ما قصة الطفل “المختفي” في الصين مع أسرته منذ ربع قرن؟
قبل ربع قرن اختفى ثاني أهم شخص لدى سكان التبت مع أسرته ولا يعرف أحد حتى الآن مصيره رغم المناشدات والحملات الدولية التي تدعو السلطات الصينية الى الكشف عن مصيره.
ففي 17 مايو/ أيار من عام 1995 احتجزت السلطات الصينية الصبي كدهون تشويكيي نييما عندما كان في السادسة من عمره مع أسرته وحتى الآن لا يعرف العالم مصيرهم سوى ما قالته السلطات الصينية للدبلوماسيين البريطانيين قبل سنوات عديدة.
ويعتبر نييما من أبرز ضحايا الاختفاء القسري حول العالم ولا توجد له سوى صورة واحدة عندما كان في السادسة من العمر ويظهر فيها طفلا ذو خدود وردية ووجه لا تبدو عليه أي تعابير.
ونييما الآن في الحادية والثلاثين من العمر وقد أخفته السطات الصينية بعد ثلاثة أيام فقط من تسميته بانشن لاما، ثاني أهم شخصية في الديانة البوذية في التبت. ومنذ ذلك الوقت لا تتوفر معلومات مستقلة عن مصيره.
ويقول ممثل حكومة التبت في المنفى في لندن سونام تسيرينغ فراسي إنهم لا يشعرون بأي تفاؤل وهو شعور يمكن تفهمه لدى أنصار نييما. وتؤكد واقعة إخفاء نييما حقيقة أن بمقدور المسؤولين الصينيين إخفاء اشخاص تماما دون أن يكون لذلك تبعات سواء عليهم أو على بلدهم.
وتسعى مجموعة العمل الخاصة بالاختفاء القسري التابعة للأمم المتحدة منذ ربع قرن إلى معرفة مصير نييما لكنها لم تتوصل لأي نتيجة حتى الآن.
وقالت المجموعة قبل أسابيع من حلول الذكرى الخامسة والعشرين لاختفائه لـ بي بي سي "لقد ردت الحكومة الصينية على مطالباتنا عدة مرات لكنها لم تقدم معلومات كافية عن مصيره ولا تزال القضية معلقة”.
وفي عام 2013 طالبت المجموعة بزيارة الصين لهذا الغرض لكن الحكومة الصينية لم ترد على الطلب حتى الآن حسب ما جاء في التقرير السنوي للمجموعة لعام 2019.
وأعربت المجموعة عن أملها في تلقي رد ايجابي من الحكومة الصينية رغم أنها غير متفائلة كثيراً. ورغم أن الصين لم تفصح عن الكثير حول مصير نييما حتى الآن، لكن هناك أسباب تقف وراء رغبتها في إخفاء الصبي الذي كان في السادسة من عمره.
فحسب الديانة البوذية في التبت يأتي بانشن لاما في المرتبة الثانية بعد دالاي لاما الذي فر من الصين عام 1959 في أعقاب احتلال الصين للتبت. وأصبح دالاي لاما منذ ذلك السلطة البديلة لسكان التبت الرافضين للسيطرة الصينية على المنطقة الواقعة على سفوح جبال هيمالايا.
وترجح بعض التقديرات أن الصين لا تريد أن يتمتع بانشن لاما بنفس السلطات ويصبح عقبة أخرى تعرقل حكمها للتبت. وبعد اختفاء نييما اختارت الصين بانشن لاما آخر يحظى برضاها ولا يعارض حكم الصين للتبت. ويعتقد كثيرون أنه هو الذي سيختار أيضاً الدالاي لاما المقبل عند وفاة الحالي.
رواية الصين المتغيرة
خلال السنوات الماضية قدمت الحكومة الصينية بعض المعلومات حول وضع بانشن لاما المفقود حتى لو كان ذلك في سياق إنكار ما يقال في الخارج حول هذه المسألة.
وبعد اختفائه مباشرة أبلغت الحكومة الصينية مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة أنه "ليست هناك حالة اختفاء واختطاف لعائلة الطفل المتجسد”. وقالت ان هذه رواية ملفقة تقف وراءها "جماعة دالاي لاما”.
وفي العام التالي أي عام 1996 تغيرت الرواية الصينية. وقالت الصين إن بعض "النفوس الضعيفة” حاولت تهريب الصبي إلى الخارج ولذلك طلب والداه توفير حماية له وهو ما كانت تقوم به الدولة.
وقالت الصين إن الصبي على الرغم من الحماية الأمنية التي يتمتع بها يعيش هو وأسرته حياة طبيعية ولا يريدون أن يزعجهم أحد، وهو أمر دأبت على تكراره منذ ذلك الحين.
ومن حين لآخر ألمحت الحكومة الصينية إلى أنه ليس كل شيء على ما يرام.
ففي عام 1998 أبلغت مجموعة العمل أن والدة بانشن لاما كانت تقضي عقوبة بالسجن ولا يعرف حتى الآن أسباب سجنها أو المدة. ومن حين إلى آخر قدمت مصادر أخرى معلومات حول هذه القضية.
في عام 2000 قال روبن كوك، وزير الخارجية البريطاني آنذاك إن الصين عرضت على المسؤولين البريطانيين صورتين لصبي قالت إنهما لبانشن لاما المفقود. وأظهرت إحدى الصور صبياً يلعب بكرة الطاولة وفي الثانية ظهر الصبي يكتب حروفاً صينية على السبورة. وسمح للبريطانيين برؤية الصور دون أن يسمح لهم بالاحتفاظ بهما.
وفي لقاء آخر أخبرني مسؤولون تبتيون خلال رحلة للتبت عام 2007 أن بانشن لاما المفقود يرغب في العيش بسلام ولا يريد أن يعكر أحد صفو حياته.
وأخر خبر عن مصير بانشن لاما جاء من الحكومة الصينية قبل عامين. فقد قالت مصادر في حكومة التبت في المنفى إن الحكومة الصينية اخبرت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة أن بانش لاما يعيش حياة عادية ويعمل.
ورفضت الحكومة الصينية إعطاء أي معلومات إضافية لكاتب هذه السطور.
"أخذوه هو وأسرته”
وقال البروفيسور جيريمي ساركين الذي عمل في مجموعة عمل الأمم المتحدة ما بين عامي 2008 و2014 إن الصين أخفت بانشن لاما في انتهاك صارخ لمبادئ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وقال: "إن الكلمات التي يستخدمها الصينيون لا يمكن أن تغير الواقع. لقد أخذوه هو وأسرته، ويجب أن يسمح لنا بالتحقق من سلامته”.
وقال البروفيسور، الذي يعمل حاليا في جامعة نوفا في لشبونة، إن تجنب الصين الاعتراف صراحة بما فعلته ليس بالأمر غير العادي، إذ لا توجد دولة تريد الاعتراف بأنها تخفي موطنيها قسراً.
وأوضح ساركين قائلا إنه لا يوجد شيء يمكن أن يقوم به أي شخص بشأن اختفاء بانشن لاما وهناك أدوات ضغط قليلة يمكن اللجوء إليها.
وقال الخبير في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في لندن روبرت بارنيت والذي يتابع أوضاع التبت منذ فترة طويلة، إن السياسات القمعية للحكومة الصينية في التبت تحظى بدعم معظم مواطنيها.
وأضاف قائلا: "إن الحكومة الصينية لم تنجح في كسب رضا أبناء التبت، ولكن هذا ليس مهماً إذا اعتقد 1.4 مليار صيني أنها على حق”.
لكنه أوضح أن الزعماء الصينيين لن يشعروا أبداً بالراحة والتمتع بسيطرتهم على التبت. "إنه حكمهم لها هش، سيعيشون باستمرار في خوف من انهيار النظام بأكمله”.
وقد يكون الأمر كذلك، ولكن هذا دليل على مدى سيطرة الصين بشكل تام على التبت لدرجة أن الحكومة التبتية في المنفى عاجزة عن تقصي الاخبار عن نييما عبر مصادرها الخاصة. وقبل عامين، قال دالاي لاما إن لديه "معلومات موثوقة” بأن بانشن لاما لا يزال على قيد الحياة ولا معلومات جديدة منذ ذلك الحين.
وقال سونام تسيرينغ فراسي إنه لا يمكنهم فعل أكثر من التمسك بصورة الصبي عندما كان في السادسة من العمر. وأكد أن التبتيين يعلقون هذه الصورة في الأديرة والمنازل خارج الصين وسيبقى محور الصلوات والتبجيل والأمل لديهم في أن يتمكنوا يوماً من رؤية الرجل الذي أبصر النور ليكون بانشن لاما.