قراءة نقدية في رواية غاردينا
جو 24 :
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة نقدية في رواية غاردينا
الكتاب : رواية غاردينا
المؤلف :أ.د.عبد الرزاق بني هاني
عدد الصفحات :231
الناشر: دار فضاءات للنشر
الطبعة الثانية2017م
ليس غريباً على الأستاذ الدكتور عبد الرزاق بني هاني رجل الاقتصاد بالدرجة الأولى والسياسي والأكاديمي ، أن يبدع في هذه الرائعة السياسية التي تسلط الضوء على النظام السياسي في دول العالم الثالث وما يتخلله من فساد ورشوة ومحسوبية بشكل ظاهر .
إذ وضع الكاتب يده على مكمن الجرح العربي بكل سلاسة ورشاقة من خلال توظيف أحداث وشخصيات من الماضي تجسد الحاضر، حاضر الأمة العربية المأزوم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وهذا يؤكد أن الكاتب ما هو إلا لسان حال أمته لا يمكن له أن ينفصل عن واقعه .
يمكنني القول أن هذه الرواية تندرج تحت السخرية السياسية المبطنه السخرية من العقول العربية المتحجرة التي تعرف مكمن الخلل وتتجاهله إما بإرادتها أو رغماً عنها .
يتنقل الكاتب في سرد الأحداث عن طريق الشخصيات ليبث مجموعة من الأفكار والقيم التي يفتقدها العالم العربي مثل : الحرية الفكرية الطليقه الرافضة للاستعباد مثلاً . كما تكشف الرواية عن كثير من الأمراض والآفات المنتشرة مثل سياسة التجهيل والطغيان ، التشوهات الاجتماعية والفكرية والثقافية الناتجة عن فساد الأنظمة من خلال توظيف مجموعة من الأساليب الفنية المنوعة مثل : الصور والتضاد والحوار والتناص وكذلك الرمزية ، واعتقد ان الأسلوب الرمزي الصدامي الذي ظهر في الرواية قد يخفى على العامة دون النخبة ، فالنخبة المثقفة تستطيع فهم الكثير من تلك الدلالات الرمزية .
يدور موضوع الرواية حول الأوضاع السياسية المضطربة في دول العالم الثالث ، وتتفرع منه أحداث ثانوية متعددة تبرز الزمان والمكان بحيث يشعر القارئ وكأن هذه الرواية صالحة لكل مكان في الوطن العربي ، إذ يعمد الكاتب إلى الوصف التفصيلي للأحداث من خلال تصويره للبيئة المجتمعية ، وبذا تكون نظرة الكاتب نظرة شمولية مستمدة من خبراته الشخصية أي (الذاتية) ومن واقعه المحيط ، فتركز على أحداث وطبائع وعادات وأزمنة حدثت منذ القدم وما زالت مستمرة وعليه فإن الكاتب يعمد إلى الإسهاب في كثير من التفاصيل لتسليط الضوء على كثرة الأحداث التي تعج بها (غاردينا) ليجسد من خلالها تطور الفساد وتتبع نشوئه وما ينتج عنه من تبعات في قالب إبداعي بالغ التعقيد ، تلتقي فيها الشخصيات بكل أنماطها الاجتماعية السياسية والاقتصادية لتخلق للكاتب مساحة كافية يتنقل من خلالها بحرية ليطرح قضية الفساد السياسي والاقتصادي والإداري المتفشي بين خلايا الدولة بطريقة تبدو في البداية سهلة إلا أنها في النهاية يصعب الخلاص منها ، إذ تتطور الأمور والأحداث بطريقة تقود الدولة إلى كثير من الديون الخارجية التي تكبلها بالاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مما يؤدي إلى التبعية للدول العظمى والتي يصعب الخلاص منها فيما بعد ، فتصبح الأحداث أكثر تعقيداً وتحاول الشعوب الثورة على الأوضاع السائدة بهدف الإصلاح ولكن تتطور الأوضاع بشكل معاكس وينتج عنها نشوء دولة (ارياستيكا) وإقامة معسكرات أجنبية على ارض غاردينا لتصبح هذه المعسكرات أماكن للاعتقال والتعذيب ، وفي النهاية وبعد تفاقم الأمور تحاول الملكة منيعة النهوض بمملكتها عن طريق الإصلاح ، ولكن دون جدوى فالمحاولات الفردية للإصلاح لا تنجح لان الفساد في غاردينا أصبح مستشرياً فهو فساد مؤسساتي يصعب التخلص منه ، هذا من جانب ومن جانب آخر ، لا يمكن للدول الغربية السماح للدول النامية التحرك باتجاه الإصلاح لأن مثل هذه الحركات تتعارض مع مصالحها الاستعمارية .
وبالانتقال إلى الشخصيات فيمكنني القول بان شخصيات الرواية شخصيات متعددة تجذب القارئ لأنها محملة بالمخاوف والآمال فلكل شخصية نقاط ضعف وقوة ، ولكل منها هدف تحاول تحقيقه في الحياة ، فالأحداث تسير مع الشخصية أو ضدها وتخلق نوعاً من التحدي بصور متعددة مبرزة الصراع .
أما الزمن ، زمن الرواية الذي يقدم الأحداث وتدور فيه الشخصيات كحقبة زمنية محددة ظاهرياً إلا أن القارئ المتمعن يجد أن زمن الرواية غير محدد بل صالح لكل زمان . أما المكان فقد برع الكاتب في وصفه ليخلق جواً من التعايش بين المتلقي والأحداث التي تتصاعد لتظهر ذروة الصراع بين الشخصيات وخصومها ، ليخلق نوعاً من التشويق .
في النهاية أرى بان الرواية ما هي إلا تشكيل للحياة ، تعتمد على مجموعة من الأحداث التي تعرض من خلال الشخصيات المتفاعلة مع الحدث والزمان والمكان لتبرز وجهة نظر الرواي .
(فغاردينا) رواية جديدة تميزت بأنها رواية منفردة أخذت شكلاً كتابياً يحمل نظرة واعية للجانب السياسي في دول العالم الثالث فالعرب اليوم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الوعي ، من خلال إعادة قراءة الماضي لتؤمِّن للإنسان العربي وجوده أمام الآخر ، (فغاردينا) الوردة المتفتحة ستبقى أشواكها عالقة في حلوق الأنظمة السياسية الظالمة والمستبدة والفاسدة .
د.اروى محمد ربيع
جامعة جرش