jo24_banner
jo24_banner

هل يقر «النواب» التعديلات أم يردّها كما فعل في العام 2012؟

هل يقر «النواب» التعديلات أم يردّها كما فعل في العام 2012؟
جو 24 :
كتب: عمر المحارمة - 

 

على نحو غير مبرر زجت الحكومة بتعديل غريب ضمن تعديلات قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، الذي سيناقشه مجلس النواب اليوم.. التعديل يعتبر نشرَ المعلومات الكاذبة من جرائم الفساد، ما يمنحَ الهيئة صلاحيات منع سفر من تحدث أو كتب عن الفساد وحجز أمواله والتحفظ عليه، شأنه شأن كل مرتكبي أعمال الفساد.

ورغم تعديل اللجنة النيابية المشتركة لصيغة النص الوارد من الحكومة، إلا أن نص المادة 16 من القانون تكشف عن ذهنية عُرفية، تريد أن تقطع الحديث عن الفساد والفاسدين، بحجة الإضرار بالسمعة والنيل من المكانة الاجتماعية، وهي أفعال مجرمة في عدّة قوانين نافذة، الأمر الذي يمكن أن يسبب إرباكات قضائيّة بسبب تعدد التشريعات التي تتناول حق السمعة.

إذ نصّت المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر على حظر نشر «ما يشتمل على ذم أو قدح أو تحقير للأفراد أو يمسّ حريّاتهم الشخصيّة أو ما يتضمن معلومات أو إشاعات كاذبة بحقهم»، فيما عرّف قانون العقوبات أفعال الذم والقدح والتحقير، وشروط وقوعها في المواد 188 و189 وجرّمت المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونيّة «كل من قام قصدًا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات، تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص».

وفي ضوء كل هذه النصوص القانونية التي تحمي سمعة الأفراد والمؤسسات وتحفظ حقهم في ملاحقة المسيئين عبر القنوات القضائية، فما هو المبرر لإقحام هذا النص في قانون الهيئة، وكيف يمكن لعاقل أن يتقبل أن من يتحدث عن الفساد كمن يمارسه..؟.

الحقوقيون والصحفيون تحركوا في وقت مبكر لضمان عدم تمرير هذا التعديل وتحديدا الفقرة التي تعتبر «نشر المعلومات الكاذبة عن أي شخص طبيعي أو اعتباري أو أي من جهات الإدارة العامة» جريمة من جرائم الفساد، وحصل هؤلاء النشطاء على وعود بشطب هذه الفقرة، إلا أن اللجنة النيابية المشتركة (المالية والقانونية) بددت كلّ تلك الوعود وأقرت الفقرة مع إجراء تعديلات على صيغتها لا أكثر.

اللجنة المشتركة، قررت إجراء تعديلات شكلية على الفقرة 10 من المادة الثالثة من مشروع قانون معدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد –المادة 16في القانون الأصلي-، بالتأكيد على تجريم «كلّ من ينشر أو يتداول معلومات كاذبة عن أي شخص طبيعي أو اعتباري بقصد الإضرار بسمعته أو النيل من مكانته»، وهو تعديل شكلي لا يؤثر بالتركيبة العُرفية للنص الذي سيكون له آثارا كارثية على حرية الرأي في الأردن.

وفي الوقت الذي تركز مطالب المجتمع الأردني وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني على أهمية محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين كخطوة أساسية لتحقيق الإصلاح المنشود، يأتي هذا النص ليقلب المعركة بسنّ تشريع يحصّن الفاسدين من ألسنة الناس والصحفيين.

لا أحد يعلم الدافع خلف إقرار هذا النصّ في ظلّ وجود قانون العقوبات وقانون الجرائم الالكترونية، الكفيلة بملاحقة المسيئين لسمعة الشرفاء، ولا يمكن الغاية في وضع الهيئة بمواجهة مع الصحافة والمجتمع، أو فهم مبررات إضافة أعباء جديدة على هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، التي تعاني من حجم القضايا والملفات التي تحقق بها، في ضوء نقص كبير في الكوادر.

الغريب أن اللجنة القانونية في مجلس النواب مررت هذا النص في الوقت الذي ذهبت فيه الى الغاء نص مقترح يعتبر شراء الأصوات في الانتخابات من أعمال الفساد بحجة أن شراء الأصوات مجرم وفق قانون الانتخاب ولا حاجة لتكرار ذلك في قانون هيئة النزاهة، فهل يعقل ان يعتبر الحديث عن فاسد او تناول قضية فساد من اعمال الفساد فيما لا يعتبر شراء الاصوات من تلك الاعمال؟.

رئيس ديوان التشريع الأسبق الدكتور نوفان العجارمة قال ان «التعديلات المقترحة على قانون النزاهة ومكافحة الفساد تخالف الدستور في أكثر من موضع، وهناك صلاحيات قضائية عديدة منحت للهيئة وهي جهة إدارية لا تمتلك ضمانات استقلال القضاء وبالتالي ستواجه معضلات كبيرة في تطبيق القانون وتنفيذ الأحكام وفق التعديلات المقترحة.

ودعا العجارمة إلى مراجعة القانون بالمجمل، مشيرا إلى مطالعة قانونية كان قد تقدم بها تتحدث عن كافة التعديلات التي وردت في مشروع القانون.

وبخصوص تقييد حرية الرأي وفقا للتعديلات الجديدة لفت العجارمة الى أن النصوص المتعلقة بالتجريم والعقاب يجب أن تكون محددة في قوالب جامعة مانعة لا تحتمل التأويل وهنا لم يوضح القانون إن كان المقصود تجريم من يتهم أشخاص بالفساد، إن كان يشمل من يتهم ويقدم دليلا على اتهامه أم أن الأمر على إطلاقه.

وقال العجارمة أنه لم يذهب أي من فقهاء القانون إلى مواجهة انتهاك حق السمعة أو حق الخصوصية من خلال تشريعات مكافحة الفساد، لأن هذه التشريعات ليست مكاناً لتجريم أفعال الذم والقدح والإساءة إلى السمعة، التي تعاقب عليها تشريعات أخرى مثل قانون العقوبات.

من جهته عبر مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور عن خشيته من «مس هذه التعديلات بحرية الإعلام والحد من قدرته على كشف قضايا الفساد، معتبرا انه من غير المفهوم إقحام هذا النص المعدِّل للقانون، بخاصة وأن هناك قوانين أخرى تجرم نشر المعلومات الكاذبة والقدح والذم، ما يربك الإعلاميين والصحافيين أمام تعدد العقوبات ويزيد من القيود المفروضة عليهم، مؤكدا على ضرورة توخي وسائل الإعلام المصداقية في تغطية قضايا الفساد.

مجلس النواب سيناقش اليوم قرار اللجنة القانونيّة التي أقرت مشروع القانون مع إجراء تعديلات طفيفة عليه، فهل يقرّ المجلس هذه التعديلات، أم يردّها كما فعل في العام 2012؟.


(الدستور)
 
تابعو الأردن 24 على google news