2024-04-24 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

قلب من عقيق

ماهر أبو طير
جو 24 : لا كائن حساس في الدنيا مثل الأم،ولا يكفيك ان تترضى عليك بلسانها فيما قلبها غير راض عنك،ولا تستغرب الا من اولئك الذين يسترضون مدراءهم وزوجاتهم لكنهم لا يفكرون ابداً باسترضاء الامهات.

هذا على الرغم من ان الام لا تتكرر في الحياة،وكل شيء عداها قد يتكرر مثنى وثلاث ورباع،دون سقف نهائي!.

ما من انفصام في الحياة كما تحسس الزوجة من عطفك على امك،على الرغم من ان الزوجة هنا أم وتريد من جهتها ان تبقى ذات مكانة ودلال عند اولادها،وهذا انفصام عز نظيره،لان الامومة واحدة،ولا تتجزأ ابدا،ومامن انفصام ايضا الا عطف الزوجة على امها،وتركك لتهمل امك!.

رُوي أن رجلاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ظل يعاني سكرات الموت ثلاث ليال ،فذهبت زوجته تشكو إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلة : لا هو يبرئ فنستريح ولا هو يموت فيستريح ولا هو قادر على نطق الشهادة !فقال : أين أُمه ؟ فحضرت فسألها عن حاله،فقالت : من المصلين الذاكرين، فقال لست عن هذا أسأل ما بينك وبينه ؟ فبكت وقالت: أخاف أن أكذب عليك فينزل وحي يفضحني,أما قلبي فعليه ساخط ،فسألها لِم ؟ فقالت :الوجه الضاحك لزوجته والوجه العابس لي وحلو الكلام لها والكلام الجاف لي وحلو الطعام والثياب لها وما تبقى بعد اختيارها لي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أحضرو ناراً لأحرقه ،فصرخت:لا يا رسول الله ولدي فِلذة كبدي،لا تحرقه فأني فديته بنفسي فقال:هذا ما أردت فمن دون [رضاك] لن يشم ريح الجنة ! فقالت: أشهد الله وملائكته أني سامحته وأحب له الجنة، فأرسل الرسول جماعة من الصحابة إليه ليتفقدوه فلما دخلوا عليه تهلل وجهه ونطق بالشهادتين ثم فاضت روحه إلى بارئها.

نص هذا الحديث جميل للغاية،وعلى الرغم من قيام علماء بتضعيفه لاعتبارات مختلفة،الا انه لم يتم رفضه كليا،وسبب التضعيف يعود الى تهديد النبي بالتعذيب بالنار والحرق،وأعتقد ان هذا يأتي من باب المجاز،وليس لأن النبي يستحل حرق ابن المرأة أو تعذيبه بالنار.

عثرات كثيرة نقع فيها بقصد او دون قصد،اذ ترى كثيرا ما يرد الشخص الكلام على أمه،الكلمة بكلمتين،ويجادلها بعصبية ويتندر على بعض أخطائها،او يلومها فقط على ما فعلته ولم تفعله،او يرد بسوء في وجهها عند اي كلمة او رأي قد يصدر من امه،فيما لايجرؤ على ذلك مع شرطي السير،ولا مع زوجته،او جاره او شريكه في العمل،ولا مع عابر الطريق.

الام اذا كبرت في العمر،والاب،يعودان مثل الاطفال،بحاجة الى رعاية ودعم ومساندة عاطفية قبل المال،وتعجب ممن يدرك والده او والدته وقد كبرا في العمر،ولم يرد لهما دينهما على الاقل من باب ما فعلاه وهو طفل.

الاية القرآنية في سورة الاسراء..(وقضى ربك ألا تعبدو إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما،واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا).

علينا ان نلاحظ ان هناك تذكيرا الهيا بالوالدين حين يكبران بالعمر تحديدا،والسر الاخر في الاية الكريمة يتعلق بكون الدعاء لله لهما بالرحمة مربوط بتذكيرك بأنك تطلب الرحمة لهما كما فرداها عليك وانت صغير،فلا فضل منك وهما صاحبا الاولى،في هذه الدنيا،والاخرة ايضا.

تتأمل حال كثرة،اذ ينفقون كل مالهم على بيوتهم،وما تبقى من عشرة دنانير قد يضعها في يد أمه،فيبقى الرجل مدينا غارقا،لابارك الله له،ولو حاول بعضنا ان يجعل امه في رأس التزاماته بدلا من آخرها،لانقلبت حياة كثيرين،وهذا امر يعرفه من استنارت عقولهم وبصائرهم،وتسمع دوما من يقول انه غارق وغير قادر على مساعدة أمه او والده،ولو تحدث هذا بصراحة لكان السر في بدء حياته باهمال والديه،فكانت النتيجة حاله اليوم.

قلب الام مبارك،ومن عقيق وياقوت،والخاسر ذاك الذي نام ليله الطويل،وامه على مقربة منه،تشعر بالظلم والاسى والعقوق بدرجاته المختلفة،لان بعض درجاته ناعمة وينزلق عبرها كثيرون.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news