افريقيا والتورط في الملف الليبي وصولاً لشرق افريقيا ومحاولة فرض نفوذ في الصومال.
تركيا اليوم مضطرة لمقاربة استراتيجية جديدة تعود فيها للحضن الإسرائيلي الدافئ الذي يعطيها أحقية في الاستفادة من الثروة الغازية المكتشفة بكميات هائلة في المياه الاقليمية الاسرائيلية، والتي ستحيل إسرائيل الى مُصدِّر رئيسي لهذه المادة الاستراتيجية في العالم ولا سيما ان تركيا اليوم وفي ضوء الخلاف مع روسيا أضحت معنية بخلق بدائل للغاز الروسي في المستقبل لان الافتراق مع القيصر الأحمر في الكرملين يبدو انه سيطول بالرغم من الاعتذار الرسمي والاتصال الهاتفي المتوقع يوم الأربعاء ولكن حجم الخلافات في الملف السوري كبيرة ومعقدة حتى اللحظة.
ويبدو ان تركيا تدرك اليوم انه وفي سياق الصراعات الإقليمية لا خيار امامها الا بإعادة تركيب التحالف مع إسرائيل في مواجهة القوى الدولية كروسيا والقوي الإقليمية كإيران وحلفائها في العراق وسوريا وهذا لا يعني ان تركيا لا تشعر بالقلق من ان القطيعة مع مصر ستساهم بالحد من نفوذها في القضية الفلسطينية وتحديدا في قطاع غزة ولكنها بالاتفاق واستئناف العلاقات يوم أمس أنما تقدم نفسه كحاضنة إقليمية حصرية لقطاع غزة إذ سارع القائد الحمساوي خالد مشغل الى لقاء أردوغان قبيل التوقيع للاطلاع على تفاصيل الاتفاق وبالتأكيد تبلغ المطلوب من حماس في هذه المرحلة والذي تضمن التعهد التركي القاطع بعدم السماح لحماس بتنظيم أي أعمال عدائية ضد إسرائيل.
أذن نحن اليوم أمام منعطف سياسي جديد وربما استدارة كاملة في مقاربة القيادة الاردوغانية لعلاقاتها وتحالفاتها الإقليمية وهل يمكن القول اليوم أن سلطان القصر الأبيض يعيد حساباته ويتعامل بواقعية سياسية أكثر بعودته للحضن الإسرائيلي الدافئ لإعادة إنتاجه أمريكيا من خلال بوابة تل أبيب وأن والاعتذار للقيصر الأحمر في موسكو هو استحقاق واقعي لاستمرار تدفق السياح وضمان استمرار التزود بالغاز ولضمان النفوذ على امتداداته الخلفية في الجمهوريات الإسلامية لقطع الطريق على طهران التي تتعاظم علاقاتها وتحالفاتها مع موسكو.
هل يمكن أن يكون الاعتذار الثالث لقصر المهاجرين في دمشق ولو من باب الحرص على إسقاط الجيب الكردي في شمال سوريا وهل يمكن ان يتحقق حلم أردوغان بالصلاة في جامع بني أمية ولكن هذه المرة من بوابة شرعية الأسد وتحت عنوان محاربة الإرهابيين والانفصاليين الأكراد !! ربما يكون هذا الصيف هو صيف الواقعية السياسية في القصر الأبيض في اسطنبول على الأرجح...لكن المهم هنا أن الأحلام الإخوانية صارت جزء من الأرشيف السياسي والأحلام المجهضة للإسلام السياسي التركي الذي أوغل في التمنيات حتى كاد يخسر الواقع!!.
الاتفاق الذي تضمن العودة والتطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين وتبادل السفراء والخبراء العسكريين، وقبول التعويض عن ضحايا سفينة مرمرة وتراجع تركيا عن مطلب فك الحصار عن غزة وعدم السماح لحماس بالعمل ضد إسرائيل من تركيا مقابل تعهد إسرائيل بالسماح لها بإقامة محطة توليد كهرباء ومحطة تحلية مياه في غزة وتعزيز التعاون الأمني والاستخباري والشروع في مفاوضات حول استثمار حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
وعلينا أن نتذكر أنه وحتى في مرحلة الجفاء السياسي ظلت العلاقات التجارية بين البلدين مرتفعة وبلغت حوالي ملياري دولار سنوياً، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر. ومع ذلك، لم يتوقّف التعاون العسكري والأمني فلقد أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة، وشاركت الصناعات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير في تعزيز القدرات العسكرية التركية، والمؤكد ان استئناف العلاقات التركية الإسرائيلية سيعيد رسم علاقات القوة في الشرق الأوسط، وسيكون له تأثير كبير على السياسة الإقليمية والأمن وقطاعات الطاقة وتحديدا الغاز الذي تأمل تركيا أن تتزود به من إسرائيل ويمر عبرها إلى أوروبا ولعل من الواضح ان تركيا وفي ذروة خلافها مع إسرائيل ظلت حريصة على عدم تجاوز الخطوط الاستراتيجية التي تتعلق بعلاقاتها التاريخية مع إسرائيل والتي بدأت بعد عام واحد من احتلال فلسطين أي في عام 1949 واستمرت وتيرة النمو والتصاعد فيها وكانت تركيا دائما تتموضع في مربع المصالح الاستراتيجية لها والتي تتطلب علاقه خاصة مع إسرائيل.
من الواضح أن أخفاقات السياسة التركية في ملف الصراع السوري وتدهور العلاقات مع روسيا بعد أسقاط المقاتلة الروسية وقتل قائدها من قبل مقاتلين تركمان حلفاء لتركيا في جبال اللاذقية ورفض بوتين لأي محاولات اعتذار، ثم توسع الخطر الكردي من خلال قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا والتي تسعى لإقامة جيب تركي سيكون مقلقاً ومزعجاً واحتدام الصراع مع الاكراد داخل تركيا ، كل تلك المعطيات فرضت على قيادة أردوغان التراجع عن الشعارات الاستهلاكية التي اعتمدها حزب التقدم والعدالة كمدخل لتسويقه عربيا واسلامياً من ناحية الحرص على فلسطين وقضيتها وقضية الحرية والديمقراطية ولا سيما بعد مرحلة الربيع العربي والرهان على الإسلام الأخواني كبديل لأنظمة الحكم في الشرق الأوسط وتحديدا الرهان على هيمنة التيار الاخواني على الحواضر الكبرى في مصر وسوريا والعراق ومحاولة تعزيز فرص الأخوان في الأردن للوصول لمفاصل الحكم من خلال حكومات برلمانية بل الامتداد الى شمال افريقيا والتورط في الملف الليبي وصولاً لشرق افريقيا ومحاولة فرض نفوذ في الصومال.
تركيا اليوم مضطرة لمقاربة استراتيجية جديدة تعود فيها للحضن الإسرائيلي الدافئ الذي يعطيها أحقية في الاستفادة من الثروة الغازية المكتشفة بكميات هائلة في المياه الاقليمية الاسرائيلية، والتي ستحيل إسرائيل الى مُصدِّر رئيسي لهذه المادة الاستراتيجية في العالم ولا سيما ان تركيا اليوم وفي ضوء الخلاف مع روسيا أضحت معنية بخلق بدائل للغاز الروسي في المستقبل لان الافتراق مع القيصر الأحمر في الكرملين يبدو انه سيطول بالرغم من الاعتذار الرسمي والاتصال الهاتفي المتوقع يوم الأربعاء ولكن حجم الخلافات في الملف السوري كبيرة ومعقدة حتى اللحظة.
ويبدو ان تركيا تدرك اليوم انه وفي سياق الصراعات الإقليمية لا خيار امامها الا بإعادة تركيب التحالف مع إسرائيل في مواجهة القوى الدولية كروسيا والقوي الإقليمية كإيران وحلفائها في العراق وسوريا وهذا لا يعني ان تركيا لا تشعر بالقلق من ان القطيعة مع مصر ستساهم بالحد من نفوذها في القضية الفلسطينية وتحديدا في قطاع غزة ولكنها بالاتفاق واستئناف العلاقات يوم أمس أنما تقدم نفسه كحاضنة إقليمية حصرية لقطاع غزة إذ سارع القائد الحمساوي خالد مشغل الى لقاء أردوغان قبيل التوقيع للاطلاع على تفاصيل الاتفاق وبالتأكيد تبلغ المطلوب من حماس في هذه المرحلة والذي تضمن التعهد التركي القاطع بعدم السماح لحماس بتنظيم أي أعمال عدائية ضد إسرائيل.
أذن نحن اليوم أمام منعطف سياسي جديد وربما استدارة كاملة في مقاربة القيادة الاردوغانية لعلاقاتها وتحالفاتها الإقليمية وهل يمكن القول اليوم أن سلطان القصر الأبيض يعيد حساباته ويتعامل بواقعية سياسية أكثر بعودته للحضن الإسرائيلي الدافئ لإعادة إنتاجه أمريكيا من خلال بوابة تل أبيب وأن والاعتذار للقيصر الأحمر في موسكو هو استحقاق واقعي لاستمرار تدفق السياح وضمان استمرار التزود بالغاز ولضمان النفوذ على امتداداته الخلفية في الجمهوريات الإسلامية لقطع الطريق على طهران التي تتعاظم علاقاتها وتحالفاتها مع موسكو.
هل يمكن أن يكون الاعتذار الثالث لقصر المهاجرين في دمشق ولو من باب الحرص على إسقاط الجيب الكردي في شمال سوريا وهل يمكن ان يتحقق حلم أردوغان بالصلاة في جامع بني أمية ولكن هذه المرة من بوابة شرعية الأسد وتحت عنوان محاربة الإرهابيين والانفصاليين الأكراد !! ربما يكون هذا الصيف هو صيف الواقعية السياسية في القصر الأبيض في اسطنبول على الأرجح...لكن المهم هنا أن الأحلام الإخوانية صارت جزء من الأرشيف السياسي والأحلام المجهضة للإسلام السياسي التركي الذي أوغل في التمنيات حتى كاد يخسر الواقع!!.