jo24_banner
jo24_banner

دراي كلين

ماهر أبو طير
جو 24 : تذهب الى الدراي كلين، وتسلم ملابسك، وكثيراً ما يتم فقدان بعضها، والعامل العربي في محل الدراي كلين يتهرب من اسئلتك حول ملابسك، ويكون في حالات قد سلم قميصك الى شخص آخر، مقنعا اياك انك لم تحضره اصلا، والمثير ان من تسلم قميصك، لا يعيده ابدا.

ذات مرة في القمة العربية في الرياض، وكنا نغطي اخبارها ضمن وفد اعلامي اردني، اخرجت في اليوم الاخير قبيل انتهاء القمة، احدى البدلات من اجل لباسها، والبنطال اذ تلبسه لا يدخل الا الى الركبة، فتكتشف انه بنطال من بدلة طفل من ذات لون بدلتك.

لا تعرف كيف خلط العامل بين «الجاكيت» من بدلتك و»البنطال» من بدلة طفل، ومن ذات اللون، واذ تعود الى عمان يقنعك صاحب المحل ان هذا بنطالك، واصدِّق روايته، واقول انني كبرت فجأة، او ان البنطال صغر من هول قرارات القمة العربية؟!.

فكرة الدراي كلين غريبة، لانك تسلم ملابسك بكل ما فيها من هموم وتعب وحكايات، فيتم خلطها مع ملابس العشرات غيرك، في آلة واحدة، ورغم انه يتم غسيلها، الا ان عليك ان تتخيل ماذا نقلت من هموم نفسك الباقية على ملابسك، الى ملابس غيرك، وماذا نقل لك الاخرون من حكاياتهم وهمومهم ورغباتهم الى ذات ملابسك؟!.

هنا تبدو فكرة الغسيل وهمية، فالغسيل شكلي، وطاقات الغضب والفرح الباقية في الملابس لا تزول بالغسيل ابدا، مهما ظن المرء ذلك.

ذات مرة، دخلت الى محل دراي كلين، والعامل العربي ايضا، ينام خلف الكاونتر، وقد فرش على الارض اكثر من خمسة اغطية لزبائن، سلموه اياها لغسيلها، وقد حولها الى فراش ارضي يمسح به البلاط، باعتبار انه سيتم غسيلها في نهاية المطاف.

في محلات الدراي كلين، ملابس ملونة، هذا فستان سهرة لسيدة، لم تعد لاخذه منذ شهور، ربما لان السهرة لم تتم، وهذه بدلة لعجوز رحل الى العالم الاخر، ولم يعد لاستلام بدلته، وهذا قميص مكوي بأناقة وقد حفر صاحبه اسمه عليه، بما يشي انه مستوزر او صاحب مال.

الملابس المعلقة تكشف لك اذواق البشر، وقبلها حكاياتهم في هذه الحياة، والناس قد لا يجتمعون في الايام العادية، لاعتبارات كثيرة، من حب وكراهية، تقارب وتنافر، غير ان ملابسهم المعلقة بجانب بعضهم تجمعهم قهرا.

الملابس قد يتم غسلها عبر الدراي كلين، غير ان الضميرالبشري اذ اتسخ، فلا يفلح معه «الدراي كلين» ولا كل مستحضرات التنظيف.
تابعو الأردن 24 على google news