jo24_banner
jo24_banner

عودة روسيا إلى المنطقة

أسعد العزوني
جو 24 :

تشير كافة المعطيات على أرض الواقع، ومنذ تفجر الأحداث في سوريا قبل أكثر من سنتين ،ضمن ما يطلق عليه "الربيع العربي"، إلى أن المارد الروسي نهض من تحت الركام بعد سلسلة من الأحداث العالمية التي سجل فيها خسارات كبيرة بسبب تغييبه عن الصورة بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي وتفككه ،وأول خسارة تعرض لها ، هي ضياع العراق وإنتهائه لقمة صائغة تحت الضرس الأمريكي على صورة غزو مسلح أدى إلى الإحتلال.
وثاني خسارة كانت ضياع م.ت.ف. بتوقيعها إتفاقيات أوسلو وسيرها في الفلك الأمريكي الذي لا مكان فيه إلا لإسرائيل ذات اللوبيهات المؤثرة والتي تعد صانعة القرار في الولايات المتحدة.
جاء ذلك بعد ضياع مصر ،وقيام الرئيس السادات بطرد الخبراء السوفييت من بلاده ،وتقديم هذه الخطوة الإستراتيجية هدية بدون ثمن إلى واشنطن،وقال وزير خارجية أمريكا آنذاك " العزيز"هنري كيسنجر معقبا على ما فعله السادات:لم أر في حياتي أغبى من الرئيس السادات! وعندما سئل :لماذا؟أجاب :لو أن السادات ساومنا على هذه الخطوة لأعدنا له الضفة الغربية وسيناء.
بعد "الربيع العربي"وإنتقاله إلى ليبيا حليفة موسكو ،حسم الأمر بإخراج هذا البلد من الفلك الروسي ،بقيام حلف الناتو موجها من قبل أمريكا بطبيعة الحال ،بقصف العديد من المواقع الإستراتيجية الليبية التي تعد أكثر من مهمة بالنسبة للعقيد القذافي ،ما جعل الأحداث في ليبيا تنتهي إلى ما إنتهت إليه،ويتم إغتيال القذافي لشطبه نهائيا من المشهد الليبي بعد أن أوصت وزيرة خارجية امريكا آنذاك هيلاري كلينتون الحكام الليبيين الجدد بإحضاره ميتا ،بعد أن أخبرتهم بمكان وجوده.
يبدو أن الرئيس بوتين لم يتخيل أن بإستطاعته خسارة مواقع إستراتيجية أخرى له في الشرق الأوسط،مع قلتها ومحدوديتها،لذلك إستنفر بكل ما يمتلك من مهارات وإمكانيات ،ودعم النظام السوري وتمترس معه في نفس الخندق ،ومارس ديبلوماسية جديدة على العالم نفذها وزير خارجيته لافروف ،أربكت واشنطن وصانع القرار في البيت الأبيض ،الذي كان ينهض من ضربة جزاء ،إلى " جول "مباشر في الشبك الأمريكي،وهذا ما يفسر ظهور أوباما بهذه الصورة من الضعف إزاء مجريات الأمور في سوريا ،ولعل آخر هدف روسي في الشبك الأمريكي كان مؤتمر جنيف 2 الذي تتلهى به الإدارة الأمريكية ،بعد أن أرداها السلاح الكيماوي الروسي وأوقعها مغشيا عليها.
لو إستعرضنا كافة جوانب الإستراتيجية الروسية التي أقرها الرئيس بوتين ونفذها وزير خارجيته لافروف ،لوجدنا أنها مدروسة من كل زواياها ومصممة على تحقيق النجاح وعد م الفشل أو توقعه ولو بنسبة 1%،والتفرج على الخصم الأمريكي وهو يتخبط بغبائه لا يعرف كيف يتصرف ،أو كيف يرد على الهداف الروسي الذي أمطر شباكها أهدافا مشروعة .
قبل الغوص في التفاصيل ،أستطيع الجزم أن الرئيس بوتين تمترس ليس خلف الرئيس السوري فقط، بل غرس أقدامهه وأظافره وأسنانه في لحم خصمه دفاعا عن قاعدته البحرية في طرطوس بمحافظة اللاذقية ،والتي في حال خسارتها ،لن يكون بمقدوره العودة أو حتى التفكير بها إلى منطقة الشرق الأوسط.
وحري بالذكر أن من كان يفكر بالنصر على خصمه من القوى العالمية الكبرى" الإمبراطوريات" عبر التاريخ ،كان يجتهد للوصول إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط الشرقية على وجه الخصوص،وهذا ما يفكر به الرئيس بوتين،الذي حافظ على قاعدة طرطوس بعد أن ترآى للجميع سقوط وإنهيار النظام السوري بأكمله،لكن الأمور إختطت منحى آخر بعد ظهور تنظيم جبهة النصرة وأكلة لحوم وأكباد وقلوب البشر وآخرها السلاح الكيماوي الذي كان ظهوره في ذلك التوقيت ضربة معلم.
أما العامل الآخر الذي مكن الرئيس بوتين من الصمود وتحقيق النصر في الشرق الأوسط ،فهو تحالفه مع إيران تلك الدولة القوية الغنية المنتجة التي تعرف كيف تدافع عن مصالحها،وهذا التحالف منح الرئيس بوتين العديد من المزايا ولا أظنه أخطأ في الإختيار ،ولذلك لم يخسر كما كان الحال بالنسبة لعلاقاته مع الدول العربية التي كانت محسوبة على الفلك السوفييتي ،علما أن حكامها كانوا يزورون موسكو ويشتمون أمريكا ولسان حالهم يقول :إسمعونا أيها الأمريكيون.ولذلك كنا نرى موسكو غير جادة في التعامل معهم لعدم ثقتها بهم.
من الأمور التي لا بد من الإتيان عليها في معرض الحديث عن النصر الروسي في الشرق الأوسط هي فشل أمريكا الذريع في المنطقة وإنحيازها الكامل لإسرائيل،ونهبها للثروات العربية ،والأهم من ذلك كله هو إفتقارها إلى إستراتيجية مدروسة للتعامل مع المنطقة وقضاياها ،والتخيل المطلق أن القوة هي النهج الوحيد الذي يطوع المنطقة لأمريكا،ناهيك عن قيامها وبشكل متواصل بتنفيذ سياسة عرجاء تقوم على التجريب في المنطقة ،فإن اصابت هنا ،نقلت تجربتها إلى هناك ،وإن اخطأت تجرب طريقة أخرى وهكذا دواليك.
بعد ثبات روسيا في سوريا وحماية النظام السوري من الإنهيار ،ها هي موسكو تغزل نسجها في مصر السيسي الذي يقف موقف العداء من واشنطن ،بسبب دعمها للإخوان المسلمين ورفضها الإنقلاب بهذه الصورة .
وحسب ما هو متداول فإن هذا الغزل الروسي تمخض عن تحالف جديد بين القاهرة وموسكو ،معزز بإتفاقية لتسليم الجيش المصري بقيمة 4 مليارات دولار دفعتها دولة خليجية يرجح انها العربية السعودية التي باتت تململ من السياسة الأمريكية التي لانت لطهران مؤخرا وأحبطت كل الخطط العربية والإسرائيلية تجاه إيران.
وعلاوة على ذلك فإن القاهرة عرضت على موسكو بناء قاعدة حربية بحرية إما في السويس أو بور سعيد ،وأظن أن ذلك هو الكنز الذي لم تكن موسكو تحلم به ،وهو جرة العسل المصفى الذي سيستمتع الرئيس بوتين بتذوقه منتشيا بنصره على أمريكا في المنطقة.
آخر تجليات الرئيس بوتين هي دعمه العلني لرئيس السلطة الفلسطينية ،ووصمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بالكذب في حين اكد أن رئيس السلطة الفلسطينية صادق في رغبته بتحقيق السلام ، ويجب التنويه أن الرئيس بوتين رئيس دولة عظمى ،في حين أن نتنياهو رئيس وزراء دولة فاعلة في العالم لا يجرؤ أحد على إنتقاده ،وهذا مؤشر سيتبعه ما هو أكبر من ذلك.
أختم بالقول أن الأردن أدرك المعادلة الجديدة وإتجه إلى موسكو وكانت البداية إرساء مشروع المفاعل النووي عليها ،كما أن العربية السعودية تلمح إلى تقاربها مع عدوها اللدود موسكو.والسؤال :ماذا عن العراق ؟

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير