jo24_banner
jo24_banner

جهات خفية

ماهر أبو طير
جو 24 : في الذهنية العربية،فاعل مبني للمجهول دوماً،وهذا الفاعل يتم تحميله فوق احتماله،والفرق البارز بين الذهنية العربية وتلك الغربية،ان الثانية ُتسمي الاشياء بأسمائها ولاتبحث عن اشباح لاتهامها كل يوم.

اذا وقعت مشاجرة في جامعة،او بين عائلتين قيل ان هناك جهات خفية،تلعب بين الطلبة او الناس،واذا وقعت مشاجرة في مدينة او قرية او مخيم قيل ان هناك ايد خفية تعبث في هذه المواقع،واذا انخفضت مؤشرات البورصة قيل ان هناك رؤوس خفية تريد تدمير السوق المالي،واذا تأخر المطر،قيل ان هناك جهات خفية استمطرت الغيم قبل وصوله الينا،واذا لم يحصل احدنا على موقع او وظيفة اتهم جهات خفية ايضا بملاحقته واستهدافه لمنعه من فتح الاندلس مجدداً.

اذا لم ينجح الرئيس المصري محمد مرسي في مهمته لالف سبب،خرج في خطابه الاخير ليقول ان هناك جهات خفية تلعب ضده،واذا واجه سلفه تمردا من الشعب المصري خرج ليقول ان هناك قوى خفية تريد تدمير استقرار مصر،واذا اختفى البنزين من محطات الوقود في مصر،قيل ايضا ان هناك شخصيات خفية تريد هز الاستقرار،وبث الفوضى.

اذا وقعت مشاكل في تركيا بين الحكومة والمعارضة على خلفية حديقة تقسيم خرج الخطاب الرسمي ذاته ليتحدث عن مؤامرة خفية،وعن تسلل جهات خفية تلعب في تركيا للاطاحة بالنظام،ولاتتم تسمية هذه الجهات،كما في النماذج السابقة التي لاتسمي ايضا اي جهة خفية،بل تتركها ُمعوَمة،لانها في الاغلب لاتعرف هذه الجهات،ولانها ايضا اخترعت الفاعل المبني للمجهول هنا،كمهرب من تحديد المسؤوليات.

حين تقع مواجهات بين فتح وحماس،او بين اي فصائل فلسطينية،يتم استدعاء ذات الفاعل المبني للمجهول،عبر الكلام عن جهات خفية تحاول شق الفلسطينيين،وهدم وحدتهم،ولااحد يسمي ايضا الاشياء بمسمياتها،وهذا المتهم،اي الفاعل المبني للمجهول جاهز عربيا لرمي كل الاثقال على كتفيه،فما اعرض كتفي هذا المجهول الخفي،ومااصبره على الاتهام؟!.

اذا اختلف الرجل مع زوجته،اتهما لاحقاً وبعد التراضي،شخصاً ما،بضربهما عيناً تعبيراً عن الحسد،وصاحب العين هنا خفي ومبني للمجهول،واذا لم تنجح تجارة احد،اقنع نفسه ان هناك جهة خفية في السوق تسعى لتدميره،واذا لم ينجب رجل اعتقد وزوجته ان هناك عملا سحريا خفيا،منع الانجاب،وان هناك جهة خفية تسعى لقطع ذريته المباركة،اعتقادا ان المهدي قد يأتي من سلالته.

مابين السياسي والاجتماعي،الفردي والجمعي،تكتشف أننا الأمة الأكثر علاقة بالأشباح،لان اغلبنا يعتقد دوما ان هناك طرفا خفيا يلعب دورا في حياته او في بلده او في امته،وهي ثقافة غريبة لاتعرف من اين يتدفق نبعها،ولااساس الاتكاء الدائم على فاعل مبني للمجهول،يترك –للمفارقة- كل الامم وكل الافراد ويتسلط فقط على العرب،امة ودولا،افرادا وانظمة،سياسة واقتصادا،بيوتا ومؤسسات،شوارع وجلسات؟!.

الشعوب الاخرى الاكثر تطورا تعمد الى العقل والرياضيات لتفسير كل شيء،فيما اغلبنا يعمد دوما الى خطاب تبريري بائد يعتمد على الغيبيات واتهام طرف آخر لايعرفه شخصيا،باستهدافه،بل يقوم باختراعه حتى يرتاح باتهامه اياه،وتحميله مسؤولية الخطأ والفشل الفردي او الجماعي.

سياسات الدول واعتقادات الافراد،يجمع بينهما معتقد واحد يقول ان هناك دوما جهات خفية تلعب دورا في ،ورسم السياسات،ولااحد يفسر لك قدرة هذه الجهات الخفية الاسطورية التي تمتد الى الملايين الهادرة،شعوبا وافرادا وانظمة،عبر هذا التأثير غير المسبوق على حياة الجميع،والادهى هنا انسياقنا وراء تأثيراتها الوهمية وتصديقنا اياها.

اشباح مسكينة تم تحميلها فوق قدراتها،ولو نطقت لطلبت منا حقها وحقوقها الاعتبارية عن هذا الارث الطويل من الاتهامات غير المثبتة،وعن هذه الوظيفة التي وجدت نفسها فيها عنوة،ودون اجر في اغلب الحالات. (الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news