jo24_banner
jo24_banner

صوت العقل القادم من تركيا!

حلمي الأسمر
جو 24 : كان بودي أن انقل بالحرف الواحد بيان رئاسة الشؤون الدينية التركية، الذي صدر بالأمس، تعقيبا على ما يشهده العالم الإسلامي من تنازع، وفتن، تنأى بالأمة عن قيم الإسلام، وتسامحه، وتؤسس لعهد جديد من التناحر الداخلي، الذي لا يفضي إلا إلى مزيد من إضعاف الأمة وإنهاكها، وتقوية عدوها الأزلي، إسرائيل ومن والاها، سواء كانت الحكومة التركية نفسها أو غيرها من الحكومات!
في ديباجة البيان، رؤية تستحق النظر، خاصة حينما تعتبر التصريحات المتضمنة لعبارات العنف المتبادَل في إطار هذه الوتيرة، والبيانات الجهادية، والتهديدات الموجَّهة لتدمير الأماكن المقدسة، وعمليات خطفِ الأشخاص وقتلهم؛ بمثابة الهزات الأولية للكوارث الضخمة التي شارفت على الوقوع، في حين يؤكد في النقطة الأولى بعد الديباجة، على أن الهوية الإسلامية تسمو على كل أنواع الانتماءات المذهبية والاجتماعية والسياسية، مستذكرا تحريم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المساس بأرواح الناس ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، إضافة إلى أنه لا يمكن لأي شخص أو جماعة أن تعلن الحرب على معتقد أي شخص أو قيمه وأفكاره. وينبغي للجميع أن يكون لهم الحق في العيش بحرية على أراضيهم بالطريقة التي تتناسب مع تراثهم التاريخي. ويجب أن يُنظَر إلى أي موقف أو تصرف عكس هذا الاتجاه على أنه عنصر راغب في إحداث الفتنة في هذه الأراضي موطنُ السلام والأمان»..
إن روح التسامح الحضارية هذه، نكاد نفتقدها في الخطاب الإسلامي المعاصر، رسميا كان أو شعبيا، فهو إما اتسم بالشطط والتطرف، أو التهاون والتفريط، وبين هذا وذاك، يبرز الخطاب التركي الراشد، الذي يرى «أن هناك فتنة كبرى في النظر إلى الاختلافات بين أهل السنة وأهل البيت، الفريقين اللذين ظهرا في إطار التطور التاريخي للإسلام، على أنها عداوة بين الجانبين، وتطوير استراتيجية صراع سياسي يومي من خلال هذا المفهوم الخاطئ. فأهل السنة وأهل البيت ينتمون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يمكن قبول الادعاء الذي يقول إن هذين العنصرين يعيشان صراعًا فيما بينهما، ومن ثم الدفاع عن هذه الفكرة» كما «لا يمكن بأي حال من الأحوال الموافقة على اعتبار أي جماعة أو فرقة أو طائفة مسلمة مفهومها الديني أنه الحقيقة المطلقة، وأن تـُقصى المفاهيم الأخرى، وتكفرها، وتحكم بالقتل على من تكفرهم» وفي المآل فإن «كل شخص يقول «أنا مسلم» يدخل في دائرة الإسلام، وليس لأحد صلاحية إخراج أي شخص من الإسلام. وكما أن الجماعات التي تتخذ التكفير أساسًا لتفكيرها قد حُكم عليها من قبل الضمائر المسلمة في الماضي، فمن الواضح أن هذه الأفكار البدعية حديثة الظهور لن تـَلقـْى قبولًا اليوم من جانب الضمير الجماعي. فضلا عن انه «لا يقبل أحد أن يقوم كيانُ سينشأ على أنقاض عمليات إبادة الرجال والأطفال والنساء الأبرياء العـُزلِ من ضحايا صراعات المصالح وإخراج الناس من ديارهم بغير حق، أن يدعي بأن منهجه متوافق مع الدين الإسلامي».. وبالتالي «لا يمكن قبول أحد الأطراف المتنازعة في العراق أن يطلق تصريحات تهديدية موجهة لهدم أضرحة شخصيات معنوية ذات أهمية لدى أهل البيت مثل سيدنا علي وسيدنا الحسين وأبي الفضل العباس الموجودة في النجف وكربلاء» .. لأنها ليست قيمًا خاصة بالشيعة أو السنة فقط، بل هم قيمٌ كبيرة ومشتركة للأمة الإسلامية بأسرها..كما لا يمكن الموافقة على أن يعلن أحد الأطراف الجهادَ على طرف آخر. ذلك أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لم يأمرا بالجهاد الذي يـَعتبـِر فيه مسلم دم أخيه المسلم وروحه حلالًا يفعل فيهما ما يشاء، أما الجهاد الذي يتعين علينا أن نهتم به اليوم، فهو الجهاد ضد الجهل والتعصب والفتنة والفرقة، ولهذا «فإن الفتاوى التي تتسبب في إراقةِ الدماء ليست ذات قيمة هي الأخرى. وإلا فإن العالم الإسلامي سيتحول بأسره إلى بيئة مليئة بالجريمة، والعلماء المسلمين سيتحولون هم أيضًا إلى شركاء في هذه الجريمة» وبدلا من ذلك، على «ممثلي المؤسسات والهيئات الدينية في مناطق النزاعات الساخنة أن يجتمعوا سويًا ويـُطلقوا مبادرات للحل الديني والأخلاقي الدائم للقضايا التي تعيشها مناطق الصراعات، والتي يأتي على رأسها العراق وسوريا» وبناء عليه، تطلق رئاسة الشؤون الدينية في تركيا، مبادرة لتبني وتزعم هذه الجهود الرامية لجمع شمل علماء الدين من الشيعة والسنة في جميع أنحاء العالم!
هذه هو صوت العقل التركي، الذي يجب أن يستمع إليه ذوو النهى، ويمتثلوا له، ويشيعوه بين الناس، بدلا من تأجيج نار الخلافات والفتن فيما يستمتع أعداؤنا ونحن نقتتل، ونريق دماء بعضنا البعض!

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news