المخلوع والمعزول والمؤقت
خيري منصور
جو 24 : جملة الالقاب التي أطلقت على رؤساء عرب جديرة بالدخول الى موسوعة جينس لأن منها ما يستغرق سطرين على الاقل، وفي أحد مؤتمرات القمة في بغداد قدم صدام حسين القذافي بنصف ألقابه ثم طلب منه ان يكمل البقية، لكن صدام ايضا ناء بحمولة من الالقاب شأن آخرين.
ان صفات من طراز المخلوع والمعزول والمؤقت لم تكن من معجم ألقاب الزعماء، ودخلت مؤخراً الى هذا المعجم الجديد، واكثر ما كان يوصف به زعيم يطاح به هو أن عهده بائد.
ويندر ان لم يتعذر على العالم ان يحصي في أي بلد عربي ثلاثة أو اربعة رؤساء سابقين أحياء لان الشعار السائد في ثقافة الاحتكار وتحريم التداول هو ما قاله الشاعر الجاهلي:
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
ومصر منذ ما يقارب ثلاثة اعوام تتردد فيها أوصاف جديدة للرؤساء بدءا من المخلوع حتى المؤقت مروراً بالمعزول، ولم تكن مجرد طرفة سوداء تلك التي رفعت على شعار يقول: يسقط الرئيس القادم دون معرفة به أو باسمه.
ان ما جرى حتى الآن من تفكيك للدولة، بدءاً من النموذج العراقي حيث كان الجيش هو الضحية الاولى لهذا التفكيك أتاح المجال لتحويل الدولة رغم عدم نضوجها في بعض الامثلة الى ميليشيات وطوائف وما أنجز من خصخصة على هذا الصعيد أصبح يهدد مستقبل الامة كلها، بحيث تحمل ديناميات القسمة والطرح في حاسوبها القومي بديلا لديناميات ومفاعيل تكاملية، فالطبعة الثانية من سايكس – بيكو ليست منقحة فقط، بل هي ملقحة بغبار طلع يليق بالأميبيا والدودة الشريطية اكثر مما يليق بشجرة النخل الخالدة.
والافراط في اغداق الالقاب على رؤساء بحيث يوصفون بالضرورة والالهام والهبة الالهية والعبقرية كان لا بد ان ينتج افراطا مضاداً في أوصاف تتنافس على الهجاء وان كانت صفة الخلع مستعارة من قاموس المحاكم المدنية بعد ان اصبح للمرأة حق في خلع زوجها اذا توفرت الاسباب وكأن الزعماء ازواج لشعوبهم.
ان الانعكاس الاشد خطورة لهذه الكوميديا السياسية هو تربوي بامتياز على اجيال تنشأ بين متناقضات ومن هتف بخلود وأبدية الزعيم الضرورة سمع ابنه يهتف بسقوطه ويطالب باعدامه.
انها حقبة فريدة في تاريخ بدأ يأكل نفسه، وعلى جغرافيا تتعرض للقضم عبر كل حدودها، لان الخلل ليس سياسياً بقدر ما هو بنيوي ثقافي وتربوي!!
(الدستور)
ان صفات من طراز المخلوع والمعزول والمؤقت لم تكن من معجم ألقاب الزعماء، ودخلت مؤخراً الى هذا المعجم الجديد، واكثر ما كان يوصف به زعيم يطاح به هو أن عهده بائد.
ويندر ان لم يتعذر على العالم ان يحصي في أي بلد عربي ثلاثة أو اربعة رؤساء سابقين أحياء لان الشعار السائد في ثقافة الاحتكار وتحريم التداول هو ما قاله الشاعر الجاهلي:
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
ومصر منذ ما يقارب ثلاثة اعوام تتردد فيها أوصاف جديدة للرؤساء بدءا من المخلوع حتى المؤقت مروراً بالمعزول، ولم تكن مجرد طرفة سوداء تلك التي رفعت على شعار يقول: يسقط الرئيس القادم دون معرفة به أو باسمه.
ان ما جرى حتى الآن من تفكيك للدولة، بدءاً من النموذج العراقي حيث كان الجيش هو الضحية الاولى لهذا التفكيك أتاح المجال لتحويل الدولة رغم عدم نضوجها في بعض الامثلة الى ميليشيات وطوائف وما أنجز من خصخصة على هذا الصعيد أصبح يهدد مستقبل الامة كلها، بحيث تحمل ديناميات القسمة والطرح في حاسوبها القومي بديلا لديناميات ومفاعيل تكاملية، فالطبعة الثانية من سايكس – بيكو ليست منقحة فقط، بل هي ملقحة بغبار طلع يليق بالأميبيا والدودة الشريطية اكثر مما يليق بشجرة النخل الخالدة.
والافراط في اغداق الالقاب على رؤساء بحيث يوصفون بالضرورة والالهام والهبة الالهية والعبقرية كان لا بد ان ينتج افراطا مضاداً في أوصاف تتنافس على الهجاء وان كانت صفة الخلع مستعارة من قاموس المحاكم المدنية بعد ان اصبح للمرأة حق في خلع زوجها اذا توفرت الاسباب وكأن الزعماء ازواج لشعوبهم.
ان الانعكاس الاشد خطورة لهذه الكوميديا السياسية هو تربوي بامتياز على اجيال تنشأ بين متناقضات ومن هتف بخلود وأبدية الزعيم الضرورة سمع ابنه يهتف بسقوطه ويطالب باعدامه.
انها حقبة فريدة في تاريخ بدأ يأكل نفسه، وعلى جغرافيا تتعرض للقضم عبر كل حدودها، لان الخلل ليس سياسياً بقدر ما هو بنيوي ثقافي وتربوي!!
(الدستور)