jo24_banner
jo24_banner

أسئلة ما بعد الثالث عشر من تشرين الثاني

عريب الرنتاوي
جو 24 : ليس السؤال عمّا إذا كانت “الدولة” ستتراجع عن قرار رفع الدعم والأسعار أم أنها ستُبقي عليه...السؤال الأهم، هل يكفي التراجع عن القرار المذكور للعودة بالأردن إلى ما قبل الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، من حيث العلاقة بين الحكومة والمعارضة، الحاكم والمحكوم، الدولة ومواطنيها، أم أن البلاد دلفت إلى عتبات مرحلة جديدة، لم تعد تنفع معها الأدوات القديمة في ممارسة الحكم والسلطة؟..وإن كان الحال كذلك، فما هي ملامح هذه المرحلة، وكيف السبيل للخروج من الأزمة العامة التي تعتصر البلاد والعباد، والتي أكاد أجزم، بأنها غير مسبوقة.

بفرض تراجع “الدولة” عن قراراتها المفروضة بقوة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وضغوط الضائقة الاقتصادية والمالية الأشد، ، فإن من السابق لأوانه التكهن بأن خطوات من هذا النوع ، ستكون كافية لإعادة بناء جدران الثقة المُتصدّعة بين “الدولة” و”الشارع”، ولا أقول المعارضة، لأن “الشارع” تجاوز المعارضة، وقفز من فوقها، وضم إلى سيله الجارف، فئات وشرائح ومناطق جديدة من المحتجين، لم تعهد الإضراب والتظاهر والاعتصام.

هي مرحلة جديدة، بسقوف وشعارات ومطالب جديدة، تضع النظام (بصرف النظر عن لعبة الأرقام والأعداد )، في صدارة استهدافاتها...ولكي يصبح الهبوط عن الشجرة ممكناً وآمناً، فإن المطلوب يتعدى الحكومة وقرار رفع الدعم والأسعار، إلى رسم معالم خريطة طريق جديدة، تقنع الناس، بأن صفحة جديدة قد بدأت، وأن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، من الأردن أولاً إلى لجنة الحوار الوطني، مروراً بالأجندة وكلنا الأردن وعشرات المبادرات المغدورة في مهدها.

المطلوب خريطة طريق، بمهام محددة ورزنامة زمنية أكثر تحديداً، تشرف على تنفيذها، حكومة إنقاذ وطني .

حكومة ترجئ الانتخابات النيابية، وتشرع في تنظيم مؤتمر وطني، ينتهي بتوصيات ملزمة فيما خص قانون الانتخابات، وتتعهد برعاية “الوجبة التالية” من التعديلات الدستورية، وتشرع في بلورة إستراتيجية وطنية للإصلاح الاقتصادي-الاجتماعي ، يندرج في إطارها برنامج محاربة الفساد وترشيد الإنفاق (قولاً وفعلاً)، ويُبحث عبرها عن خيارات وبدائل لسياسة “مد الأيدي لجيوب الناس”..وثمة مروحة واسعة من الخيارات والبدائل يمكن طرقها، قبل الذهاب مباشرة إلى ما يحيل حياة المواطنين العاديين إلى جحيم لا يطاق.

حكومة تعيد الاعتبار لصوت العقل والمنطق والمصلحة والحكمة في التعامل مع مختلف الجماعات والتيارات والمكونات الأردنية، بعد أن سئمنا حملات “الشيطنة” و”التجييش”، تارة ضد الإخوان وحزبهم، وأخرى ضد الحراكات الشبابية والشعبية، وثالثة ضد الاحتجاجات الشعبية على قرارات تحرير الأسعار ورفعها، وهي حملات بلغت دركاً خطيراً من التسطيح والابتذال و”الإسفاف”، نربأ بالأردن والأردنيين عن الوصول إلى حضيضها.

حكومة شفافة تقول لنا بلغة الأرقام التي لا تقبل الشك والطعن، ما نحن فيه وعليه، من أين نشتري النفط وبكم نبيعه وكم تتحصل الخزينة منه على شكل ضرائب ورسوم...كيف نما الدين العام وأين صُرف، لم هذا العجز المتراكم للموازنة ومن المسؤول عنه، من المسؤول عن التعيينات الفاسدة بالجملة والمفرق، وما الغرض منها، وكيف تمت المحاسبة عليها، حكومة تعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة كأساس لبناء العقد الاجتماعي الجديد، وكمصدر وحيد للحقوق والواجبات، حكومة تعمل لفترة انتقالية، أقصاها ستة أشهر، تنتهي بإجراء انتخابات عامة ونزيهة، عادلة وشفافة وتمثيلية، بقانون مختلف (بكل تأكيد) وبمشاركة الجميع، لكي تصبح الانتخابات تتويجاً فعلياً لمسار الإصلاح السياسي، لا أن تكون جزءا من المشكلة وسبباً للتأزيم، لننتهي إلى برلمان قوي وممثل لإرادة الشعب الأردني بكل مكوناته، تنبثق عنه حكومة تحظى بثقة الشعب، تكمل ما بدأته حكومة الإنقاذ، وتعمل على استكمال أجندة الإصلاح وخريطة الانتقال للديمقراطية...حكومة قادرة بما تحظى به من دعم في الشارع، أن تقود الأردن إلى ضفاف الأمن والأمان.

من دون أن يكون هناك “مخرج” سياسي من هذا الاستعصاء، سيزداد الوضع تعقيداً وتأزيماً، وإذا كنا لا نريد التعلم من دروس “الربيع العربي”، فلا أقل من أن نتعلم من دروسنا الخاصة، وتجربة الأيام الخمسة الفائة ظهّرت بالملموس، ، على أن للأمن فضاؤه وللسياسة فضاؤها، فإن تغوّل أحدهما على الآخر، كانت الطامة الكبرى..وفي لحظات التحول التاريخي كتلك التي تمر بها بلادنا، ما أحوجنا لكثير من الساسة والسياسيين، لاسيما أولئك الذين يدركون، أن ليس في الوقت متسع لكثير من المماطلة والتسويف، وأن الأردن يقترب بسرعة من “المجهول” الذي طالما حذر من الانزلاق إلى مغاليقه، كثيرٌ من العقلاء والغيورين على مصلحة البلاد ومصائر العباد.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news