jo24_banner
jo24_banner

التقسيم الأسوأ !

ماهر أبو طير
جو 24 : تنهمر على أسماعك دوماً تصريحات تقف ضد تقسيم العراق وسورية واليمن ودول عربية كبيرة، وواقع الحال يقول إن التقسيمات الوجدانية تكرَّست على الأرض، قبل تلك الجغرافية.
في الانموذج العراقي، ما زال العراق موحداً من حيث الشكل، والكل يقول لك إنهم لا يريدون تقسيم العراق، ويكذبون في كلامهم، لأن كل خططهم تريد التقسيم وتسعى اليه، وكرَّست ما هو أخطر من التقسيم الجغرافي، أي التقسيم الوجداني، وتشظية الهوية إلى سنَّة وشيعة واكراد، والتقسيم تم فعليا في العراق، شئنا أم أبينا، حتى لا تكون القصة فقط قصة حدود جغرافية ورايات ودساتير ودول.
التقسيم الاسوأ رأيناه في سورية، وكل سورية مقسَّمة اليوم، والتقسيم الجغرافي نتيجة نهائية، للتقسيم الوجداني، وسورية التي كانت موحَّدة، نجد أن عقدها قد انفرط الى سنَّة وعلويين ودروز ومسيحيين وغيرهم، وهذه مكونات خرجت فجأة لتعبر عن نفسها تحت عنوانها الفرعي، لا الرئيس.
التقسيم الجغرافي اسهل، لأن الحدود قد تصغر وقد تكبر، وهي عرضة للتغيير كل عقد أو قرن، أو أكثر ، وهذا هو حال الدول، وقد خبرناه عبر التاريخ.
فيما التقسيم الوجداني اسوأ وأخطر، لأن الكراهية تسود هنا بين المكونات، وتحزن إذ يتفاخر عراقيون اليوم بزواج سُنِّية من شيعي، وكأن الامر يستحق الاحتفال، لكنه زمن الاستثناءات، وقد كان العراق طوال عمره يعيش بشكل طبيعي اجتماعيا من حيث حالات الزواج الشبيهة والتجاور والشراكات، فيما احتفالية المصاهرة السنِّية الشيعية تعبر عن الأسوأ، أي أن عموم العراقيين اليوم، ينزعون باتجاه آخر تماماً.
إذا توقفت هذه الفتن، فإن ثارات الدم والكراهية ستبقى لألف عام واكثر، وتسمع اصدقاء سوريين يتوعدون العلويين، بأنه اذا سقط النظام سيعودون من مغترباتهم لذبح كل علوي انتقاما مما جرى.
تسألهم بماذا يختلفون إذن عن النظام الرسمي، الذي يتهمونه بأنه يذبح، فيما هم يقررون تأجيل الذبح فقط لتوقيت آخر، فالكل سواء إذن في هذه المحنة الاخلاقية التي تعصف بالمنطقة؟!.
التشظية الاجتماعية، وسقوط حجارة المعبد، أمرٌ تم جهارا نهارا، ومكونات الدول والمنطقة، انفرط عقدها، الى مجموعات اصغر، وعلى هذا يمكن القول -بكل صراحة- اليوم ان مخطط تقسيم المنطقة قد تم على اساس ديني وطائفي ومذهبي وقبلي وعرقي، فيما التقسيم الجغرافي مجرد نتيجة نهائية، وطبيعية جدا، للتقسيم الوجداني،ولنعترف إذن أننا لم نعد كما كنا، ومن الصعب جدا، ان تقبل هذه المكونات ان تعود كما كانت، لأن الغضب قد أعمى بصيرة الجميع.
يبقى السؤال: لماذا تتجاوب مكونات المنطقة بسرعة مع مخططات تشظيتها؟!.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news