المخدرات في زمن كورونا بين جحيم الإدمان وفرصة التعافي
يرى خبراء ومختصون أن أزمة كورونا قد تكون سببا وفرصة لتعافي بعض مدمني المخدرات ممن كانت لديهم الرغبة السابقة للتخلص من شبح هذه الآفة الذي طالما لاحقهم اجتماعيا ونفسيا وجسديا.
وأضاف هؤلاء الخبراء لوكالة الأنباء (بترا)، إنهم يرون العكس تماما لمن أصابهم هوس الإدمان على المخدرات؛ إذ تعتبر أزمة كورونا كارثة حلت على رؤوسهم بسبب شح المادة المخدرة في ظل إغلاق طرق المتاجرة بها، وصعوبة الحصول عليها بسبب الحجر المنزلي وحظر التجول والانتشار الواسع للأجهزة الأمنية.
استاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة قالت إن الانقطاع المفاجئ للشخص المدمن لفترات طويلة عن المخدرات دون رغبة أو قناعة مسبقة منه بالتحرر والإقلاع عن هذه الآفة يعتبر امتناعا قسريا سيؤدي إلى إصابته بحالة نفسية وعصبية شديدة تؤثر عليه وعلى باقي أفراد الأسرة الذين يعيشون معه، ويخلق حالة من التوتر والمشاكل خاصة في فترة الحجر المنزلي وحظر التجول. وأضافت، ان المدمن الذي لا يجاهر بإدمانه ستنكشف حالة الإدمان التي يعاني منها أمام عائلته في فترة حظر التجول والحجر المنزلي، لأنه سيمر بتغيرات جسدية ونفسية تؤدي إلى اعترافه بحاجته للمادة المخدرة، مشيرة إلى أنه قد يتصرف بعنف مع من هم حوله ويكسر حظر التجول، بل يكون مستعدا لارتكاب الجريمة سعيا للحصول على المخدرات لكي يستطيع إكمال حياته بشكل طبيعي غير مكشوف للآخرين.
وترى أن المدمنين غير محظوظين بالحجر المنزلي وحظر التجول، فمجرد انقطاع الدخان عن البعض أحدث حالة من الفوضى والقلق، فكيف بمدمن المخدرات الذي تظهر عليه علامات انسحاب المادة من جسمه بالتأكيد سيكون وقعها كبيرا عليه.
وعن الأشخاص الذين كانت لديهم الرغبة في ترك المخدرات والإقلاع عنها وينتظرون فرصة مناسبة؛ قالت الرواشدة، إن هذه الفترة هي الأنسب لابتعاد المدمن عن رفاق السوء وشح المادة المخدرة، بالإضافة إلى أن الأصدقاء والأقارب وحتى الجيران لن يلاحظوا عدم وجوده في المحيط في حال رغبته بتلقي العلاج، بسبب الحجر المنزلي وحظر التجول وعدم وجود زيارات متبادلة. وأوضحت، أن هذا يعني إمكانية علاج المدمن بشكل سري ومكتوم، منوهة الى أن أسرة المدمن ستتمتع بخصوصية عالية في هذا الظرف، خاصة أن المؤسسات القائمة على رعاية المدمنين لا تشهد ضغطا عاليا هذه الفترة بسبب التوجه لمحاربة فيروس كورونا والوقاية منه. ودعت الرواشدة الأسرة الى أنه في حال اكتشاف حالة إدمان عند أحد أفرادها، الى اللجوء إلى الجهات المختصة برعاية المدمنين، فهناك دعم حكومي لا يتوقف، وهم على استعداد لتقديم المساعدة دائما، لافتة إلى عدم قدرة مدمن المخدرات على ترك هذه الآفة بشكل مفاجئ وإنما يكون تحت إشراف أطباء مختصين يقللون الجرعة تدريجيا عنه إلى أن يتخلص الجسم منها نهائيا. وأشارت إلى أن الحجر المنزلي يعرفنا على عادات أبنائنا ومشاكلهم التي لم نكن نعلم بها لعدم قضاء وقت كاف معهم؛ كعادة التدخين أو التعثر الدراسي وغيرها الكثير، ما يحتم علينا متابعتهم ومراقبة سلوكياتهم لمساعدتهم في تخطي مشاكلهم بطريقة سليمة. بدوره قال استاذ علم الجريمة والعميد المتقاعد الدكتور رياض الصرايرة إن الجريمة الداخلية في مثل هذه الأزمات تشهد انخفاضا ملموسا، أما الجرائم التي لها خيوط خارجية كتجارة المخدرات فإنها تجد من هذه الأزمة فرصة لها لانشغال الجميع في مواجهة هذا الوباء، داعيا الى تكثيف الرقابة على المنافذ الخارجية خاصة الجهات الشمالية والشرقية للمملكة من قبل الأجهزة الأمنية كما اعتدنا ذلك منهم دائما. وأضاف، إن بعض المدمنين يقومون بتأمين أنفسهم بكميات من المادة المخدرة فيتعاطونها بشراهة بسبب الحجر المنزلي ولتواصلهم الكبير مع رفاق السوء عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقد ثبت علميا وجود أنواع من المخدرات تسبب هوسا للمتعاطي إذا أدمن عليها تؤدي به إلى الجنوح والتصرف بطريقة لا واعية، وهنا لا يمكن الاستغناء عن دور الأسرة والأجهزة الأمنية في المراقبة، خاصة على من تعاطوها سابقا وتعافوا منها فقد تكون هذه الأزمة فرصة للرجوع للإدمان. ولفت الصرايرة إلى أن هذه الأزمات تشهد ارتفاعا في ممارسة العنف الأسري من أصحاب النفوس المريضة ضد الشباب والأطفال والمرأة، لذا قد يجنح البعض الى تعاطي المخدرات كوسيلة للتخفيف عن نفسه من آثار العنف الممارس عليه إذا كانت البيئة مساعدة لذلك، منوها الى أن البحوث العلمية أثبتت وجود قلة قليلة من النساء يلجأن للمخدرات نتيجة العنف، عكس الشباب والأطفال فهم معرضون لذلك أكثر إذا توفرت لهم الظروف. من جهته قال الخبير الأمني الدكتور بشير الدعجة، على الرغم من وضع الأجهزة الأمنية جل اهتمامها لاحتواء فيروس كورونا إلا أنها مستمرة في واجباتها الرسمية والرئيسة تجاه الضبط القضائي والضبط الإداري، خاصة مكافحة المخدرات وتتبع هذه المادة والحد من انتشارها وتعقب مروجيها ومتعاطيها.
وأضاف، ان أزمة كورونا ألقت بظلالها على تجار المخدرات وأبطأت من تحركهم، إذ لا يستطيعون الانتشار كما في السابق في ظل عزل المحافظات عن بعضها، وبالتالي إذا كان هناك انتشار للمخدرات في هذه الفترة فهو محصور داخل المحافظة الواحدة وبشكل قليل جدا، وانتشار الأجهزة الأمنية انعكس سلبيا كذلك على تجار هذه المادة وترويجها كالسابق وصعوبة الحصول عليها من متعاطيها. ولفت الدعجة إلى أن المدمن في هذه الفترة سيقوم بأعمال شغب داخل المنزل وافتعال المشاجرات في المنطقة التي يعيش فيها، لذا لا بد من تسليمه للجهات المعنية والاستفادة من الخدمة التي تقدمها دائرة مكافحة المخدرات؛ إذ تقوم بمعالجة الشخص المدمن لأول مرة بالمجان في مراكزها الخاصة، وتتم معالجته بشكل نهائي دون تسجيل سابقة عليه، بالإضافة إلى عدم توديعه إلى القضاء، ناصحا المدمنين بمراجعة أنفسهم في هذه الأزمة وجعلها فرصة للشفاء من المخدرات التي يعتبر خطرها عليهم أكبر من خطر الفيروس.
--(بترا)