jo24_banner
jo24_banner

سفارة لندن وحكومتها

ماهر أبو طير
جو 24 : الحكومة البريطانية قررت فتح ملفات جماعة الاخوان المسلمين في بريطانيا،ورئيس الحكومة البريطاني يخضع لضغوط عربية ودولية لفتح هذه الملفات ومحاصرة الجماعة في المملكة المتحدة سياسيا وماليا،على الرغم من سلميتها المعروفة. «ديفيد كاميرون» مستعد لفعل اي شيء،فالمهم ان لايُجفف العرب نفطهم ومالهم وصفقاتهم واستثماراتهم في مربط خيلنا الشهير.
هذا انموذج على تقلب السياسات في الدول،وقبل شهور فقط،كانت السفارة البريطانية في عمان تتباحث في غرفها المغلقة حول مستقبل الاخوان المسلمين في الاردن،والمفترض ان رأي واستخلاص السفارة السياسي يمثل لندن،ويتطابق مع توجيهاتها. نصيحة السفارة كانت تتلخص بضرورة منح الفرصة للاخوان المسلمين للمصالحة مع الدولة آنذاك واستيعاب الاسلاميين،مادام الربيع العربي قد مر،والدولة ليست تحت ضغط احد،فيما الاسلاميون ذاتهم سيسارعون لهكذا مصالحة وفقا لرأي السفارة في عمان.
هذا رأي سفارة لندن في عمان،واستخلاصها الاساس دبلوماسياً،وهو استخلاص مؤكد هنا،ونصيحة البريطانيين آنذاك لم يتم التوقف عندها،ولا التعامل معها،بل تم تجنبها تماما من عمان الرسمية التي استمعت اليه بهدوء،وهي ترتشف القهوة الصباحية.
كانت الحيرة تضرب السفارة آنذاك حول عدم قبول عمان الرسمية لهذا الرأي,واصرار عمان على تبني سيناريو تثبيت الجماعة وفقا لمساحتها الحالية،دون حلها،او اعادتها للحضن،وكانت السفارة تعتقد ان «الحكمة غائبة» عن سماء عمان.
المفارقة ان ذات الحكومة البريطانية التي تمثلها سفارة لندن في عمان،عادت وتخلت عن حالة «المساكنة السياسية» مع جماعة الاخوان المسلمين في بريطانيا،ولهم مراكز نفوذ ودور نشر ورموز ونشاطات تمويلية،ومساحة جيدة مغطاة قانونيا.
هي مساحة لم تقترب منها لندن كما فعلت ضد جماعات القاعدة،وحركات اخرى مثل المهاجرين،وغيرها من جماعات في بريطانيا،والسبب معروف فالجماعة غير عنيفة،وتميل الى الدعوة والوسائل السلمية،مهما قيل في تشويه سمعتها من خصومها.
هذا يعني ببساطة ان رأي اي سفارة غربية في عمان،قد لا يكون مقدسا ولا عميقا في بعض الحالات،والانموذج المطروح يدل على ان السفارة قرأت المشهد المحلي هنا بطريقة،فيما الذي جرى فعليا على مستوى حكومتهم في توقيت لاحق اختلف تماما عن رؤية السفارة المبكرة لما يجب ان تكون عليه العلاقة بين دولة وجماعة سياسية.
المقارنة هنا بين جماعة الاخوان في عمان،وجماعة الاخوان في لندن،والطرف المشترك لندن الرسمية،والسؤال المطروح بقوة لماذا يراد ان تتجاوب العواصم السياسية مع نصائح العواصم النافذة في الشؤون المحلية اذا كانت هذه السياسة تتقلب كل فترة؟!.
يأخذنا كل هذا الى امرين،اولهما ان الاتصال السياسي بين الدول يكون احيانا اقوى بكثير من اتصال ممثلي هذه الدول بالعواصم التي يعملون فيها،وهذا يعني ان ما تعرفه عمان ولندن معا ومباشرة،قد لا تعرفه سفارتهم هنا في عمان.
هذا يفسر كثيراً حالات تجاوز الاراء السياسية والنصائح التي قد يتم اطلاقها بوسائل مختلفة من جانب الهيئات الدبلوماسية.
ثانيها،ان الاتكاء في العمل السياسي على معادلات دولية،امر مؤذ لأي طرف،لان هذه المعادلات متقلبة،فالذي معك اليوم،ويتبنى حيوية المساحة لك لكونها حقا لك قبل أن تكون منّة من احد،قد ينقلب عليك غدا وعلى كل الجماعة الام.
القصة قصة مصالح مدارة في هذا العالم،وهذا يفرض اعادة النظر في معادلات العمل السياسي في العالم العربي،بحيث تكتسب قوتها الاولى والاخيرة،من محليتها وشروطها،وليس من اي تغطيات محتملة.
العالم الذي انصاع امام قوة الاخوان المسلمين خلال السنين الفائتة،باعتبارهم خيارا شعبيا،لا يمكن التلاعب به،عاد وانقلب ضدهم ببشاعة،عربيا وعالميا،وفي الاردن كنا نصيح لفرط المحبة طوال سنوات،ان الجماعة على نبل فكرتها الاسلامية،عليها ان تتذكر خصوصيتها الاردنية،بحيث تكون هذه الخصوصية مأمنها من تقلبات العالم.
كنا نتلقى الحجارة على هذا الرأي ويتم رجمنا اناء الليل واطراف النهار،باعتبار ان الراجم يجاهد ويكسب ثوابا في تأديب المخالف.
يقال كل هذا الكلام على محمل اعادة التذكير ان كل الذين هللوا للتغيير في العالم العربي من الغرب تحديدا،عادوا وانقبلوا ضد الجماعات التي حصدت التغيير او عملت لفرضه ديموقراطيا،باعتبارهم خيارا للشارع.
هذا يفتح الباب لاسئلة جديدة حول التغيير المفترض في العالم العربي،الذي يجب تحصينه من عبث الخارج من جهة،ومنع رعايته السياسية ايضا من الخارج،لانه سيكون مهددا في الحالتين،والعبث أو الرعاية من الخارج متساويان من حيث النتيجة على تناقضهما الظاهر.
هذه هي «عقدة التغيير» التي تقول انك لست وحدك في هذا العالم،أكان الذي امامك صديق يحميك،ام عدو سن انياب خصومته،او صديق يتحول فجأة الى عدو دون سابق موعد،وكل هذا يقول ان التغيير وحساباته يجب ان يخضع لادارة جديدة عنوانها تسييل المحلية بطريقة مختلفة،ووفقا لمنهج جديد،فالعبرة مهمة جداً.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news