2024-04-24 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

النداء الأخير..!

ماهر أبو طير
جو 24 : على سيرة الصواريخ التي تنهمر على مطار اللد، المسمَّى زورا وبهتانا «مطار بن غوريون»، ووقف شركات طيران غربية وعربية، لرحلاتها الى المطار، فاضت في بالي قصة قديمة، كنت قد كتبتها في مقال سابق بعنوان «النداء الأخير» والمقال منشور بتاريخ الخامس عشر من كانون أول من العام الفين واثني عشر.
ليعذرني القارئ إذ أعيد نشره، فلم تجرِ العادة بنشر المقالة، مرتين، وليس ذلك دليل افلاس، ولكنها اللحظة التي تضعك امام مسرب غير اختياري، لم أجد فيه غير ذات النص للتعبير عن موقف وكلمة، ازاء ما يتعرض له مطار اللد الشهير...وفيما يلي نصه.
.... كنت في مطار عمان، وشرب القهوة وقراءة الصحف صباحا ينسيانك ربما موعد الطائرة، وإذ تستغرق في قراءة الصحف الورقية، تفزع فجأة فلا تسمع إلا نداء صوتيا في المطار يقول : هذا هو النداء الأخير لرحلة تل أبيب..الرجاء من الركاب التوجه الى بوابة المغادرة.
يتوقف قلبك، لأنك ما زلت تسمع بشغف بالغ أغنية سيد مكاوي الشهيرة «الأرض بتتكلم عربي» فيلمع الدمع في عينيك، وأنت تريد أن تسمع كلاما من قبيل..هذا هو النداء الأخير لرحلة القدس، أو يافا أو الناصرة أو غزة، أو دمشق أو بيروت، أو القاهرة أو بغداد وكل حرائرنا العزيزة.
تغيَّرت الدنيا. تذهب الى بوابة المغادرة للدخول الى الطائرة، فتكتشف أن هناك ثلاث رحلات لثلاث مدن في وقت متقارب وركاب الرحلات الثلاث يتجمَّعون معا في قاعة واحدة انتظارا للنداء الأخير لرحلاتهم.
أجلس وسط عشرات الأجانب. لا أفكر مطولا في الموضوع. فجأة أسمع اللغة العبرية حولي بصوت مرتفع. شالوم ومشتقاتها من مفردات عبرية. يتوقف قلبي مرة ثانية. ماهذا الصباح ياالله؟!.
لا يخاف الإسرائيلي كما قيل لنا. يتحدث بصوت مرتفع وهو مرتاح هنا وغير خائف.أخاف أنا، وأبتعد عن مقعدي الى مقعد بعيد، وما زلت أرى الركاب يتجمَّعون، والعبرية مسموعة بصوت مرتفع، والمضيفة الأرضية تصيح: هذا هوالنداء الأخير لرحلة تل أبيب!!
لا أعرف لماذا تذكرت فجأة صوت بائع الكعك الخليلي في القدس، الذي يتم ضربه يوميا وسلب عربته لكنه يعود لبيع الكعك والمناداة بصوت مرتفع هناك قائلا بلهجته الخليلية الممدودة: كعك كعك، غير آبه بكل ما يفعله جند الاحتلال؟!.
كأن «محمود درويش» بجانبي يقول بصوته» «سجل أنا عربي»، فأطلب منه ان يعيد صياغة شعره، أو أن يسكت من شدة مرارتي، ولو عاد حيا لربما قرأ «المعوذتين» على رأسي لأستفيق من هذياني وشدة حرارتي، خاصة إذا رمقته المسافرة الإسرائيلية باستكشاف ينمُ عن تحدٍ و وقاحة، كلما نظرت الى وجهي المضطرب.
أمضيت الوقت وأنا أفكر في أمر واحد، لماذا يخفق قلبي بشدة خوفا وهلعا، فيما لا يخافون هم؟! هل هم بشر مثلنا، أم غيرنا؟! وجوه شقراء وسمراء، ملل من كل الأرض، تجمعت في فلسطين، وأنا جالس هنا حزين، يسافرون الى «تل الربيع» التي بات اسمها «تل أبيب»، ومئات ملايين العرب والمسلمين -وأنا منهم- غير مسموح لنا حتى البكاء على شاطئ حيفا، الذي يستحيل مالحا من فرط دمعي ودمعهم.
يعود الصوت..هذا هو النداء الأخير الى رحلة «تل أبيب»، فيخضع قلبي من شدة الحزن، وهو لا يريد أبدا إلا أن يسمع كلاما يتمنَّى أن يعيش حتى يسمعه.
هذا هو النداء الأخير لرحلة فلسطين.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news