jo24_banner
jo24_banner

.. وتربّص بالحياة!

حلمي الأسمر
جو 24 : كتب صديقي موسى برهومة على حائطه الفيسبوكي: الغبطة العظيمة تصنعها التفاصيلُ الصغيرة. أيقظ حواسك أيها الكائن، وتربّص بالحياة..!

........

هذه الكلمات مست وترا حساسا في سويداء القلب، وهذا الأمر تحديدا لي معه قصة طويلة جدا، رافقتني منذ وعيت نفسي على سطح هذه الكرة!

بداية، لا يضيرني أن أقول أن اسم «الدلع» (إن كان ثمة دلع في بيئة المخيم!) الذي كان الأهل ينادونني به وأنا طفل، هو «ابو نكد» لفرط تقطيبي ونكدي، وكبر كشرتي، وللكشرة حكاية، فهي جزء أصيل من تقاطيع وجهي، والغريب أنني أسهو قليلا فأجد نفسي مقطبا، بلا سبب، ثم أسأل نفسي لم أنا مقطب؟ فلا أجيب، وليس ثمة جواب أصلا، فأضحك على نفسي، وأتذكر «ابو نكد» ذلك الشخص الذي قضيت ردحا من عمري وانا أحاول أن اطرده بعيدا عني، بل إنني حاولت غير مرة تصفيته جسديا، وإبعاده تماما عني، وكثيرا ما كنت أنجح في محوه من حياتي، إلا أنه كطائر الفينيقين كان كل مرة يقوم من بين الرماد وينتصب أمامي متعملقا بتحد مستفز، وهكذا ظللت في كر وفر معه، إلى أن وصلت معه إلى «معاهدة» عدم اعتداء، فتركني وشأني وتركته وشأنه، وبت «أتربص» بالحياة، على حد تعبير صديقي موسى، تحديا لكل ما هو أسود وقاتم وجالب للنكد في حياتنا، واكتشفت من بعد، أن ثمة مواقف كثيرة كانت تتحول إلى نكد خالص، لأسباب تافهة، وكان يمكن أن تكون لحظات فرح حقيقية، مع قليل من حسن التربص، وعدم الاندفاع إلى التقطيب، وإلهاب مشاعر الغضب!

البعض يعتقد أن النكد والتقطيب من حسن الخلق، بحسبانه «تضامنا» مع ما تعانيه الأمة من انزلاق متواصل نحو الفتن والتمزق والانكسارات، وهذا مفهوم خاطىء بالكامل، فمقاومة السواد لن يكون بالسواد، بل إضاءة شمعه، وإخراج لساننا له سخرية واستهتارا به، والحقيقة أن كل ما حولنا يتربص بنا لسحبنا إلى سابع أرض من أراضي النكد والهم والغم، وكلما قاومنا، وتربصنا بالفرح، وصنعناه، كلما نجحنا في إفشال مخططات «العدو» في تحويلنا إلى كتل متحركة من النكد والمغص والسواد!

ومما كتبت، في «التربص» أذكر..أجمل ما في الكأس، ليس ما في قعره، ولا الرشفة الأولى، ولا نصفه الممتلئ بل في أن تملأه، ومنه أيضا: تعلم أن تستمتع بك، ومنه: لا تكن كالأثرياء الذين يبنون القصور كي يسكنها ورثتهم! / في أعماق كل منا ينابيع من النشوة، هل جربتم كيف تستمتعون بأنفسكم، وتستثمرون مخزوناتكم من اللذة؟ أحيانا، حتى ونحن في قمة النشوة، نحتاج للقليل من الشقاء، كي نستلذ بحلاوة اللقاء!

كم يخسر أولئك الذين تمر بهم لحظة فرح عابرة، ولا يعطونها تأشيرة «إقامة دائمة»..

فتربصوا إنا معكم من المتربصين!

hilmias@gmail.com


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news