jo24_banner
jo24_banner

عقوبات شايلوك

ماهر أبو طير
جو 24 : أكثر من ربع مليون شخص في الأردن تتم مطاردتهم من جانب التنفيذ القضائي، وأغلب هؤلاء على قضايا مالية من الكمبيالات والشيكات مرورا بقروض المصارف، وصولا الى قضايا الأجرة من نفقة الطلاق وإيجارات البيوت وغير ذلك.
وأغلب هؤلاء أيضا ليسوا مجرمين، ولا أرباع مجرمين، ولا هم متخصصون في النصب والاحتيال، إذ أن الأغلبية منهم متعثرة ماليا، وعاجزة عن السداد.
الفرق كبير بين العاجز عن السداد، وذاك المحتال، أو الذي يدَّعي أنه عاجز عن السداد.
مئات آلاف القضايا في المحاكم على خلفيات مالية هذه الأيام، وآلاف السجناء في السجون تم توقيفهم على خلفيات مالية أيضا، والوضع الاقتصادي في الأردن يشتد صعوبة، وسيزيد عدد العاجزين عن سداد التزاماتهم، يوما بعد يوم، من قرض المصرف، مرورا بقسط السيارة، وصولا الى ماهو أعلى وأكبر.
سجن المَدِين او غير المسدِّد لا يحل مشكلة، لأنه مفلس ولا مال بين يديه، وكأننا هنا نقتطع لحمه الحي، فلا يسدد الدَّين، وكلما خرج أعاده صاحب الدَّين مجددا الى السجن، أسمع عن قضايا يمضي أصحابها أعمارعم في السجون على قضية أجرة منزل، كلما خرج، عاد بحكم جديد، فلا يسترد صاحب المال ماله، بل يدمر المَدِين بما يفوق دَيْنه اساسا، وتصبح المشكلة مركَّبة معقَّدة.
دَيْن وسجن وخراب بيت، وتشرد اطفال، وربما طلاق وجوع، وفساد اخلاقي ينخر اسرة الغائب، فأين العدل في هكذا عقوبات جائرة؟!
مئات آلاف البشر في الاردن عليهم ديون شخصية ايضا، ولا تتم ملاحقتهم اصلا إلا بمكالمات واتصالات، ولو تم إدراج هؤلاء على قائمة المطلوبين لما بقي في الاردن احد غير مطلوب للتنفيذ القضائي، لكنها رحمة الله تتنزل على الناس، لأن أغلبهم يعرف أنه لا سيولة في البلد، ولا حلول.
سجن المَدِين ليس «مرْجَلة» في حالات كثيرة، لأن سجنه من جانب الدَّائن، فيه قسوة ، على طريقة «شايلوك» الذي حاول استرداد دَيْنه من لحم المَدِين وفقا لرواية «تاجر البندقية» التي ابدعها شكسبير، وكأننا امام عقوبات شايلوك النافذة حتى يومنا.
هذه مطالعة نضعها بين يدي النواب والحكومة لإعادة النظر في كل التشريعات القانونية التي تبيح سجن العاجز عن الوفاء بالتزاماته، وتبيح سجن المَدِين، واغلب الدول التي تحترم نفسها لا تسجن المتعثر، لأنه سجْنه لن يمنحه فرصة للسداد، ما دام في السجن، ولأن سجْنه يدمر عائلته، لحظتها يكون الدَّائن استرد ديونه الف ضعف، جراء الاثار السلبية التي تسبب بها دَيْنه، وربما من العدل لحظتها ان نحاكم الدَّائن لا المَدِين.
لابد من تغيير العقوبات في القوانين والتشريعات التي تخص القضايا المالية، ولابد هنا من ايجاد حلول اخرى، ولاندعو هنا لضياع الحقوق، ولا لاستغلال التوجه للاحتيال على الناس اذا اصبحت القضايا المالية بلا عقوبة سجن.
هي دعوة مباشرة لورشة قضائية برلمانية حكومية بشراكة جهات اقتصادية مختصة للبحث في كل هذا الملف، لأن البلد يتراجع اقتصاديا، وبعد قليل سيكون الاردن نصفين، نصف في السجن، ونصف آخر بعضه يزور السجين، وبعضه الآخر، يلاحق السجين!!
في السجون اليوم مئات الازواج الذين انفصلوا عن زوجاتهم، يتم سجنهم على قضايا نفقة لأجل مبالغ تافهة، والمفارقة أن الزوجة التي تريد أن تنتقم وبحسب إجراء تقصير الطليق، لاتعاقبه فقط على تقصيره المالي، بل تدِّمر اولاده وبناته، بأن تضع الأب في السجن، وتمنع ايضا الطليق من البحث عن فرصة عمل او آفاق للحياة لتحسين وضعه، والوفاء بالتزاماته.
لحظتها أين العدل في عقوبات تتنزل على الانسان، وتضرَّه اضعاف ما يستحق من عقوبة اساسا، وهل هذه العقوبات عادلة اصلا، خاصة في سني الرَّمادة هذه التي نعبرها ولا نرى لها نهاية في هذا البلد؟
لعل هناك من يسمع ولا يشيح ببصره، باعتبار أن هذا ملف ليس مهما!!.



MAHERABUTRAIR@GMAIL.COM


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news