jo24_banner
jo24_banner

خيمة اللجوء الأولى !

ماهر أبو طير
جو 24 : أول خيمة للجوء أقامها لاجئ فلسطيني إلى سورية أو لبنان أو الأردن، لم تكن مجرد خيمة، والذين سكتوا من العرب على كارثة الشعب الفلسطيني، باعتبار أن الحل يكمن في الخيمة، كانوا بين التواطؤ وقصر النظر.
السكوت الفعلي على كارثة الفلسطينيين، وتشردهم واحتلال بلادهم، وهم بلا قدرة و سلاح منذ عام النكبة وما قبلها، انتج المخيمات الفلسطينية في كل مكان، وكثرة من «العرب الرسمية» اعتبرت ان الشرَّ لحظتها لا يخصها، ويتنزل على الفلسطينيين وحدهم، باعتبارهم عدو الاسرائيليين، وكأن هؤلاء بلا بصيرة، خاصة حين تورطوا بإلحاق «العرب الشعبية» الى رؤيتهم..
خيمة اللجوء الاولى لم تكن مجرد خيمة لصاحبها، اذ كانت حجر الاساس لكل تلك المخيمات التي نراها اليوم لشعوب عربية شقيقة، من العراقيين اللاجئين في كل مكان، في ديارهم الى غيرها، مرورا بالسوريين، وغيرهم من شعوب عربية، اضطروا لتكنيك «الخيمة» لمواجهة اللحظة.
هذا لا يعني أن الشعوب العربية دفعت الوزر وثمن الفرجة على خيمة اللجوء الاولى، و لا نقصد أن لليتيم الفلسطيني وزرا، باعتباره لا يستحق القهر، لكننا نقصد ماهو أعمق.
السكوت على الاحتلال وعلى إسرائيل التي ابتلي بها الشعب الفلسطيني، وترك إسرائيل لتتعاظم وتزداد قوة، فيما الفلسطينيون يفتتحون المخيمات الواحد تلو الآخر، كان سكوتا مدفوع الثمن لاحقا، فإسرائيل التي اشتد عودتها عادت وعبثت سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا بكل الشعوب العربية التي ظنت انها ستنجو لأنها بعيدة نسبيا عن مرمى النيران الإسرائيلية.
قامت بتوظيف كل الامكانات لشطر الشعوب والدول على اساس سياسي ومذهبي وطائفي، بمحركات سياسية ودينية وإعلامية واقتصادية، والنتيجة ان اللعنة المصبوبة على الفلسطينيين، لم تعد حكرا عليهم، والذين اغمضوا عيونهم عن اللعنة الأولى، باعتبارها لاتخصهم مباشرة، أعادت الايام، تصحيح ابصارهم.
اللعنة امتدت، وكل عربي اليوم، مؤهل لأن يعيش في خيمة ايضا، ويحمل صفة «لاجئ» هنا أو هناك، تحت اي عنوان، وها نحن نرى ملايين الخيم في كل مكان، والفلسطيني الأكثر فهما لمعنى الخيمة بين العرب.
ربما مصيبة الفلسطيني أخف وطأة على صاحبها، لأن تشرده واقامته لخيمة ذات يوم، كان بسبب الاحتلال، مباشرة، فيما خيمة الشقيق العربي، كانت بسبب عبث دول كثيرة بشكل غير مباشر، والسبب المباشر هذه الكراهية الوطنية والمذهبية والعرقية التي تفجرت وكشفت أيضا أبشع ما فينا من أمراض جاهلية.
اللاجئ بسبب الاحتلال مباشرة، يرى في اللجوء نضالا وصبرا وتبريرا، غير أن اللاجئ خوفا من الشقيق وابن العم والجار، يشتد خوفه أضعاف مضاعفة، ولا يحتمل كلفة اللجوء لأن قاتله الظاهر من جلدته ودمه، وان كان المحرك غير الظاهر هو ذات الذي شرّد الفلسطيني ذات يوم أغبر.
ليس من العدالة ان يتمنى الفلسطيني لأهله العرب ذات المآلات، أو يشمت بمد مصيبة اللجوء، فهذه نار غير أخلاقية تحرق صاحبها وتسلبه مشروعية فلسطينيته، ومن مصلحة الفلسطيني وأخلاقه أن يبقى العربي آمنا قويا، وليس من مصلحته ولا من دينه ولا أخلاقه أن يتمنى اللجوء لكل العرب حتى يذوقوا مرارة كأسه، باعتبار أن العالم العربي أمسى مخيما مفتوحا، ففي هذه ثأرية مريضة.
ترك المحتل لينصب الخيمة الأولى، لم يكن فعلا راشدا، ففي تلك الخيمة كان حجر الأساس، لتخريب كل المنطقة وتدمير شعوبها، وتشريدهم وتحويل مشرقنا الى مخيم مفتوح، يسكنه ملايين اللاجئين الحاليين، وملايين اللاجئين المقبلين على الطريق، وبينهما فريق ثالث قد لا يحظى حتى بخيمة.
خيمة اللجوء الأولى، كانت حجر الأساس، لملايين الخيم، في بلاد العرب، ولشتى الأسماء والقبائل والأعراق والوجوه والأديان والمذاهب والملل، والذي ذاق مرارة الخيمة الأولى، لا يتمناها لشقيقه، لكنه يقول له أيضا، إن سكوته على سكب تلك المرارة في ذاك الفم الاول، كان مدخلا، لسقاية أمة بأكملها.
أيا كان إعرابك لخيمة اللجوء، فهي عصية على الأعراب...ملعونة لغويا ومضمونا و وجدانا.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news