هذه المرة
هذه المرة، العدو بيننا، من أبناء جلدتنا، يتحدث "لكنتنا”، يشبهنا كثيراً، على الأقل، من حيث الشكل والمظهر الخارجيين … لذا فهو أشد خطراً، ومواجهته أكثر صعوبة، وتستوجب أعلى درجات التعبئة والاستنفار.
هذه المرة، العدو يضرب في عمقنا، في داخلنا، انتظرناه متسللاً عبر الحدود، فإذا به يمتشق سلاح الإجرام في عقر دارنا، لكأنه يريد أن يذكرنا بالقول الذائع: من مأمنه يؤتى الحذر.
هذه المرة، العدو ليس ذئباً منفرداً، بل خلية منظمة، خططت ورسمت واستحضرت كل ما لديها من أدوات الإجرام … هذه المرة، العدو لا يكتفي بعمل استعراضي سريع، من نوع إطلاق "صلية” سريعة على موقع أمني أو تفجير سيارة مفخخة عند أقاصي الحدود … العدو يتنقل بالقتل حاملاً معه الموت والخراب، على مسافة تزيد عن الستين كيلو متراً.
هذه المرة، العملية مختلفة، العدو يستهدف مدينة لها مكانتها الرمزية في تاريخنا السياسي الحديث، فهي العاصمة السياسية "المصغرة”، للأردن، وهي المدينة التي خرجت عدداً وافراً من رجالات الدولة والمجتمع … ثمة رسالة لا يجب أن تخطئها العين هنا، ما يستوجب رفع منسوب الحذر واليقظة والتوحد والاستعداد للمواجهة.
بضع ساعات، كانت كافية لتذكيرنا بكل ما يتعين فعله، بكل ما توجب القيام به، وصرفتنا عنه يومياتنا، حكومة ومجتمعا وأجهزة وإدارات … لم نعد نمتلك ترف التلهي والانشغال بأعمالنا المعتادة، العدو لم يعد يكتفي بالوقوف عند الباب، لقد دخل إلى غرف نومنا، وهنا، هنا بالذات، ستدق ساعات العمل.
قد يقال إنها "ضربة مقفي” وإن "نجم” الإرهاب الذي دمر سوريا والعراق، في طريقه للأفول … هذا صحيح من حيث البنى المؤسساتية و”الجغرافيا الداعشية”، لكن الإرهاب مبثوث بيننا، في مختلف مجتمعات المنطقة، يعيش بيننا وتحت جلدتنا، يأكل من طعامنا ويشرب من شرابنا، ويتحدث بلكناتنا، التحدث هنا لا يقل خطورة، بل أشد خطورة بكل المقاييس.
وقد يقال، إن الإرهاب الذي يتقهقر على غير ساحة، من سرت حتى الموصل وحلب، يبحث عن ساحات جديدة، يفرد فيها عضلاته، وهذا صحيح أيضاً … بيد أن الصحيح كذلك، أنه لن ينجح في فعل ذلك، إن لم يجد من يدعمه ويساعده، ويوفر له البيئة الحاضنة فكرياً واجتماعياً، فالحذر الحذر.
أيها الأردنيون:
ليس الوقت للفزعات … الوقت من دم، واليقظة مطلوبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى … ستقرؤون كثيراً خلال الأيام القادمة عن "المواطن الخفير”، هذه ليست عبارة نستحضرها لبضعة أيام في أعقاب كل جريمة إرهابية، هذا دليل عمل ونهج حياة وسلوك متحضر، يعبر عن المواطنة الحقيقية.
لن تتمكن أجهزة الأمن والاستعلام، مهما بلغت فاعليتها من الإحاطة بكل شيء علماً … نحن من يتعين عليه أن نستكمل هذا الدور … أجدر بنا أن نسجل كل يوم "بلاغ خاطئ” لا أريد أن أقول "كاذب” من أن نبقى على ترددنا في الإبلاغ عن أية مظاهر مريبة، أو سلوك غير طبيعي … لا يجب أن نخشى الاتهام "بالهوس” و”الفوبيا” ونحن نرصد سلوكاً غريباً لهذا أو ذاك، علينا المبادرة بالقيام بدورنا على أتم وجه.
على الآباء والأمهات مراقبة سلوك أبنائهم وبناتهم، على العائلات مراقبة سلوك الجيران، خاصة الذين يلوذون بأحيائنا لبناء "قواعد” استناد خلفية لهم، كما حصل في القطرانة، لم نعد نمتلك ترف "عدم التدخل”، لم نعد نمتلك ترف القول: "شو خصنا”.
أرادوها حرباً على أمننا واستقرارنا، ارادوها مواجهة في عقر دارنا، أرادوها طعنة في صدورنا، فليكن لهم ما أرادوا، وسيثبت الأردنيون والأردنيات مرة أخرى، أنهم جديرون بالحياة، وأنهم سينتصرون في حربهم على "الطاعون” … سيثبت الأردنيون والأردنيات، أنهم هم من سيدفن الإرهاب قبل أن يعيث فسادا وخرابا في أرضهم، لقد تعلموا دروس الجوار القاسية، ولن يسمحوا أبداً، للأيادي المجرمة السوداء، أن تعبث بمنجزهم الحضاري والثقافي والإنساني.